اليوم الرابع من أبريل2012 كان ينتظره كثير من الإعلاميين المصريين لانتهاء امتياز اذاعي كان اشبه بامتياز قناة السويس الخديوي للاستعمار الذي لم يشأ عبد الناصر الانتظار علي نهايته القانونية, فكان قرار التأميم عام1956 لوقف نهب ثروة مصر. ففي عهد عائلة الخديو مبارك منحت العائلة المالكة في عام2002 مستشارهاالقانوني ورجل الاعمال المقرب طاهر حلمي الذي كان وقتها رئيس الغرفة التجارية الامريكية المصرية امتيازا لعشر سنوات بملكية اول إذاعة خاصة في تاريخ مصر والإذاعة منذ سبعين عاما, وهي إذاعة نجوم اف ام باللغة العربية وإذاعة نايل اف ام باللغة الانجليزية وبدأت الاذاعة البث في عام2003 وسط دهشة المتابعين للإعلام المصري كيف فرطت مصر بهذه السهولة لتردداتها الإذاعية العامة, وهي التي أممت الاذاعة في عهد الملكية وقبل ان يؤمم عبد الناصر الصحافة بعشرين عاما. وتساءل كثيرون عما اذا كان القرار بداية لتخصيص اعلام مصر, وبالتالي هل تم ذلك بمزاد علني او معايير معلنة لمن يريد التنافس علي الانتفاع بتلك الترددات المملوكة للشعب, خلافا للقنوات الفضائية, وكم دفع هؤلاء القريبون من الخديو وعائلته ماليا ليصدر لهم امرا مباشرا بذلك او سياسيا ليدير أصدقاؤهم هذه التكية الإذاعية سواء بنفاق الخديو وتلميعه في مقابلات تليفزيونية او إدارة الاعلام الخارجي والداخلي لمسرحية اعادة انتخابه في عام2005 ؟ وقتها لم يعرف احد كم ستحصل خزانة مصر المفلسة من نسبة أرباح اصحاب الامتياز الخديوي من تلك الاذاعة الخاصة والتي تحولت اليها اغلب الإعلانات التجارية من محطات الدولة التي كانت تجذب المعلنين والمستمعين بإيقاعها السريع والعصري رغم البيروقراطية الثقيلة كاذاعة الشرق الاوسط. ولم يكن سرا ان هذا الامتياز الاحتكاري يدر عشرات الملايين من الجنيهات علي أصحابها, وكان اقصي مايسمح به اخر وزير اعلام في عهد مبارك ان يؤجر ساعة او ساعتين علي إذاعة الشباب والرياضة مع القطاع الخاص مقابل اقتسام الأرباح بنسبة خمسين في المائة. ولعلمي انه لم يكن وزيرا حين اعطي امتياز احتكار إذاعتين خاصتين بالعربية والانجليزية في مصر لشركة النيل للخدمات الإذاعية, سألت انس الفقي وقتها عن هذا الاحتكار فقال وهو يخفض صوته انها تدر علي أصحابها الملايين والقرار أعلي منه ولا يستطيع ان يغيره. كان الأمل وقتها انه مثلما كان بوسع عبد الناصر الانتظار حتي عام1968 لينتهي امتياز قناة السويس المجحف لمدة99 عاما دون حرب العدوان الثلاثي, فعلينا الانتظار نهاية السنوات العشر الاحتكارية والمنافية لقوانين مصر حتي يأتي يوم الرابع من ابريل2012 ليتحرر أثير مصر بشكل زقانونيس. وحين اطيح بالخديو وحكم عائلته في فبراير2011 تصورنا ان ضابطا حرا في المجلس العسكري لن ينتظر عاما اخر لإنهاء الامتياز او ان مواطنا سيتوجه للنائب العام ببلاغ ضد الفساد والأمر المباشر لهذا العمل الاحتكاري المشبوه, خصوصا ان الثورة لم تجرؤ وزارتها الاولي علي تعيين وزير للإعلام حتي في وزارة الفريق شفيق والوزارة الاولي للدكتور عصام شرف. ورغم ذلك لم يقترب احد من التكية الإذاعية رغم فرار أصحابها في البداية خارج مصر معتقدين انها ثورة بحق. اطمئن كل الاحتكاريين ومن نهبوا مصر, عودوا الي مصر وادخلوها رجال اعمال واعلاميين آمنين ورابحين, فقد تم تجديد امتياز قناة السويس علي أثير مصر بعد انتهاء السنوات العشر الاولي ورغم تنحية الخديو فهناك من تفاوضوا ووقعوا الاسبوع الماضي باسم مصر وباسمكم للشركة ذاتها بثلاث سنوات احتكارية اخري وبدون مزاد علني في الصحف الرئيسية لصالح المحطة الخاصة الوحيدة علي أثير مصر, بل والسماح لها بتوسعة نطاق بثها لمساحات تفوق ماسمح به الخديو وابنه لأصدقائهما. وعرفنا الآن فقط ان وزارة إعلامنا بقياداتها التي حكمت في عهد مبارك حسنت هذه المرة شروط الامتياز الاحتكاري. فسوف يدفعون لها نسبة سبعين في المائة مما سيحسبونه أرباحا من الاذاعتين الاف ام, وعرفنا الان انهم كانوا يدفعون فقط نسبة عشرين في المائة من أرباحهم, بافتراض الثقة في حساباتهم, دون ان يحاسبهم احد الان عن الخمسين في المائة فرق الربح الذي احتفظوا به, وهل يمكن باللجوء الي القضاء استرداده مثلما نفعل مع رموز مفسدي نظام مبارك. وهل يمكن التعامل مع نفس الشركة او الاشخاص اذا كانوا قد نهبوك بهذا الشكل؟ المفاجأة التي تحتاج استجوابات من شرفاء نواب مجلس الشعب ليس ماسبق ذكره فقط, بل معرفة ان بعض شركات محدودة علمت من الباطن بالتنافس علي عقد شركة نجوم اف ام الحلوب, فعرضت احدي الشركات علي اتحاد الاذاعة والتليفزيون اربعين مليون جنيه سنويا للحصول علي امتياز الإعلانات في تلك المحطة الإذاعية, والأفضل منه ان شركة قطاع عام وهي شركة صوت القاهرة التابعة لنفس اتحاد الاذاعة عرضت ان تدفع ستين مليون جنيه سنويا لاسترداد هذه الاذاعة, ولكن قرر مسئولو اعلام مصر في عهد مبارك القائمون علي ماسبيرو حاليا بمد امتياز احتكار أثير مصر لنفس الشركة إياها بأربعين مليون جنيه سنويا فقط وليس ستينا ولمدة ثلاث سنوات. انعي اليكم الثورة في إعلامها وبقاء وزارتها وعودة الفساد ومزادات الغرف المغلقة ومقابلات التلميع. اما البديل بعد اعتبار كل ما بني علي باطل باطلا, حماية حقوق وبرامج زملائنا الإذاعيين الناجحين وغير المسئولين عن شبهات فساد الملكية, وتسليم إدارتها لشركة عامة كصوت القاهرة لتعود أرباحها للدولة, ولكن بشكل مؤقت; ومناقشة تشريع جديد كالذي تعده مبادرة تطوير الاعلام المصري بريادة الاعلامي القدير حمدي قنديل لتشكيل هيئة قومية تعيد ترخيص البث الاذاعي والتليفزيوني في مصر علي أسس مهنية ومحترمة, ولا تبيع أثير مصر لمن يدفع اكثر, ولكن لمن يقدم للشعب خدمة إعلامية افضل مثلما فعلوا في تونس. فالحرة لا تأكل من اثيرها, فما بالكم انها باعته بثمن بخس!