لا شك أننا نقف على بعد أيام من الاحتفال بتحقيق حلم عظيم بأيد مصرية عظيمة ، فمشروع قناة السويس الجديدة هو مشروع جيل وشعب ووطن، وهو رؤية قائد حكيم، وعزيمة وإرادة وتصميم وجهد وعرق وكفاح شعب عظيم، يمتلك تراكما حضاريا يتجاوز سبعة آلاف عام، وهذه الحضارة العظيمة السمحة أهلته لأن يصمد أمام المحن والشدائد، وأن يواجه الصعاب بتحد منقطع النظير، فبنى الأهرامات والمعابد والكنائس والمساجد التى أذهلت وما زالت تذهل العالم كله، وحفر قناة السويس الأولى، وبنى السد العالي، وحقق عبورين عظيمين الأول فى أكتوبر 1973م ، والثانى هو ما نشهده بإذن الله تعالى بعد أيام بافتتاح المجرى الملاحى الثاني، ذلك المجرى الذى ييسر العبور البحرى فى أهم شريان بحرى فى العالم، من خلال ازدواج المجرى الملاحى للقناة وتعميق غاطسه إلى ستة وستين قدمًا فى المجريين، مع ما يتبع ذلك من خدمات لوجستية، مما يعزز مكانة مصر الدولية، ويعظم من قيمة موقعها المتميز، ويضخ المزيد من العملة الصعبة فى اقتصادها، ويوفر المزيد من فرص العمل، أمام أبنائها، وفرص الاستثمار أمام رجال أعمالها أو أمام أشقائنا وأصدقائنا بما يخدم مصالحنا المشتركة ويخدم الإنسانية جمعاء، فديننا دين التسامح والتراحم والتعارف وخدمة الإنسان الذى كرمه رب العزة (عزّ وجّل) فقال: « وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً « ( الإسراء : 70) ، وقال سبحانه : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» ( الحجرات : 12 ) ، وقد علّمنا نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) أن خير الناس أنفعهم للناس، ولا شك أن نفع هذه القناة هو لنا ولمنطقتنا وللبشرية جمعاء. كما أنه لا شك أيضا فى أن هذا المشروع العملاق سيغير خريطة الاقتصاد المصرى من جهة والواقع الجيوسياسى للمنطقة من جهة أخرى، وسيفتح الباب لمزيد من المشروعات الاقتصادية العملاقة الكبرى، ونستطيع أن نقول إن ثقافة إنجاز المشروعات الكبرى قد صارت سمة لازمة لهذا الشعب وقائده الحكيم، وأن عصر المشروعات الكبرى قد بدأ وعجلته قد أخذت فى الدوران، غير أنها لن تعود إلى الوراء أو الخلف مرة أخرى بإذن الله تعالى، كما أنها ستدهس من يقف فى طريقها من الإرهابيين أو المتطرفين أو أعداء الدين أو أعداء الإنسانية، فالدين والوطن والإنسانية يقتضون العمل والإنجاز والإصلاح، وأعداء ذلك كله يريدون الهدم والتخريب والقتل وسفك الدماء واستباحتها، ولكن مكرهم مردود عليهم، وبغيهم على أنفسهم بإذن الله تعالى، ثم بعزيمة وتصميم وإرادة هذا الشعب الأبيّ، وفداء وبسالة وتضحيات قواتنا المسلحة التى اختارت أن تقف فى صف الشعب وخندق الوطنية، يد تبنى وأخرى تحمل السلاح، وقد قلت فى شأن هذه القناة عقب أول زيارة لها بعد إعطاء السيد الرئيس إشارة البدء فى العمل بها: قناة السويس قناة الأمل قناة البناء قناة العمل * * * ورمز الكفاح كفاح الجدود بناة السدود بناة الهرم * * * قناة العبور عبور الأسود حماة الحدود دروع الوطن * * * عبور جديد برأى سديد قرار حكيم لقائد بطل * * * إشارة بدء بحفر القناة تسر الصديق وتعلى الهمم * * * جهود الرجال وذاك العرق يعطر أرضا ويحيى أمم وها هو الحلم يتحول إلى حقيقة، ويعيد إلى الشعب المصرى ثقته فى نفسه وفى قدرته على صنع العجائب وتحقيق الأمانى والأحلام، ويؤكدون أننا قادرون على الحفاظ على مقدراتنا الحضارية والإضافة إليها، وأننا جديرون باحترام وتقدير العالم، حيث كان أكثر قادة العالم يظنون أن تنفيذ مشروع بهذا الحجم فى عام واحد بسواعد مصرية وأموال مصرية أمرًا صعبا، لكن الشعب المصرى لم يخيب ظن قائده فيه لا فى التمويل الذى جمع فى أيام معدودة، ولا فى التنفيذ وفق الخطة المرسومة، فكان الشعب عند حسن ظن قائده والمسئولية التى جعلت من هذا المشروع منطلقا إلى عصر المشروعات المصرية الكبرى. لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة