كأنما ضاقت بنا الأرض بما رحبت حتي نتصارع علي طرائق الموت وأساليب الفناء ، ونحن أحياء علي ظهر البسيطة نقتات من وساوس الشيطان ووعود إبليس اللعين ، وكأن فتنة القبر أو « ربما المقابر « ليست بعد الممات وبين ظلمة الوحدة والتراب كما هو معلوم، ولكنها تسبقها وقلوبنا لا تزال تنبض وأرواحنا تحلق بعيدا قبل لقاء منكر ونكير. صراع من نوع جديد أصبح مألوفا وعاديا في كثير من القري والمدن بسبب صعوبة الحصول علي موطئ قدم تسجي فيه جثامين الأموات بمدافن الأسر نتيجة غياب التخطيط السليم من الجهات المعنية وانفجار السكان وتكاثر الآدميين الذين لم تعد تسعهم جبانات ضيقة وصغيرة. التنافس علي بناء المقابر جعلها تستقبل جثة شاب يافع وأخرس وفي عنفوان حيويته دفع حياته ثمن رصاصة غادرة من إبن عمته أمين الشرطة والذي أراد أن ينهي حياة قريبه لخلافات منذ فترة علي بناء المقابر والمسافات التي يتعين تركها بينها . القصة حدثت في قرية «شبرا البهو»، مركز أجا محافظة الدقهلية عندما تلقي اللواء عاصم حمزة، مدير أمن الدقهلية إخطارًا من العميد أحمد الذهبي، مأمور مركز شرطة أجا، بوصول محمد سعد إبراهيم الشربيني 27 عامًا فلاح إلي مستشفي أجا مصابًا بطلق ناري في الرأس ولفظ أنفاسه الأخيرة نتيجة لإصابته بكسر في قاع الجمجمة، ونزيف بالمخ، وتجمهرت أعداد كبيرة من أقاربه داخل المستشفي وخارجها يطالبون بسرعة القصاص من أمين الشرطة. وأمر اللواء السعيد عمارة، مدير المباحث، بتشكيل فريق بحث بقيادة الرائد فكري شعير، رئيس مباحث أجا، وتبين أن رضا محمد علي نصر الدين، 43 عامًا والمشهور برضا النجار أمين شرطة بقسم ثانِ المنصورة ، وقعت خلافات بينه وبين خاله منذ أسبوع بعد بنائه مقبرة في المنطقة الواقعة بين مقبرتي العائلتين علي مساحة 6 أمتار، وهو ما يتسبب في عدم وجود ممر بين المقابر حسب وجهة نظر أمين الشرطة ، ونشبت المشاجرة بينهما، فضربه أمين الشرطة، وأهانه، وأدخله داخل مقبرة مفتوحة، وأكدت التحريات أن المجني عليه أخذ يوم الحادث سكينا واتجه إلي أمين الشرطة، وحاول طعنه بالسكين إلا أنه أخرج سلاحه الميري، وأطلق عليه النار فأصابه في رأسه الإصابة التي أدت إلي وفاته وضبط سلاحه الميري وبه أربع طلقات . ويؤكد شهود العيان في القرية أن الاحتقان بين أمين الشرطة وأسرة خاله موجود منذ فترة ، وأن الضحية شعر بإهانة والده فلم يستطع تحمل ذلك ، ويوم الحادث كان أمين الشرطة يرش أرضه الزراعية، في الوقت الذي كانت مع الفقيد محمد عربة كارو بحصان نزل من فوقها واتجه إلي أمين الشرطة مباشرة بغرض الهجوم عليه ، إلا أن الأخير والذي كان في يوم راحته سارع بإخراج مسدسه الميري وأطلق منه رصاصة باتجاه رأس القتيل فسقط علي الأرض مضرجا في دمائه ،فحاول أمين الشرطة الهروب من المكان باتجاه بيت أصهاره في قرية البهو فريك المجاورة، لكن قوات الأمن تمكنت من ضبطه . وبسؤال الجاني في التحقيقات الأولية بعد القبض عليه أكد أنهم كانوا يبنون مقبرة بالقرية فحدث خلاف بينه وبين أهل القتيل علي بعد المسافة، ما أدي لحدوث مشاجرة بينهم وتطورت ، وهاجمه المجني عليه بسنجة وحاول اثنان من الجيران منعه الا أنه صمم علي الاعتداء عليه فقام الجاني بسحب مسدسه واطلق منه طلقة بهدف تخويفه فأصابته في رأسه مما أدي لنزيف حاد وتم نقله للمستشفي الدولي في محاولة لإنقاذه ولكنه فارق الحياة . الحادثة عمقت الأحزان في منزل القاتل والضحية معا لأنهما من أسرة واحدة ، فأمين الشرطة ترك أربعة أبناء وبنات في عاصفة الضياع بعد فعلته ، ووجه إليهم طعنة نجلاء في مستقبلهم وإستقرارهم ، وترك من الأبناء محمد ومريم توأم 15 سنة يدرسان في دبلوم التجارة وميرنا سنتين ورفعت سنة واحدة. أما الضحية محمد سعد فقد كان العكاز الذي يتكئ عليه والده الحاج سعد والذي انكسر ظهره بمقتل ابنه الذي يساعده ويعتمد عليه في أشغال الأرض والزراعة ورعاية المواشي. يقول الحاج سعد وصوته مخنوق بالحزن والغضب والدموع أن ابنه المسكين أخرس وغير متزوج ورغم أن له أشقاء أحدهم مسافر والآخر موجود في البلد لكنه العمود الفقري في الأسرة يحمل همومها ويقوم بكل الأعمال لخدمتها ، مؤكدا « بإختصار مات سندي « . ويضيف والد القتيل : التهديدات كانت تصلنا من ابن أختي منذ فترة ويستغل المسدس الميري الذي يحمله بحكم عمله في تخويفنا أكثر من مرة والتلويح بالأذي والقتل وأهل البلد شهود علي هذا كله . ويناشد والد محمد أجهزة العدالة والقضاء بالقصاص لابنه وأن تأخذ العدالة مجراها، متمنيا ألا يستغل الجاني وظيفته في الشرطة في الإفلات من العقاب أو أن تكون هناك مجاملات وحتي يكون عبرة لكل من يستغل عمله والأمانة والمسئولية التي تعطيها الدولة له كسلاح في قتل الأبرياء ولا يمكن لأحد أن يستغل الحادثة لإهالة التراب علي دم ابنه الذي لم يجف بعد والذي سيبقي معلقا حتي القصاص العادل من القاتل .