كان لطرح ثمارها مذاق خاص ، أثرت بنبتها الخصب مسامع الناس جميعا ، وأزهرت قلوب الأمة باستنارة أبنائها ، هى قرى تنتشر فى ربوع مصر ،صعيدها ودلتاها بل نادرا ما تجد محافظة إلا وبها قرية تغرد بهذه القيثارات الملائكية وتزين جبهة الأمة وقلوبها ، اليوم وبمناسبة حلول شهر القرآن نأخذكم إلى كفور ونجوع شنّفت آذان المصريين بل والعالم بما ترق له الافئدة .... أصوات غردت بآيات من الذكر الحكيم ، لقراء عانقت أصواتهم سحب السماء ،ومجددين ورواد قادوا مدارس فقهية عظيمة صارت الدنيا على دربهم .. العدد كبير ومذهل والمساحة لا تكفى لتغطية كل الأسماء والأصوات .. و للرحلة بقية النقشبندي .. أنشد لبليغ حمدي بأمر السادات ! من أرض الدقهلية نبتت مواهبهم البازغة وترعرع نبوغهم الفذ فى سماء القرآن والسيرة والمديح ، ومن طين قراها الأسمر صدحوا وحلقوا وملكوا عروش قلوبنا حكمة وعطاء وإخلاصا وحفروا أسماءهم فى سجل الروحانيات والخلود . وفى رمضان لابد أن يقترن اسمه وطقوسه مع النقشبندى الذى تعودنا سماعه بعد مدفع الإفطار على البرنامج العام بعد أن تقول المذيعة " صوماً مقبولاً وإفطارًا شهياً " فنتناول إفطارنا ونحن مستمتعون بهذا الصوت الشجى الدافئ القوى ثم نصحو من نومنا لتناول السحور وما نكاد ننتهى منه حتى نستمع لابتهالات النقشبندى فى صلاة الفجر فتنهمر الدموع خشوعا وخشية ، فهذا الصوت الساحر يفرحك إفطارًا ويبكيك فجراً . النقشبندى حصد العديد من الألقاب منها أستاذ المداحين وقيثارة السماء والصوت الخاشع، والكروان الربانى واللحن الملائكى . هو واحد من أبرز من ابتهلوا ورتلوا وأنشدوا التواشيح الدينية وتركوا بصمات خالدة فى القلوب حتى الآن . ينحدر الشيخ سيد من أسرة مشهورة فى الفقه والعلم فجده هو محمد بهاء الدين النقشبندى الذى نزح من بخارى بولاية أذربيجان إلى مصر للالتحاق بالأزهر الشريف، ووالده أحد علماء الدين ومشايخ الطريقة النقشبندية الصوفية ،وقدم النقشبندى نحو ألف قصيدة وموشح على امتداد مسيرته الإذاعية فى الإذاعة المصرية والإذاعات العربية والإسلامية وحظى بتقدير الدول والحكام والملايين بمصر وخارجها . وأجمع خبراء الأصوات على أن صوت الشيخ الجليل من أعذب الأصوات التى قدمت الدعاء الدينى فصوته مكون من ثمانى طبقات ، وصوته يتأرجح ما بين الميترو سوبرانو والسبرانو. ولد الشيخ سيد النقشبندي عام 1920 فى حارة "الشقيقة " بقرية دميرة التابعة لمركز طلخابالدقهلية ويوجد بها مرقد 99 شيخا من أئمة السلف الصالح ، ولا تزال القرية تحتفظ بأنفاسه وصيته الكبير وتفخر بأنها مسقط رأسه على الرغم من أنه لم يبق فيها سوى 10 سنوات ثم انتقل مع أسرته إلى طهطا بالصعيد قبل أن يستقر فى طنطا حتى وفاته ،أغلب أقاربه إما ماتوا أو غادروا القرية وحتى زوجته الأخيرة من قرية الطيبة القريبة من دميرة تعيش فى طلخا مع ثلاثة من أبنائه وهى السيدة هدية عبد العزيز غنيم والتى أنجبت منه إبراهيم ورابعة والسيد ،ويقول مقربون من الأسرة أن صوت السيد قريب جدا من والده الذى كان موهوبا لكنه لم يسلك طريق الإنشاد ولم يهتم هو بأن يخلف والده فى هذا الطريق ، أما البيت الذى ولد به النقشبندى فقد تم هدمه وجرى بناؤه قبل 6 سنوات لكن القرية كلها تعرف موضعه و تزهو بوجود خيط يربطهم مع الشيخ الجليل،فى حارة الشقيقة حيث ولد النقشبندى . يؤكد الشيخ عبدالمعز الشربينى أحد القراء بالقرية ومن المعاصرين للشيخ سيد النقشبندى أن الشيخ كان قارئا ومنشدا ومبتهلا ومتصوفا كبيرا ، حيث شرب من التصوف حتى ارتوى، فإذا به وقد تحول إلى روح شفافة تحلق فى الآفاق هائمة فى حب الله ورسوله، مماجعله يتربع على عرش الابتهالات والإنشاد الدينى. ويضيف الشربينى : نشأ النقشبندى فى بيئة دينية وهام فى عشق سيدنا رسول الله وآل البيت . أما الشيخ محمود قنديل أحد القراء بقرية دميرة فيقول أنه كان يعرف الشيخ سيد وعاصره ولكن لم يمكث معه طويلا ويحكى بأن الشيخ سيد كان خلوقا جدا وكان دائما ما يحاول مساعدة الفقراء ، . ويضيف قنديل : كان النقشبندى دائما يقرأ القرآن بمسجد العمري بقريته دميرة بعد كل صلاة ، وكان يحفظ العديد من القصائد للبوصيرى وابن الفارض وأحمد شوقى كما كان شغوفا بقراءة الكثير من مؤلفات المنفلوطى والعقاد وطه حسين . وكان الرئيس أنور السادات أحد عاشقى النقشبندى ، ووفقا للراحل وجدى الحكيم فقد كان السادات أحد أسباب التعاون بين النقشبندى وبليغ حمدى والذى بدأ بابتهاله الاشهر " مولاى إنى ببابك " حيث قال السادات لبليغ " عاوز أسمعك مع النقشبندى "، وكلف الحكيم بفتح استديو الإذاعة لهما ، وأسفر التعاون بينهما عن تواشيح " أشرق المعصوم، أقول أمتي، أى سلوى وعزاء، أنغام الروح، رباه يا من أناجى، ربنا إنا جنودك، يا رب أنا أمة، يا ليلة فى الدهر، ليلة القدر، دار الأرقم، إخوة الحق، أيها الساهر، ذكرى بدر " . وفى عام 1955 استقر النقشبندى فى مدينة طنطا وذاعت شهرته فى محافظات مصر والدول العربية، وسافر إلى حلب وحماة ودمشق لإحياء الليالى الدينية بدعوة من الرئيس السورى حافظ الأسد، كما زار أبوظبى والأردن وإيران واليمن وإندونيسيا والمغرب العربى ودول الخليج ومعظم الدول الإفريقية والآسيوية، وأدى فريضة الحج خمس مرات خلال زيارته للسعودية. توفى إثر نوبة قلبية فى مبنى التلفزيون فى 14 فبراير 1976م ،وكرمه رئيس مصر الراحل محمد أنور السادات عام 1979م بمنحه وسام الدولة من الدرجة الأولى، وذلك بعد وفاته. كما كرمه حسنى مبارك فى الاحتفال بليلة القدر عام 1989 بمنحه وسام الجمهورية من الدرجة الأولى، وذلك بعد وفاته أيضاً. وكرمته محافظة الغربية التى عاش فيها ودفن بها حيث أطلقت اسمه على أكبر شوارع طنطا والممتد من ميدان المحطة حتى ميدان الساعة .