يمثل تحدى الإرهاب قضية أساسية محورية للنظام السياسى المصري، ورغم أن مصر قد خاضت سنوات طويلة فى المواجهة مع منظمات الإرهاب تصاعدت بصورة كبيرة خلال سنوات التسعينيات إلا أن موجة الإرهاب التى شهدتها مصر خلال العامين الأخيرين، وخاصة فى منطقة سيناء قد تجاوزت ذلك، وتفاعلت داخلها عوامل داخلية وإقليمية متعددة وهو ما فرض نوعاً من التعامل غير التقليدى معها، وفق رؤية شاملة، فكيف جاءت هذه المواجهة خلال العام الأول من ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي. لأول مرة يكون هناك نوع من التفكير الاستراتيجى أو الاشتباك الاستراتيجى مع قضية الأمن ومكافحة الإرهاب فى سيناء، لم يقتصر هذا التفكير على الشق الأمنى فقط رغم أهميته الضرورية الحاكمة، ولكنه انطلق من أن تحدى الإرهاب فى سيناء هو قضية أمن قومى مصري. بداية يجب أن نشير إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسى والحكومة المصرية الحالية، ورثت أوضاعاً فى سيناء فى منتهى التعقيد، وحتى ندرك بموضوعية ما تم إنجازه على هذا المستوى يجب توصيف هذا الواقع وطبيعة الأوضاع التى عاشتها سيناء وهو ما نوجزه فى التالي: أن الدولة بمؤسساتها الرسمية غابت عن سيناء منذ عودتها من الاحتلال الإسرائيلى كما أن معاهدة السلام ساهمت فى غياب السلطة القوية للدولة فى الشريط الحدودى (المنطقة ج ). ومن الجدير بالذكر أن سلطة الاحتلال الإسرائيلى لسيناء كانت تخطط لما بعد الانسحاب فأتاحت مناخاً اقتصادياً أفرز شرائح جديدة رأت مصالحها بعيداً عن هيمنة سلطة الدولة، وتبلورت مجموعات لتهريب السلاح والأفراد، أى رتبت مناخاً مواتياً لبعض مجموعات الجريمة المنظمة الدولية. كما أن قطاع غزة بكل ما يجرى داخله من صراع فلسطيني فلسطيني، وتنامى للسلفية الجهادية التى سعت لامتدادات لها داخل سيناء، مثلت عنصراً رئيسيا للتحدى الإرهابى فى سيناء وكانت ولا تزال الأنفاق مجالاً لتهريب السلاح والأفراد من وإلى سيناء ومن أكبر مهددات الأمن القومى المصري. ولا يمكن إغفال الاستراتيجية الإسرائيلية بخصوص سيناء، حيث أنه من الثابت أن فى الفكر الاستراتيجى الإسرائيلى سيناريوهات مطروحة بالنسبة لسيناء، نبدأ من فكرة جعلها موطناً للاجئين الفلسطينيين للتخلص بذلك من إحدى العقبات التى تراها هى للتسوية السياسية مع الفلسطينيين، وكذلك تدويل قضية الأمن فى سيناء، كل هذه الأمور خلقت مناخاً غير إيجابياً فى نظرة وتعامل الدولة ومجموعات كبيرة من المواطنين مع سيناء. ويجب ألا ننسى أنه بعد 25 يناير وسقوط هيبة الدولة الذى كان مدوياً فى سيناء أكثر من غيرها، وتصاعد النشاط السلفى الجهادى بصورة غير مسبوقة، ودخلت مجموعات سلفية جهادية فلسطينية إليها، كما أن مناخ التعايش الذى أتاحه نظام الإخوان المسلمين مع الاتجاهات السلفية الجهادية، أعطى نوعاً من الطمأنة لهذه الاتجاهات وعادت قيادات إرهابية كانت مطاردة، وخرجت عناصر وقيادات أخرى من السجون، وتلاقت جميعها فى سيناء الخارجة عن السيطرة وفى نفس الفترات، نشطت منظمات مختلفة لتهريب السلاح عبر الحدود الليبية السودانية، وظهرت منظمات لتخزين السلاح فى سيناء بالتعاون مع المنظمات الفلسطينية التى حاولت تأمين رصيدها من الأسلحة لتجاوز السقف الإسرائيلى المحدود لتسليحها والذى يحتم على إسرائيل توجيه ضربات لتدميرها. هذه هى سيناء التى ورثها النظام السياسى المصرى الحالى والرئيس عبد الفتاح السيسي، إرهاب منظم، وخلايا تمتد على اتساع سيناء ومنطقة القناة، ونشاط إرهابى عشوائى على اتساع الوطن، تحالفت فيه مجموعات الإخوان ومن خرج من تحت عباءتهم، والعباءات السلفية المتعددة فى محاولة لضرب الاستقرار والاقتصاد والأمن، وهذا هو التحدى الذى بدأ به الرئيس السيسى ولايته الرئاسية منذ عام، فكان الاشتباك الاستراتيجى معه والذى اتخذ عدة مسارات لمواجهة هذا التحدي. المسار الأول استهدف بالدرجة الأولى محاصرة قوى وتنظيمات وعناصر الإرهاب وتجفيف منابعها ومسار حركتها فما الذى تحقق فى هذا المسار: لقد كان النشاط الإرهابى يمتد على اتساع سيناء شمالاً وبعض مناطق الجنوب، وعبر قناة السويس لتنتشر فى مناطق حول قناة السويس امتدت إلى مدن القناة والشرقية والدقهلية. وبعد عام أسفر جهد تحدى الإرهاب عن محاصرة النشاط الإرهابى ليتركز فى مربع جنوبالعريش والشيخ زويد، وقد أسفر هذا الجهد خلال الشهور الستة الأخيرة عن تصفية أكثر من 750 إرهابيا فى سيناء، والقبض على 206 إرهابيين و1875 مشتبها فيه، وتدمير عدد 521 فتحة نفق، من بينها 63 فتحة طولها يتراوح من كيلو إلى 2.8 كيلو من الحدود مع غزة، وتعمل الهيئة الهندسية حالياً على وضع حل هندسى يقضى نهائياً على ظاهرة الأنفاق. ورغم إعلان مايسمى بتنظيم أنصار بيت المقدس مبايعته لتنظيم داعش للإيحاء بقوة التنظيم إلا أن الواقع يؤكد أن الضربات الأمنية المتتالية أفقدته الكثير من عناصر قوته وقد اضطر إلى تغيير هيكليته ولم يعد يعمل كتنظيم مركزى ولكن مجموعة خلايا تنتشر فى بعض الحواضن القبلية التى تقوم بتوفير ملاذ آمن لها وتنتشر بصفة خاصة فى العريش والشيخ زويد، وقامت أجهزة المخابرات المصرية بمعاونة رجال القبائل فى تحديد مراكز وبؤر الإرهاب فى قرى اللفتات والحماد يين والجميعى والتومة والمقاطعة والمهدية وكذلك فى بعض المنازل داخل مدينة العريش فى منطقتى الزهور والعبور، ورصد هذه الأجهزة القيادات والعناصر التى تضمها الخلايا المتمركزة فى تلك المناطق، وسوف تشهد الأسابيع القادمة ضربات موجهة لها، ومن الجدير بالذكر هنا أن ما يؤخر عملية تصفية هذه الخلايا أنها تتخفى وسط المدنيين وحسب تعبير المتحدث العسكرى للأهرام "كثير منهم يرفعون فى الصباح علامة النصر، ثم يقومون بحمل السلاح والتفجيرات فى المساء ليحارب القوات الأمنية"، وهذا الأمر يمثل صعوبة بالغة على الأجهزة الأمنية التى تحرص على حياة المدنيين فى مناطق المواجهة مع الإرهاب. وفى هذا الإطار، أدت عمليات ضبط الحدود الغربية مع ليبيا والجنوبية مع السودان وكذلك الحدود البحرية لسيناء،إلى تراجع عمليات التهريب، وهو ما ساعد على تجفيف منابع حصول الإرهابيين على الأسلحة والمتفجرات. وفيما يتعلق بالمسار الثانى فقد تضمن الفكر الاستراتيجي، أوالاشتباك الاستراتيجى الذى طرحه الرئيس السيسى فى إطار مواجهة تحدى الإرهاب أن تحقيق إنجاز كبير على هذا المستوى يتطلب إلى جانب ماسبق، تجفيف المنابع الفكرية للإرهاب، وكان الرئيس السيسى حريصاً على تحميل الأزهر وكبار العلماء مسئولية ذلك وشهدت مصر تحركات غير مسبوقة قام بها الأزهر ووزارة الأوقاف، لتجديد الخطاب الدينى ليصبح أكثر قدرة على مواجهة الفكر التكفيرى والمتطرف. ويتضمن المسار الثالث فى مواجهة تحدى الإرهاب، التحرك على المستوى الإقليمى والدولي، وارتبط ذلك المسار بإدراك التفاعل الإقليمى والدولى فى قضية الإرهاب فى مصر، وكان الموقف المصرى على هذا المستوى إيجابياً بقدر كبير، فرغم ترحيب مصر بالحملة الدولية على الإرهاب، إلا أن الرئيس أصر على أن الحملة الدولية على الإرهاب يجب ألا تقتصر على مواجهة تنظيم داعش فى العراق وسوريا، بل يجب أن تمتد لتشمل كل تنظيمات الإرهاب فى المنطقة وإذا كانت الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية تريد أن تشارك مصر معها فى تلك الحملة، فعليها أيضاً أن تشارك مع مصر فى مواجهة الإرهاب فى سيناء وفى ليبيا، وبذلت مصر جهودا كبيرة على هذا المستوى، حيث سبق أن اتخذت الولاياتالمتحدة وعدد من الدول الأوروبية قراراً بوقف التعاون العسكرى والأمنى مع مصر، بعد سقوط نظام الإخوان وسقوط المشروع السياسى لواشنطن فى المنطقة تبعاً لذلك، إلا أن التحرك فى تطبيق خريطة الطريق والمواجهة الفعالة مع الإرهاب أرغم تلك الدول على إلغاء قراراتها بهذا الخصوص، وزاد حجم التعاون الاستخبارى والأمنى مع مصر مؤخراً فى شهادة واضحة ارتبطت بصلابة الموقف المصرى وتماسكه بصورة غير مسبوقة وكنوع من التقدير للجهد المبذول فى مواجهة الإرهاب بعناصره المختلفة. المسار الرابع فى إطار الفكر الاستراتيجى والاشتباك الاستراتيجى الذى تبناه الرئيس السيسى لمواجهة تحدى الإرهاب، كان البدء الفعلى فى تنمية سيناء، ولع لمشروع التنمية المرتبط بقناة السويس الجديدة سيكون حجر الأساس على هذا المستوى، إلى جانب تمليك الأراضى المستصلحة، ومشروع تنمية بعض القرى، التصالح بين الدولة ومجموعات من السكان كانت لديهم ملاحظات أمنية قد ساهمت فى تهدئة مظاهر احتقان لم يكن لها مبرر. هكذا نرى أن الرئيس السيسى حدد هدفه الرئيسى فى مواجهة تحدى الإرهاب خلال العام الأول لرئاسته، فى اقتلاع جذورا لإرهاب وتجفيف منابعه الداخلية والخارجية وتغيير المناخ الثقافى والاجتماعى والاقتصادى الذى كان يوفر حاضنة له، وقد حقق إيجابيات ملموسة. إن ما تحقق من إيجابيات فى مواجهة تحدى الإرهاب، يتطلب المواصلة، واتخاذ الكثير من الإجراءات الأمنية غير التقليدية لحماية المجموعات والكوادر العسكرية والأمنية خاصة فى سيناء. ولا شك أن ما تحقق حتى الأن يؤكد أن هذا الاشتباك يسير فى طريقه الصحيح وان كان يحتاج لمزيد من الوقت لاقتلاع جذور الإرهاب وإعادة ربط سيناء بالوطن.