تابع العالم ومصر معه استفتاء الشعب اليوناني علي حريته الاقتصادية، والاختيار بين العبودية الاقتصادية للبنك الدولي ومن معه من زمرة البنوك التجارية والشركات متعددة الجنسية وقادة الاتحاد الأوروبي ، وبين الاستقلال الاقتصادي ورفض التبعية.. وانتفض الشعب اليوناني معلنا انحيازه للاستقلال الاقتصادي، رافعا بذلك راية "لا" للعبودية الاقتصادية. وهي راية ستقوم من بعده شعوب إيرلنداوإيطالياوأسبانياوالبرتغال برفعها تباعا في استفتاءات شعبية لاحقة علي ما يبدو. مبروك لشعب اليونان وحكومته اليسارية بزعامة الشاب الواعد ألكسيس تسيبراس - زعيم حزب سيريزا اليساري البالغ من العمر 40 ربيعا - ليس لتحديه الغرب بكلمة "لا".. وإنما لفرصة قيادته للعديد من شعوب دول أوروبا ضحايا روشتة البنك الدولي. وقبل ان أكمل تلكم المقدمة، التي كنت اعرضها علي صحفية شابة جاءت لتحاول سبر غور الأزمة الاقتصادية اليونانية، وهالها سعادتي البالغة بنتيجة "لا " في استفتاء اليونان، باغتتني بجملة أسئلة: 1 - علام السعادة في نتيجة استفتاء اليونان الذي قد يفاقم الأمر؟ 2 - وما هي عواقب ذلك علي اليونان الذي يتعرض لهجمة من الدائنين يتوعدونه بالويل والثبور وعظائم الأمور؟ 3 - وهل من مخرج يحمي اليونان من تلكم التهديدات؟ أجبت: عن السؤال الأول، سر السعادة يابنيتي، ان مصر كانت ستلاقي ذات الموقف بذات الاستفتاء، لو لم تواجه واقعة "الربيع العربي" بكل ما تداخل فيه من ثورات شعبية، ومؤامرات خارجية، وتمويلات أجنبية، وبالطبع كنت سأسعد بنتيجة الاستفتاء المصري بنتيجة "لا " للتبعية الاقتصادية..وأيضا "لا" للتبعية السياسية. فهذا الحجم الهائل من الديون، وخدمة الديون التي تتحملها مصر، والتي حرمتها من القيام بالتنمية الاقتصادية، طيلة الثلاثين عاما الماضية، وكانت روشتة البنك الدولي بخصخصة التراكم الصناعي والخدمي للقطاع العام، وتسريح عمالته تحت بدعة المعاش المبكر، ورفع أسعار الكهرباء والوقود، والاقتراض بفوائد باهظة، ما أدي إلي إضعاف القوة الشرائية للعملة الوطنية في مواجهة العملات الأجنبية، وذلك الضعف كان من الممكن ان يتحول إلي قوة ان كان لدينا فائض انتاجي للتصدير، أو سياسة تسويقية ناجحة لاستقدام السياح الأجانب، ومن هنا نستطيع ان نقرأ سبب العمليات الارهابية لحرمان الاقتصاد المصري من الأفواج السياحة. وكانت نتائج تلك السياسات - دون شك - سببا من أسباب ثورة 25 يناير للمطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية. تدخلت الصحفية الشابة: طيب كيف كان للحكومة المصرية ان ترفض روشتة البنك الدولي وهي في حاجة ماسة إلي القروض التي يقدمها لها؟ قلت: فاكره عبد الحليم حافظ وهو يشدو صادحا:" كان طبيعي نبص للنيل اللي أرواحنا في إيديه.. ميته في البحر ضايعة والصحاري في شوق إليه" .. تمهيدا لبناء السد العالي، وما أدي إليه ذلك من تأميم قناة السويس، وخوض حرب 1956 حيث نجحت مصر ليس في استعادة القناة فحسب، وإنما في بناء السد العالي أيضاً!! كان يجب ان نكمل شدوه.. كان طبيعي نبص لقناة السويس..مصدر عزتنا..وعزنا..تصوري كنا سعداء بأننا بنحصل منها علي مبلغ 5 مليارات دولار سنويا- رسوم مرور السفن - في حين ان الريع النقدي لها لا يقل عن مبلغ 40 مليار دولار سنويا، فقد قام الدكتور عاطف عبيد رئيس وزراء مصر الأسبق، في سعيه النهم لتنفيذ تعليمات البنك الدولي لخصخصة قناة السويس، بتكليف مكتب محاسبة دولي لتقييم قناة السويس، لزوم الخصخصة، فتم التقييم بمبلغ 400 مليار دولار، عليه يكون الريع النقدي بحسبانه 10% من قيمتها هو مبلغ 40 مليار دولار، بمعني ان مصر تحقق سنويا خسارة محققة هي مبلغ 35 مليار دولار نتيجة سوء إدارة القناة اقتصاديا، مع الأخذ في الاعتبار ان من كان سيستأجر القناة لإدارتها اقتصاديا - وذلك بتقديم الخدمات للسفن المارة من وقود، وتموين، وقطع غيار، وصيانة وغيرها من الخدمات - بمبلغ 40 مليار دولار سنويا يدفعها سنويا للحكومة المصرية، كان سيحقق منها مبلغ 60 مليار دولار سنويا أي ان القناة كان يمكنها ان تحقق مبلغ 100 مليار دولار سنويا، مع توفير نصف مليون فرصة عمل. بعبارة أخري اضاعت حكوماتنا السابقة مبلغ 95 مليار دولار سنويا، علي الاقتصاد القومي، كما أضاعت نصف مليون فرصة عمل، اليوم الفرصة سانحة مع افتتاح قناة السويس الاضافية لتحقيق 200 مليار دولار سنويا مع توفير مليون فرصة عمل. ودعيني اذكر حقيقة معني التحدي في يوم 6 أغسطس القادم، وهو تحد لا يقل عن تحدي اليونان لمجموعة الدائنين بكلمة "لا". ولا يحد عن قراري بناء السد العالي وتأميم قناة السويس..تلكم الحقيقة تكمن في لقاء تم بيني وبين الدكتور ميلاد حنا - الوطني المصري الغيور - عندما عرضت عليه في عام 1994 مشروع استراتيجية تطوير بورسعيد المتضمن مشروع شرق بورسعيد، وتطوير قناة السويس، وإدارتها اقتصاديا إدارة تنافسية.. فرد علي الرجل المفكر: شوف أنت كنت عايز جمال عبد الناصر، فهذا المشروع لن يجرؤ الرئيس مبارك علي تنفيذه، لأنه يفتقد جراءة القرار السياسي، وكل همه إرضاء أمريكا. اليوم وقد تبني الرئيس السيسي وبكل جراءة مشروع محور قناة السويس، وبدأ في حفر قناة السويس الجديدة، وكأن لسان حال الدكتور ميلاد حنا لو كان بين جنبينا: الرئيس السيسي لديه جراءة الرئيس عبد الناصر. وهنا خير إجابة لمن يشكك في مشروع قناة السويس الجديدة. وعندها لن ترزخ مصر في ديون وفوائد ديون ما انزل الله بها من سلطان. وهنا يمكننا ان ندرك سبب اشتداد الهجمات علي الجيش، واغتيال النائب العام، السبب إعاقة مصر عن تحقيق المزايا التنافسية لقناة السويس. وعن إجابة السؤال الثاني: علي اليونان ان تصمد، فلن تضار بشئ، الضرر الحقيقي كان ان هي رضخت لشروط البنك الدولي وحزمة السياسات التقشفية، فالتقشف معناه تدمير اقتصاديات الشعوب، ففي عالم الإلكترون، والتكنولوجيا، تحولت المنتجات الصناعية إلي ما يشبه المحاصيل نتيجة ذلك الكم الهائل من المنتجات الصناعية التي ساهمت في بعثها عوالم الإلكترون والتكنولوجيا. ويمكننا أن نجيب علي السؤال الثالث هل من مخرج؟ المخرج مهدنا به في اجابتنا عن السؤال الثاني وهو البحث عن المزايا التنافسية في الملاحة والخدمات السياحية بداية. استفسرت الصحفية الشابة وكيف يمكن لليونان ان يحقق تلكم الدعوي مع كل تلك الشعوب؟ أجبت - كخبير في العلاقات الاقتصادية الدولية - اتقدم بنصيحة لحزب سيريزا اليوناني، تتمثل في وجوب أخذ المبادرة لإعلان "إعلان أثينا لاسقاط ديوان وفوائد ديون العالم الثالث" .. وهاكم تفاصيل المبادرة.. ونمهد لها بالمقدمة البسيطة التالية: أثناء الأزمة المالية التي شهدها العالم مذ سنوات، والتي تمثلت في انهيار أسواق المال الأمريكية والأوروبية - تدخلت حكومات تلكم الدول لحلها، حيث ضخت الإدارة الأمريكية 700 مليار دولار أمريكي – عن طريق طباعتها بغير رصيد- والبنوك المركزية الأوروبية وغيرها ضخت مليارات الجنيهات الإسترلينية في انجلترا واليورو في أوروبا، في محاولة لوقف انهيار البنوك والمؤسسات المالية العاملة في الأنشطة المالية والعقارية في مجالات الإقراض والتأمين علي الودائع وإعادة التأمين وغيره. وذلك الانهيار كان مقصودا، بل وقد سبق السعي إليه ببيع الوهم ممثلا في حزمة سندات مالية لرهونات عقارية لكثير من الدول، ومن بينها اليونان، واليونان اليوم في حقيقة الأمر يدفع ثمن تلك التضليات الاقتصادية الدولية. ولدينا ان طباعة أمريكا لأوراق البنكنوت بمبلغ 700 مليون دولار أو حتي 1.5 تريليون دولار، كما يتوقع البعض، لن يضر الاقتصاد العالمي ، بل سيفيد ذلك الاقتصاد، باعتباره بمثابة غطاء نقدي لمقابلة هذا الكم الهائل من الانتاج السلع والخدمي ، فتلك المنتجات التي لم نكن يوما نعرف لها أسماءً ولا كنا نتوقع لها وظيفة، أصبحنا لا نعرف العيش بغيرها من الموبايل إلي الكمبيوتر، ومن الإيميل إلي الإس إم إس، وغير ذلك الكثير. عليه وجب ان يفيق المدين، إفاقة المدين تستوجب، قيام أثينا اليوم - بقيادة حزبها - بالدعوة لعقد مؤتمر لوزراء المالية والخارجية والاقتصاد للدول التالية.. مصر، البرازيل، فنزويلا، الأرجنتين، الجزائر، سيراليون، جنوب أفريقيا، الأردن، اليمن، الهند، بنجلاديش، إندونيسيا، أيسلندا، كازاخستان، وروسيا البيضاء، إيرلندا، إيطاليا، أسبانيا، البرتغال حيث يصدرون في المؤتمر"إعلان أثينا "، الداعي إلي قيام دول الشمال بإصدار مبادرة إسقاط ديون وفوائد ديون دول الجنوب، كحل من الحلول المطروحة للأزمة المالية الحالية، وأنه في حال عدم الاستجابة لتلك الدعوة، تقوم دول "إعلان أثينا " بدعوة دول الإعلان لاجتماع علي مستوي القمة في البرازيل، لإصدار إعلانهم بإسقاط تلك الديون وفوائدها. اليوم اليونان أمامها فرصة العمر لانقاذ اقتصادها واقتصاديات دول الجنوب، وان رغبت في مناقشة العمل بورشة عمل دولية اقتصادية، فأنني أضع ورقتي هذه للمشاركة في تلكم الورشة، حال ان وحدة المواجهة تجمع بين مصر واليونان اليوم.