في انتخابات الرئاسة ظواهر غريبة وأخري مستغربة; والظواهر الغريبة هي تلك التي لم تكن مألوفة في نظم الانتخابات الرئاسية في مختلف دول العالم. أما المستغربة فهي تلك التي لا تتسق مع روح الثورة ومنطقها وبالتالي لاتلائم طبيعة المرحلة. من الغريب أن تكون لدينا ظاهرة المرشح المحتمل قبل فتح باب الترشيح بعام كامل, وأن يمارس هذا المرشح المحتمل دعايته الانتخابية وأن يحظي باهتمام إعلامي واضح, وفي المقابل يصبح هناك مرشح اللحظة الأخيرة والذي يجابه تقييدا للدعاية الانتخابية تقصرها علي فترة محددة يراها كثيرون محدودة وغير كافية. ومن المستغرب أن يكون جل المرشحين دون انتماءات حزبية بالرغم من وجود عدد كبير جدا من الأحزاب في ظل تعددية وصلت إلي الفوضي, وبعبارة أخري لم تقدم الاحزاب مرشحين لها بما في ذلك تلك الممثلة في البرلمان... ربما هناك أحزاب صغيرة لا تقوي علي هذه المهمة, وربما هناك أحزاب مازالت ترضي لنفسها بالدور الذي كانت تلعبه في النظام البائد وتحاول استعادته مع الجهة التي تتولي إدارة شئون البلاد الآن, فتهرع لتأييد المرشح الذي تعتقد أنه مدعوم من هذه الجهة. لكن السؤال يظل معلقا فيما يخص الحزبين الحاصلين علي أكبر النسب في مقاعد البرلمان حيث لم يرشح كلاهما أحدا بالرغم من أن من بين المرشحين من يشاركهما المرجعية أو الخلفية والتوجه. ومن الغريب والمستغرب معا أن يكون هناك حديث عن المرشح التوافقي, وأن يتم ابتذال معني التوافق لننحدر به في هوة التواطؤ, وأن ننسي المكان الصحيح لفكرة التوافق وهو داخل كل تيار من التيارات العاملة علي الساحة. ومن الغريب كذلك أن نعقد انتخابات لاختيار رئيس لا نعرف صلاحياته بالضبط كما لا يعرفها هو أيضا, وأظن أن المرشح الذي لا يعرف صلاحيات المنصب لن يسطيع تقديم برنامج يليق بحجم هذا المنصب وفي كل الأحوال لن يستطيع أحد أن يقدم برنامجا لأسباب أخري ليس هذا مجالها. لكن ما يجب تأكيده هو أن الرئيس القادم حيث سيعمل وفق الإعلان الدستوري سوف تكون له صلاحيات الرئيس المخلوع, وسيتولي في فترة يصاغ فيها دستور جديد مما يفتح الباب لصراع نحن في غني عنه, فسوف يحاول التأثير علي صناعة الدستور ليضمن صلاحيات كبيرة, بينما تحاول القوي الأخري تحديد هذه الصلاحيات علي أوصاف هذا الرئيس بما يحقق مصالحها. والحقيقة أن قائمة الغرائب طويلة, واننا لسنا بصدد تفسيرها, بالرغم من أن تفسيرها بسيط وهو أنها جزء من سوء إدارة المرحلة الانتقالية. والأهم هو دلالاتها والتي تنبئ عن محاولات'' تعيين رئيس لا انتخابه'' وأن القواعد التي تدار بها العملية معيبة وغير نزيهة; خصوصا في ظل تلميحات بأن المجلس الأعلي للقوات المسلحة يؤيد أو يدعم مرشحا بعينه, وتلميحات أخري بوجود اتفاق بين المجلس وحزب الحرية والعدالة. وأخشي أننا بذلك نكمل الطريق الخطأ الذي بدأناه, وأننا نراكم الأخطاء وقد تكتمل معنا دائرة الخطأ لتعود بنا حيث بدأنا..... إلي نقطة الصفر, ويبدو أننا علي موعد دائم ومتجدد مع الصفر. في ظل هذا المشهد هناك مخاوف من أن يتم حسم معركة الرئاسة علي أساس عوامل تجهض عدالة المنافسة وتطيح بما تبقي من مبدأ تكافؤ الفرص, ومن ثم تؤسس لنظام غير ديمقراطي يستوجب الإزالة قبل أن يكتمل. والواقع أن هناك ممارسات قد يصعب تجريمها في ظل القواعد القائمة, لكنها من الناحية السياسية قد تكون كارثية; ففي ظل هذه القواعد يبدو المال ودعم المجلس الأعلي للقوات المسلحة وتأييد التيار الإسلامي عوامل حاسمة في رسم خريطة المرشحين في تحديد موقع كل مرشح علي هذه الخريطة بشكل يكاد يشي بالنتيجة النهائية. أكثر من ذلك أن هذه العوامل قد تلعب دورا كبيرا في تزييف وعي الجماهير وتوجيه إرادة الناخبين; خصوصا إذا تلاقت خيارات التيار الإسلامي مع رغبة المجلس العسكري, وبصفة أخص إذا تلاقي كلاهما علي مرشح من رموز النظام البائد أو السابق عليه والذين ربما يجدون تأييدا من الأموال التي سبق نهبها. هنا قد يخطئ الجميع الحسابات السياسية, فليس من صالح هذا التيار أن يسيطر علي النظام السياسي الجديد في هذه المرحلة الحرجة الأمر الذي قد يجر عليه وبالا من الداخل والخارج لا طاقة له به, ويحمله وحده مسئولية الفشل والأخطاء وهما واردان. وليس من مصلحته كذلك أن يؤيد مرشحي العهد البائد لأن ذلك سوف يستنفد شعبيتهم التي بدأت تتقلص فعلا مع أدائهم في البرلمان. بل وقد يخسر التيار الإسلامي الرهان مرتين إذا فعل أحدهما; فقد يؤيد مرشحا إسلاميا أو أحد الفلول ظنا منه أنه يمتلك الشارع, مع أن الحقيقة غير ذلك تماما. الحقيقة أن جزءا كبيرا مما جري في انتخابات البرلمان كان من محاسن الصدف بالنسبة للتيار الإسلامي بحكم عوامل ظرفية كثيرة كتبنا عنها في حينها جعلته يحصد هذا الكم من الأصوات, ومن المعروف أن الصدف لا تكرر محاسنها حتي وإن تكررت هي, هذا مع علمنا أنه من الصعب أن تتكرر. والحقيقة كذلك أن التصويت في انتخابات الرئاسة سوف يجري علي استقطابات مختلفة تماما ليس فيها البعد الديني وليس فيها نفوذ المال وليس فيها حسابات العصبية, كما يبدو أن البرامج لن تجد لها مكانا... سوف يكون الاستقطاب بين من هو ثوري ومن هو ليس كذلك. في ظني أن تأييد مرشح يساري هو أقرب السبل إلي تصحيح المسار وبناء نظام غير معتل. المزيد من مقالات د.صلاح سالم زرنوقة