في يوم من أيام العام الحادى والستين هجريًا تحرك رجلٌ خمسيني ذو شرف ومروءة لايضاهيه فيها أحد من قومه،خارجًا بأهل بيته قاصدًا العراق، وتحديدًا مدينة الكوفة الواقعة على جانب الفرات الأوسط، تلبية لدعوة أهلها الذين طالبوه بالمجيء رغبة منهم في مبايعته خليفة للمسلمين، كان هذا المسافر قد شهد قبلها بعشرين عامًا استشهاد أبيه في نفس البقعة.. أبوه أول المؤمنين من الفتيان وابن عم النبي وزوج ابنته الذي اُستشهد غيلة بدعوى خروجه من الملة على يد شقي خارجي لم يعرف لأبي الحسن فضله.. كان الاضطراب الداخلي في الدولة الإسلامية وقتها على أشده، وأمواج الفتن تتقاذف المسلمين، وقد توفي معاوية بن أبي سفيان وتولى ولده يزيد الحكم على غير رغبة كبار البقية الباقية من الصحب الكريم في مكةوالمدينة، فأخذت الأوضاع تتفاقم خاصة بعد إجبار البعض على إعطاء البيعة قسرًا ليزيد، وهو مارفضه الحسين بن علي ومن ثم لبى دعوة الكوفيين للقدوم لمدينتهم،ومن ثم حدث ما حدث مما لا تطويه الأيام من وقائع معركة ألطف وكربلاء، ولأنه سيد آل البيت وبنو هاشم فكان مقدرًا له أن يسلك الطريق الوعر؛ طريق الحق الذي قلَّ عدد سالكيه، ولم يفت هذا في عضده فسفينة آل البيت راسية لا تبرح شاطئ النجاة وإن قل عدد ركابها وتخاذل عن نصرتها الناس. وكان أولى الناس لحاقًا بركبه الصالح أولاده وبناته ومنهم السيدة فاطمة بنت الحسين المسماة على اسم والدته الزهراء،والتي اجتمع فيها خير النسب، فجدها الأكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجدها لأبيها علي بن أبي طالب وجدتها فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة وبضعة النبي وأحب أهل بيته لنفسه، وجدها لأمها طلحة بن عبيد الله الذي سماه النبي طلحة الجود وطلحة الفياض وطلحة الخير، لكرمه وشجاعته في احد وخيبر وهو أحد العشرة المبشرين وواحد من الستة الذي عهد إليهم عمر بن الخطاب باختيار الخليفة من بينهم بعد موته، قائلا إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد توفى وهو عنهم راض، فجاءت فاطمة درة من درر فواطم البيت النبوي، اجتمع فيها حُسن النسب وحُسن الخُلق والورع،ولأن قدر الأشراف أن يبتلوا من الأطراف فقد عانت السيدة فاطمة أيما معاناة من بعض أراذل البيت الأموي وأتباعهم.. عانت في كربلاء وهي تشهد استشهاد أخوتها وأولاد عمومتها واحدًا تلو الآخر، ثم فُجعت بما حدث لأبيها على يد صبيان عبيد الله بن زياد، واكتملت مأساتها عندما سيقت في موكب أراده أعداء آل البيت موكب ذل، وأراده الله عزَّ وجلَّ موكب رفعة وجلال إلى قصر يزيد بن معاوية في دمشق وأدعياء القوم يستخفون بحالها وحال بنات بيت النبوة لولا صد السيدة زينب لكل شقي بعيدًا عن أبناء أخيها السبط الشهيد، كل هذا تقبلته السيدة فاطمة راضية مؤمنة بقضاء الله وقدره، لم تثبط همتها ولم تُغير المآسي خُلقها، ففي قلب المحنة لم تنس الحارس الذي أمره يزيد بإيصالهم للمدينة فأخذت سوارين من أختها السيدة سكينة وقدمتها له مكافأة على حراسته إياهن فرفض الرجل قائلا إنه فعل مافعل حبًا في آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت السيدة فاطمة بنت الحسين أشبه الناس بجدتها الزهراء حسب مقالة أبيها الحسين لابن أخيه الحسن المثنى بن الحسن عندما طلب تزويجه إحدى بناته فخيَّره الحسين بين فاطمة وسكينة وعندما استحيا الحسن أن يختار قال له الحسين اخترت لك فاطمة فهي أكثر شبهًا بأمي فاطمة بنت رسول الله. وبالفعل تزوجت ابن عمها وأنجبت له ثلاثة أبناء كان أكبرهم السيد عبد الله المحض وسمي بالمحض لأنه أول حسني يجمع بين نسب الحسن والحسين فهو حسني محض أي خالص، وقيل سًمي عبد الله المحض أي الخالص العبودية لله عزَّ وجلَّ. وبعد وفاة زوجها الحسن المثنى حزنت السيدة فاطمة حزنًا عظيمًا حتى إنها ضربت فسطاطًا على قبره لا تبارحه لمدة عام كامل حتى هدها الحزن وأعياها الهم ففزعت لها والدتها وأمرتها بترك موضعها، وأقسمت ألا تبارح مكانها تحت الشمس حتى تمتثل ابنتها لأوامرها فاستجابت السيدة فاطمة شفقة بأمها. وكان يلح في خطبتها عبد الله بن عمرو حفيد عثمان بن عفان ووسَّط كثيرا من قومه لديها، فوافقت ودفع لها مهرًا يقدر بألف ألف درهم أي مليون درهم،وأنجبت له ثلاثة أبناء قتلوا فيما بعد مع إخوانهم أولاد الحسن المثنى في سجون أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي. وبالإضافة إلى حسبها ونسبها فقد نالت السيدة فاطمة ميراثها من العلم النبوي فروت الأحاديث الشريفة عن جدتها الزهراء وأبيها الحسين وعمتها السيدة زينب بنت علي وأخيها علي زين العابدين وأم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر وحبر الأمة عبد الله بن عباس بالإضافة إلى سيدنا بلال بن رباح والصحابية الجليلة أسماء بنت عميس. واستمرت حياتها في المدينة ثم انتقلت إلى القاهرة مع زوجها عبد الله بن عمرو وابنتهما السيدة رقية وتوفى زوجها بالقاهرة ولم تبارحها بعدها وأقامت بالدرب الأحمر وتجمع حولها المصريون يستزيدون من علمها وينهلون من بركاتها فكانت تعقد مجلسًا أسبوعيًا للعلم يوم الثلاثاء ترد فيه كما اشتهرت بأم اليتامى وأم المساكين لعطفها على كل من يطرق بابها حتى إنها قدمت مصر يرافقها سبع بنات تيتمن بعدمأساة كربلاء لم يتركنها منذ ذاك الحين حتى إنهن دُفن بجوارها. وإلى اليوم يؤم مسجدها بحي الدرب الأحمر بالقاهرة عدد غفير من مريديها يأتون لها من جميع أنحاء مصر محملين بالعدس والعسل الأسود طعامها المفضل، ذاكرين الله عزَّ وجلَّ في رحاب مسجدها طالبين منه المدد والعون في كل ما يواجههم من مصاعب.