فى أسبوع واحد قفز الدولار 20 قرشا على مرتين، مما زاد من حجم الشائعات والمعلومات المتضاربة باحتمال حدوث زيادات أخري، والأخطر من هذا وذاك، أن تخرج صحيفة بعنوان رئيسى لها صباح الأربعاء الماضي، تعلن زيادة جديدة وكأنها فى حالة صحة الخبر تنبه المضاربين والمتلاعبين بالدولار لجمعه والمضاربة عليه، لتشتعل الأسعار أكثر وأكثر، إلا أن عطاء البنك المركزى الذى صدر يوم الخميس الماضي، لم تحدث به الزيادة التى تحدثت عنها الصحيفة، وبالتالى فلم يكن الخبر صحيحا، ولم يؤد إلا إلى مزيد من الارتباك فى سوق العملة والأسواق التجارية. لا أحد يختلف على كفاءة هشام رامز وقدرته على قيادة سفينة الجهاز المصرفى فى أحرج وأصعب اللحظات، مما أدى إلى استقرار سوق الصرف، وزيادة معدلات الاحتياطى من النقد الأجنبى إلى أكثر من 20 مليار دولار، بعد زيادة تحويلات المصريين وتحسن أوضاع السياحة بشكل نسبي، والأهم من هذا كله كفاءة الجهاز المصرفى المصري، وقدرته على اتخاذ الإجراءات والقرارات السليمة فى التوقيتات المناسبة. أظن أن رفع سعر الدولار وخفض قيمة الجنيه، كان يستهدف فى الأساس جذب المزيد من الاستثمارات العربية والأجنبية، وفى نفس الوقت، زيادة تحويلات المصريين بالخارج، بالإضافة إلى دعم وزيادة الصادرات، وكلها أهداف مهمة لتحريك عجلة الاقتصاد المصرى فى هذا التوقيت الصعب، لكن فى المقابل فإن تحريك سعر الدولار يؤدى بالضرورة إلى تحريك معظم أسعار السلع والخدمات، لأننا للأسف دولة تعتمد على الاستيراد أكثر مما تعتمد على الإنتاج، ونستورد أضعاف أضعاف ما نصدر، ولذلك فإن أى تحريك لسعر الدولار يصيب الأسعار بالجنون أكثر مما هى عليه الآن، بداية من سعر طبق الفول وانتهاء بمعظم السلع والخدمات. المشكلة أن تحريك سعر الصرف وحده يعالج جزءا من الخلل الاقتصادى لكنه يحتاج إلى منظومة متكاملة من جانب الحكومة تسهم فى زيادة الإنتاج ووقف جنون الاستيراد وزيادة التصدير. للأسف الشديد، تقف وزارة الصناعة والتجارة عاجزة أمام هجمات الاستيراد التى تستنزف العملة الأجنبية، وبدلا من اتخاذها للإجراءات اللازمة للحد من الاستيراد السفهي، وتشجيع المنتج المحلي، تقف متفرجة على استباحة الأسواق المصرية حتى بات المنتج المصرى غريبا فى بلده. الصين على سبيل المثال تكتسح الأسواق بلا هوادة بشكل يهدد بغلق كل المصانع المصرية فى مدى زمنى قصير. على سبيل المثال، صناعة الملابس التى كانت ولاتزال من أفضل الصناعات، تتعرض الآن لمحنة خطيرة بعد دخول الصين إلى الأسواق واجتياحها لها، وللأسف أصبحت المنتجات الصينية من الملابس تتصدر معظم المحلات الكبرى والصغرى برغم جودة الصناعة المصرية ورخص أسعارها. ليست صناعة الملابس وحدها التى تتعرض للمحنة، بل إن معظم الصناعات الأخرى تتعرض لنفس المحنة، والأخطر هو ما يحدث من تلاعب حينما تسمح وزارة الصناعة والتجارة بما يسمى «استيراد الأجزاء» فتتهرب من الجمارك وتدفع جمارك أقل وضرائب أقل، ثم يعاد تجميعها فقط وطرحها فى الأسواق، لتكتمل منظومة انهيار الصناعة المصرية، كل هذا والحكومة تقف «متفرجة» ولم تتخذ من الإجراءات ما يكفى لحماية المنتج المصرى والحفاظ على العملة الصعبة. صحيح أن هناك قيودا وضعتها اتفاقية التجارة الحرة «الجات»، لكن فى المقابل هناك إجراءات مسموح بها فى هذه الاتفاقية وغيرها، لدعم الصناعات الوطنية وحمايتها من الإغراق، وهناك اشتراطات ومواصفات لما يتم استيراده يمكن أن تتحكم فيها الدولة لو أرادت، لكن أن تترك الباب مفتوحا على مصراعيه لاستيراد السلع الرديئة أو السلع المستفزة، فهذا أمر غير مقبول أو معقول على الإطلاق، فى ظل ما نعانيه من أزمات، وفى ظل الرغبة فى بناء قاعدة اقتصادية قوية تكفى حاجة الاستهلاك المحلى وتزيد للتصدير. الخلاصة أن علاج خلل سوق الصرف وتوازن أسعاره لابد أن يكون خطوة فى منظومة متكاملة تهدف الى زيادة الإنتاج المحلى أولا، وبما يؤدى إلى زيادة التصدير ثانيا، ثم يأتى بعد ذلك ترشيد الاستيراد من خلال فرض القيود التى أتاحتها اتفاقية الجات بأقصى ما يمكن، وفى هذه الحالة لن تكون هناك مشكلة فى خفض قيمة الجنيه بعكس ما يحدث الآن من عدم توازن وعدم انسجام فى المنظومة الاقتصادية ليصبح المواطن هو «الضحية»، وهو الذى يدفع ثمن الصراع بين الدولار والجنيه. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة