ازدحمت وسائل الإعلام المختلفة بمتابعة ما حدث ويحدث فى معهد القلب، وزيارة السادة رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة له، والحرب الشعواء بين إدارة المعهد ونقابة الأطباء والحكومة، ومن المفيد أن نتأمل ما يحدث ونستخلص منه الدروس المستفادة للتخطيط وإدارة القطاع الصحى فى مصر بهدف الإصلاح والتحسين، هذا المعهد طبقا للتصريحات العديدة، سعته هى 270 سريرا ويعمل به نحو 420 أخصائيا واستشارى أمراض وجراحة القلب، والمعهد يستقبل المرضى من جميع محافظات مصر. وهو يقدم نحو ربع مليون زيارة عيادة خارجية واثنى عشر ألف قسطرة للقلب وثلاثة آلاف عملية قلب مفتوح فى السنة، أى ما يعادل 800 زيارة وأربعين قسطرة وعشر عمليات قلب مفتوح فى اليوم الواحد، وهؤلاء المرضى هم خليط من المحولين من التأمين الصحى ويدفع عنهم رسوم، والمعالجين على نفقة الدولة برسوم أيضا، والمحولين من المستشفيات، وكذا غير المحولين، وهؤلاء يطلب منهم رسوم مختلفة، أو الحالات الخاصة للأطباء وهؤلاء يدفعون أجورا للأطباء مباشره وللمعهد فى نظير الإقامة. ونظرة سريعة لهذا الخليط العجيب الذى سمحت به الوزارة على مدى الزمن يوضح أن مثل هذا المعهد لا يمكن إدارته بأى أسلوب سليم، وينبغى ألا يتوقع رئيس الوزارة أو الوزير إلا أن يجد «سويقة» كما قال دون أن يفاجأ بأى حال من الأحوال، كما لا يوجد فى العالم معهد بهذه السعة يعمل به أكثر من خمسين إلى 70 استشاريا إلا إذا كانوا يعملون بكفاءة 20% على الأكثر، وكان الأوقع أن تخطط الوزارة لتوزيع هذا العبء على محافظات الدولة بدلا من توسعة المعهد، فليس من المعقول أن يخدم معهد مساحة أرض قدرها مليون كيلومتر مربع، فلدينا أكثر من عشرين كلية طب موزعة بالمحافظات بكل منها أقسام لطب وجراحة القلب والأوعية الدموية، والمستشفيات الجامعية تبلغ 31 ألف سرير يمكن بسهوله تأهيل بعض منها كمعاهد للقلب تدعم باستشاريين من وزاره الصحة إذا لزم الأمر، وتخدم مرضى المنطقة أو المحافظة عن قرب، وبكفاءة ويسر بدلا من انتقالهم للقاهرة، خصوصا أن أمراض القلب هى السبب الأول للوفاة فى مصر، وأن القسطرة والتدخلات الجراحية أغلبها يجب أن يتم فى الساعات الأولى لإنقاذ المرضي. إما الحالات التى تتلقى هذه العلاجات فأغلبها هى الحالات المزمنة ونتائجها محدودة. هذا هو التخطيط الواعى والسليم، وبدلا من ذلك هاجت الحكومة وماجت واندهشت، ثم هاجمت الإدارة وفصلت المدير لأن الوزارة وضعت خطة تطوير لم تنفذ، وضعها أستاذ بجامعه بنها - وهى الجامعة التى قدم منها الوزير - ولا ادرى لماذا يضع أستاذ من بنها خطه لمعهد قومى بالقاهرة؟ ولماذا لم يضع خطة للقليوبية مثلا؟ ولماذا لا يتم وضع الخطة أو الخطط لأمراض القلب بمعرفة إدارات التخطيط بوزارة الصحة والتعليم العالى والمعاهد المتخصصة لكل مصر ومحافظاتها. هذا من ناحية التخطيط، أما إدارة هذا الأزمة، فكيف تسمح الحكومة بمحاولة حل هذه المشكلات على شاشات التليفزيون التى تتم دعوتها يوميا لهذه العروض الرخيصة، وماذا تنتظر الحكومة بعد تعنيف وفصل الإدارة أمام المرءوسين والمرضى والعالم أجمع، بدلا من تحليل المشكلات ووضع الخطط السليمة فى هدوء وخلف أسوار مغلقة، ثم تعرض نتائجها المشرفة على الإعلام؟ وماذا كان رد النقابة والأطباء؟ فبدلا من الدراسة السليمة انتقلت المعركة إلى صفحات التواصل الاجتماعى «عشان لما ييجى مايتفاجئش» تناقلتها الصحافة العالمية، وردت الوزارة بالمثل تعرض إنجازات وهمية، واختلط الحابل بالنابل، ثم وضعت خطة عاجلة لتطوير المعهد خلال شهرين وتوسعته . وهى كالعادة مبان وأجهزة وميزانيات جديدة عاجلة، مع أن التجربة المتكررة يوميا هو أن يتم تجهيز مستشفيات عديدة يفتتحها رئيس مجلس الوزراء أو الوزير ثم يمر المحافظ فى الأسبوع التالى ليحيل المئات من العاملين للتحقيق بسبب الغياب، وتبقى المستشفيات فارغة بنسبه 50% على الأقل، والأطباء مشغولون فى العيادات والمستشفيات الخاصة التى زادت من 24 إلى 36 ألف سرير فى الاثنتى عشرة سنة الأخيرة.. أيها السادة، التخطيط والإدارة الناجعة والعلمية واتباع استراتيجيات طويلة المدى لا تتغير بتغيير الحكومة، هى الحل الأمثل بعيدا عن شاشات التليفزيون. الضحية الأولى فى كل هذا هو المريض المسكين، وطالما أننا نتجاهل الحقائق ولا نعى قواعد التخطيط والإدارة التى يتبعها العالم، فسوف يستمر هذا الهراء، ولك الله يا مصر.. لمزيد من مقالات د.سمير بانوب