من ذا الذى يتألى على الله ألا يغفر لفلان قال الإمام مسلم رحمه الله تعالي: حدثنا سويد بن سعيد, عن معتمر بن سليمان, عن أبيه, حدثنا أبو عمران الجوني, عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان, وأن الله تعالى قال: من ذا الذى يتألى على ألا أغفر لفلان؟ فإنى قد غفرت لفلان وأحبطت عملك أو كما قال رواه مسلم ولهذا الحديث قصة رواها الإمام أبو داود فى سننه بسنده, قال أبو هريرة رضى الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان رجلان فى بنى إسرائيل متأخيين, فكان أحدهما يذنب, والآخر مجتهد فى العبادة, فكان لايزال المجتهد يرى الآخر على الذنب, فيقول له: أقصر, فقال: خلنى وربي, أبعثت على رقيبا؟ فقال: والله لايغفر الله لك, أو لا يدخلك الله الجنة, فقبض أرواحهما, فاجتمعا عند رب العالمين, فقال( أى الله تعالي) لهذا المجتهد: أكنت عالما بي؟ أو كنت على مافى يدى قادرا؟ وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي, وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار. إن حسن الظن فى الله تعالى وفى رحمته التى وسعت كل شىء باب عظيم من ابواب المغفرة والقبول, كما أن سوء الظن والتقنيط من رحمة الله سبب لضياع العمل, ومعنى قوله تعالي: من ذا الذى يتألي.... من ذا الذى يحلف؟ والألية: اليمين. وفى هذا بيان لرجلين أحدهما كان يحسن الظن فى الله تعالى والآخر ليس كذلك وكان مجتهدا فى العبادة, فقال لأخيه الذى كان يذنب: اقصر, فقال المفرط, محسنا الظن فى رحمة ربه: خلنى وربى أبعثت على رقيبا, وحينئذ أقسم عليه أخوه المجتهد فى العبادة قائلا له: والله لايغفر الله لك أو لايدخلك الله الجنة, فلما اجتمعا عند رب العالمين قال الله تعالى لهذا المجتهد: أكنت عالما بي؟ أو كنت على مافى يدى قادرا؟ وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي, وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار, إن الرقيب على عبادة الخلق إنما هو الله تعالى وحده, ولقد قال الله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام:( وما أنت عليهم بوكيل) الانعام:701. فليس لمخلوق كائنا من كان أن يقسم على رحمة ربه ووعيده ولا أن يحزم بحصول شىء من الوعد أو الوعيد لأحد, فكل ذلك بإرادة الله تعالي( أهم يقسمون رحمت ربك) الزخرف:23. إن حسن الظن بالله تعالى باب عظيم من أبواب الرحمة والقبول وليس لأحد أن ييأس من رحمة الله تعالي( إنه لا يايئس من روح الله إلا القوم الكفرون) يوسف:78 وقد قال الله تعالي:( قل يعبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا) الزمر:35 وقال الإمام النووى رحمة الله تعالي: وفيه دلالة لمذهب أهل السنة فى غفران الذنوب بلا توبة إذا شاء الله غفرانها, واحتجت المعتزلة به فى إحباط الأعمال بالمعاصى الكبائر. وفى الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدى بى فمن ظن بربه خيرا لقى خيرا, ومن تقرب إلى ربه قربه الله تعالى منه وعفا عنه, والله هو العفو الرحيم, يغفر الذنب ويقبل التوب ويحب التوابين ويحب المتطهرين. لمزيد من مقالات د.احمد عمر هاشم