مرت الأيام مسرعة ليرحل عنا شهر رمضان الذي أتى بخيره ونوره وخشوعه وبركته، ينفض عنا، فكم من فائز أو خاسر في هذا الشهر، فهل نفرح لقرب قدوم العيد أم نحزن على فراق الشهر الكريم؟! فالأعمار تنقضي مثلما انقضى هذا الشهر، وما أسرع اللحظات الجميلة في حياة الإنسان، فبعد أن حل ضيفا عزيزاً غاليا، فأصبح يلملم أوراقه ليعود من حيث أتى، فهل نذرف الدموع على فراق هذا الضيف الكريم؟! فبعد أن كانت الشياطين مصفدة، ستعود الشياطين مرة أخرى لتوسوس للإنسان كي يرتكب المعاصي مرة أخرى، ويعيش في ذل المعاصي، إلا من رحم ربي، فطوبى لمن أمضى أيامه ولياليه في طاعة الله عز وجل وتعساً وخيبة لمن أضاع أوقاته في اللهو والعبث، إنها أيام انقضت من عمر الإنسان، والكثير منا يفرح باقتراب عيد الفطر، أو التخلص من مشقة الصيام، ويغيب عن بالهم أن كل يوم يمر هو نقصان في العمر. ويقول الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بأسيوط، في آخر يوم من رمضان وكذلك في آخر ساعة وهي من بعد صلاة العصر إلى أذان المغرب، يعتق الله فيها بقدر ما أعتق في رمضان كله، فيرحل عنا الشهر الحبيب وقد فاز فيه العاملون المخلصون وخسر فيه الغافلون، فعلينا أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، فماذا قدمنا في شهر رمضان؟ وماذا سنفعل بعد رمضان، فيجب أن نكون حصلنا على شُحنة إيمانية لاتنتهي، وعلينا ألا نفقد السكينة التي نزلت علينا في رمضان، وألا نستجيب للشيطان، وعلينا أن نلحق في هذه الأيام الأخيرة بإرضاء الله، وتعويض ما فاتنا طوال شهر رمضان، وأن ندرك ليلة القدر التي يقدرها الله لمن يشاء من عباده، وأن نتواصل مع الأهل كما كنا نفعل في رمضان، وأن نحب بعضنا البعض، وأن نتلو القرآن الكريم ولا نهجره أبدا حتى بعد رمضان، وعلينا أن نسرع في تلك الأيام بمضاعفة العبادة حتى نفوز بالمغفرة والعتق من النار ولا نجعل رمضان يتفلت من بين أيدينا، ونحن لا ندري أقبلت أعمالنا أم لم تقبل، وحينما فضل الله هذه الأيام الأخيرة على غيرها فهذا التفضيل منحة من الله، وعطية لعباده يعينه بها على طاعته وعبادته، فإذا علم العبد أن الله فى هذا الوقت أو الزمان أو المكان يعطى فيه من المغفرة أكثر مما يعطى فى غيره فهذا دافع له أن يتقرب إلى الله عز وجل وينتهز كل الفرص ليتدارك كل ما جناه من تقصير. ثوب المعاصي ويقول الدكتور أحمد حسين وكيل كلية الدعوة بجامعة الأزهر، يظن البعض أنه بقدوم شهر رمضان أنه سيخلع ثوب المعصية والغفلة ويتركه جانبا حتى ينتهي شهر رمضان ويعود ليرتديه من جديد، لأننا للأسف لا نستعد للقاء رمضان الاستعداد الحقيقي، ولا نهيىء أنفسنا للعبادة الخالصة لله فى هذا الشهر لأننا نتعامل مع الله سبحانه وتعالى معاملة تجارية بحتة حيث يظن الواحد منّا أنه باستطاعته أن يخدع ربه، فكيف ننتظر أن ينتهي رمضان لنعود مرة أخرى للمعاصي؟! وفي هذا غش وخداع، وكيف ينظر الله تعالى إلى من يؤجل المعاصي وينتظر رحيل شهر رمضان؟! فهل هذا الشخص يعبد رمضان أم رب رمضان؟! وأضاف: إن رمضان ليس شهر المجاهدة كما يظن الكثير من الناس بل هو شهر الجوائز التى أعدها الله عز وجل لمن جاهد نفسه طوال العام فيأتى ليأخذ جائزته فى رمضان ويتمتع بمنحة الله عز وجل له، وليس لمن يؤجل فعل المعصية بعد انتهاء شهر رمضان ... فالمخلص الحقيقي المتعبد لله التائب هو الذى يعرف حلاوة الطاعة من أول ليلة من رمضان لأنه درب نفسه قبل ذلك على هذه الطاعة، وهذه الأيام هي بمثابة الفرصة الأخيرة كي يلحق المسلم بأكبر جائزة يمنحها الله لعباده، فلا يجعل هذه الأيام تمر مرور الكرام، وإلا خسر الدنيا والآخرة.