الكاتب والباحث الأردنى الدكتور ناصر الدين الأسد، الذى فقدته أمتنا العربية منذ أيام ، زامنَ عمالقة النهضة العربية الثانية وحمل رسالتهم في التنوير، وأودع المكتبة العربية نحو تسعين مؤلفًا في اللغة والتراث والفكر. شغل الراحل مناصب أكاديمية وإدارية عديدة نهض بها وارتقى، أبرزها تقلد وزارة الثقافة الأردنية. كما كان أول وزير للتعليم العالي في الأردن. وأسس الجامعة الأردنية ثم عُيِّن رئيساً لها خلال الفترة من عام1962 – 1968، وكان عضوًا بمجامع اللغة العربية في كل من الأردن، وسوريا، ومصر، والمغرب، إضافة إلى عمله مراسلاً للمجمع العلمي الهندي منذ عام 1976. هذا إلى جانب توليه مهام ثقافية على المستوى القومى، حيث عمل وكيلاً للإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية بالقاهرة بين عامي 1954 و1959، كما أشرف على الشئون الثقافية بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بين عامي 1968 و1977، ورأس العديد من المجامع والمجالس مثل المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية «مؤسسة آل البيت» ومجلس الأمناء في جامعة الإسراء بعمّان، ومجلس أمناء جائزة عبد المجيد شومان الدولية للقدس. كما تعددت جوانب إبداعاته ومؤلفاته في اللغة والترجمة والتحقيق والنقد والفكر والنثر والشعر. وقد حصل الدكتور الأسد على الكثير من الجوائز والميداليات والأوسمة من داخل الوطن العربي وخارجه، تقديرًا لعلمه ودوره الرائد في النهضة الثقافية في الأردن خاصة، وفي الوطن العربي عامة، ومنها حصوله على "جائزة نجيب محفوظ للكاتب العربي" عام 2010، وهي أرفع الجوائز التي يمنحها اتحاد كتاب مصر، فأضاف إليها من قيمته وقامته العالية. ولد ناصر الدين الأسد في العقبة جنوبالأردن عام 1922م، لأب أردني وأم لبنانية، وأمضى عشر سنوات متنقلا مع والده في المدن الجنوبية لشرق الأردن. نشأ في البادية, فارتبط بالشعر الجاهلي.وقد بدأ علاقته بالكتاب بفضل والده الذى حرص على توطيد صلته بالمطالعة، وكان يحضر إليه من رحلاته عددا من الكتب، ولا سيما كتب كامل الكيلاني، واستطاعت هذه الكتب أن تزوده بمفردات اللغة، فامتلك بفضل هذه المطالعات قدرة مبكرة على التعبير بلغة عربية سليمة، واكتسب معرفة بتاريخ العرب والمسلمين، ونشأ محبا للشعر والأدب العربي. وكانت دراسته في عمان مقدمة لحياته العملية، فقد تداخل تعليمه في هذه المرحلة بالثقافة والسياسة، واستيقظت في نفسه القدرة على كتابة الشعر. ثم التحق بالبعثة الدراسية في الكلية العربية بالقدس لاستكمال المرحلة الثانوية 1939- 1943 وفيها تعلم المنهج العلمي فى التفكير، والأسلوب الموضوعي في البحث، وبعد تخرجه في الكلية العربية عاد إلى عمان، وامتهن التدريس في مدارسها، ثم غادرها إلى القاهرة في العام التالي ملتحقا بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة)، بقسم اللغة العربية، وكانت القاهرة حينذاك مركز الإشعاع العلمي الأول في الدول العربية، وملتقى المثقفين والأدباء، وكانت الحياة الأدبية فيها تضج بمعاركها ومنتدياتها ومجلاتها الراقية، وتهيأ له في هذه المرحلة التعرف على العقاد وطه حسين وأمين الخولي وشوقي ضيف، وبعض هؤلاء تتلمذ على أيديهم، وحظي بعنايتهم وصداقتهم، واكتسب من روحهم ما ساعد على إنضاج تجربته، وصقل قدراته، وإغناء معرفته. تخرج في قسم اللغة العربية عام 1947م، ومنح جائزة الدكتور طه حسين لأول الخريجين. وقد عانى ناصر الدين خلال سنوات دراسته عسر الحال وضنك العيش، واضطر أن يعمل طول دراسته الجامعية، فعمل حينا مترجما و حينا مراسلا صحفيا وبعد تخرجه عمل مدرسا في المدرسة الإبراهيمية بالقدس لكنه ما كاد يستقر حتى أعلن قرار تقسيم فلسطين، فاضطربت أحوال البلاد، وقامت حرب 1948، فعانى من الانقطاع عن العمل شهورا، ثم سنحت له فرصة عمل في ليبيا، فقصدها مع اثنين من المعلمين المصريين وأسس معهما ومع بعض المعلمين الليبيين أول مدرسة ثانوية متوسطة في طرابلس. ثم عاد إلى القاهرة عام 1949 لدراسة الماجستير، والتدريس في المدرسة الإنجليزية بمصر الجديدة، وحاز الماجستير من كلية آداب جامعة فؤاد الأول عام 1951 عن أطروحته (القيان والغناء في العصر الجاهلي)،ثم حصل على الدكتوراة بتقدير ممتاز من جامعة القاهرة عام 1955عن أطروحته (مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية) وهو أول أردني ينال الدكتوراة من جامعة القاهرة. يعد ناصر الدين الأسد من أبرز الدارسين العرب المحدثين الذين أخذوا أنفسهم بالمنهج العلمي، والشاعر - في نظره - هو قلب الأمة النابض، ويرى أن الشعر ذروة الفنون جميعها ،ولم ينقطع ناصر الدين عن قول الشعر، ولكنه لم يجمع هذا الشعر ،ولما سئل أجاب بأنه أمر يتوقف على رأي النقاد الذين يعرفهم ويثق بحكمهم. ورحل الدكتور ناصر الدين الأسد عن 93 عاما بعد حياة حافلة بالعطاء الثقافي..رحم الله الفقيد بقدر ما أعطى وما ترك من إرث حضاري كبير للأجيال من بعده. .