جريمة جديدة من جرائم الخصخصة تحدث، كشفها تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات والأموال العامة والنيابة العامة ، استمرت 12 عاما، تعرضت خلالها شركة المشروعات الصناعية والهندسية للنهب المنظم والتخريب المتعمد بعد خصخصتها ، ترتكب هذه الجريمة من قبل مجالس إدارتها فى ظل صمت وتواطؤ مخز من المسئولين وإهدار للمال العام الذى مازال يحتفظ ب23 % منها . الشركة التى كانت قبل خصخصتها تتولى عمليات البنية الأساسية بفروعها ال17 داخل مصر وفروعها الثلاثة فى الامارات والسعودية واليمن وقرابة ثمانية آلاف عامل وفنى وإدارى على اعلى مستوى بمعدات عملاقة انهارت وتقلص عدد العمال بها الى الربع وتم إغلاق فروعها الخارجية ، ويمارس على العمال شتى أنواع التنكيل لإجبار البقية الباقية منهم على الرحيل لبيع أصول الشركة من أراض ووحدات عقارية ومعدات ومنذ ثمانية أشهر لم يحصل العمال على مرتبات أو علاج أو حتى مجرد مساندة معنوية من أى مسئول . « نعم حاولت الانتحار بعد أن عجزت عن توفير الاحتياجات الأساسية من أكل وملبس وسداد فواتير الكهرباء والغاز بل حتى توفير تكاليف العلاج الذى يخفف عنى آلام الكبد والغضروف « هكذا بدأ عبد الله جاد الرب - طباخ - كلامه .. مضيفا : « إن أولادى الخمسة و والدتهم منذ أشهر لم يتذوقوا طعم اللحم وأيام عديدة لا يأكلون إلا العيش الحاف فأنا لم أتقاض مرتبى من الشركة منذ سبعة أشهر ..». أما سيد محمود 50 عاما ويعمل ساعيا يعانى من الآم شديدة نتيجة تقوس فى عموده الفقرى بشكل يشبه الرجل الأحدب وقد رفضت إدارة الشركة إجراء العملية الجراحية له التى ستتكلف 40 ألف جنيه أو حتى صرف الأدوية اللازمة يقول : « أتمنى التخلص من الآلام حتى لو كان بالموت بدلا من الموت البطيء .» عبد الله وسيد نموذجان لما يعانيه العاملون بالشركة الهندسية والصناعية فمنهم من مات ومنهم من بترت أطرافه لعدم وجود رعاية صحية أو صرف العلاج الشهرى لأصحاب الأمراض المزمنة بعد أن سرقت منهم كل شيء حتى الرعاية الصحية التى يكفلها لهم القانون . بداية التدمير محمد هلال محاسب بالشركة يقول انه منذ خصخصة الشركة عام 1997 تمتنع إدارة الشركة عن إعطاء حقوق العمال وتعمل على طردهم وانخفض عددهم بنسبة 75 % ولم تصرف لهم أرباح و حوافز أو حتى فواتير العلاج . المهندس طارق طبل، أمين عام اللجنة النقابية للشركة بأن الخصخصة بداية تدمير الشركة بعد أن سيطر مستثمر عربى على 23% من أسهم الشركة وهى نفس نسبة المال العام إلا أن « تلك المجموعة « ممثلة فى مجلس الإدارة بخمسة أعضاء بينهم الرئيس والعضو المنتدب ، أما المال العام فممثل بعضوين فقط و صغار المساهمين الذين يمتلكون أكثر من نصف الشركة غير ممثلين فى مجلس الإدارة الذى يعمل منذ عام 2003 على الاستيلاء على مقدرات الشركة والقضاء على عناصرها الإنتاجية لتخسيرها وتصفيتها و بيع أصولها ، والدليل على ذلك أن الشركة عام 1997 (عام الخصخصة) كان يعمل بها قرابة سبعة آلاف و300 عامل وكانت أرباحها السنوية 40 مليونا والآن رغم انخفاض العمالة إلى 2300 عامل فإن أرباحها تحولت إلى خسائر بلغت 1200 مليون جنيه . ويقول عادل عبد الحفيظ فنى انه منذ عام 2000 تم إيقاف التعيينات والشركة تعانى نقصا شديدا فى العمالة الماهرة التى أجبرت على المعاش المبكر ولم يحل محلها عمال آخرون مما ترتب عليه إغلاق بعض الورش بالشركة فتدهورت حال الصيانة للمعدات وقد يكون ذلك تمهيدا لبيع الأرض المقام عليها الورش الموجودة فى القطامية على مساحة 24 ألف متر . فى السياق نفسه، يستكمل حسين إسماعيل المشرف على ورش بهتيم المقامة على الأرض التى تعتزم الشركة بيعها بأن إعلان بيع الورش التى تمثل البنية الأساسية والتى كان يعمل بها قرابة 600 عامل وتقلصوا إلى 150 فقط يؤكد النية لتدمير الشركة . وتتدخل المهندسة كريمة علي، المديرة العام للتخطيط بالشركة فى الحوار وتؤكد أن الشركة هى أول شركة قطاع عام تعمل فى محطات تحلية مياه البحر ونفذت مشروعات فى عدد من الدول العربية والافريقية ولديها معدات وماكينات ضخمة معظمها تم بيعه «لوطات « خلال السنوات الأربع الأخيرة ورغم وجود آلاف العمال المهرة فى 17 موقعا على مستوى الجمهورية فإن 90 % من المشروعات المسندة للشركة من الجهات الحكومية تسند لمقاولى الباطن . ويكمل المهندس طارق: إن مجلس الإدارة توقف عن تنفيذ المشروعات المسندة إلى الشركة من الجهات الحكومية اعتبارا من منتصف عام 2003 ثم توقف عن صرف مستحقات مقاولى الباطن بتلك المشروعات عن الأعمال التى قاموا بتنفيذها مما أدى إلى توقفهم عن العمل بالرغم من أنهم كانوا يحققون نسب انجاز مرتفعة و معدلات ربحية للشركة تتراوح بين 30% و 45% من قيمة تعاقد الشركة مع العملاء وبعد ذلك يقوم بإسناد الأعمال المتبقية من تلك المشروعات بالأمر المباشر بأسعار جديدة أعلى . وما يدعم اتهام طارق أمران :- الأول البلاغ الذى قدم للمستشار عبد المجيد محمود النائب العام السابق نهاية عام 2012 وتم على إثره إحالة كل من سوزان ثابت ومحمد إبراهيم سليمان ومعهما عادل عطية صاحب شركة هورس واحمد فؤاد عبد المعز رئيس الشركة السابق لنيابة الأموال العامة بالتجمع الخامس بتهمة التربح واستغلال النفوذ. ويقول مقدم البلاغ إن شركة المشروعات الصناعية قامت بإسناد عدة مشروعات صرف صحى لشركة مقاولات يمتلكها محمد احمد عمر وبعد أن قام بإتمام المشروعات التى اسندت إليه قام رئيس شركة المشروعات الصناعية بالضغط عليه لترك المشروعات لصالح شركة هورس وقيل له ان ذلك يتم بتدخل سوزان ثابت ومحمد إبراهيم سليمان .. والثانى تقريران صادران عن الأجهزة الرقابية، الأول صادر نهاية عام 2012 تحت ِعنوان سرى للغاية « نتائج تحريات النيابة » وجاء فيه أن إجمالى خسائر الشركة منذ عام 1997 حتى نهاية عام 2011 بلغت نحو مليار جنيه، وان المسئولين بالشركة منذ عام 2003 اسندوا تنفيذ معظم المشروعات التى تمت ترسيتها على الشركة من الجهات الحكومية لكل من شركتى « هورس و الزعفرانة» والتقرير الثانى صدر منتصف عام 2013 عن مباحث الأموال العامة جاء فيه انه فى عام 2002 تعاقدت الشركة مع هيئة المجتمعات العمرانية لتنفيذ أعمال المرافق بالحى الثالث بمدينة دمياط الجديدة مقابل 38 مليونا وفى عام 2003 أسندت الشركة هذه الأعمال من الباطن لشركة مساهمة البحيرة مقابل 20 مليونا لتحقق ربحا 17 مليونا وحدثا خلاف مع مساهمة البحيرة فسحبت المشروع منها واسندته لشركة هورس عام 2004 بالأمر المباشر مقابل 78 مليونا. وأضاف التقرير أنه خلال رئاسة احمد فؤاد عبد المعز للشركة من مارس 2003 حتى أغسطس 2005 ابرم العديد من التعاقدات التى شابها المخالفات القانونية التى من شأبتها تسهيل الاستيلاء على أموال الشركة، حيث توسعت فى إسناد الأعمال المتكاملة بالأمر المباشر مع التركيز على مقاولين بذاتهم شركتى « هورس والزعفرانة» بخسارة تعاقدية مع عدم سحب التعاقدات المبرمة بين الشركة والمقاولين بالطرق القانونية قبل إسنادها لكل من شركتى « هورس و الزعفرانة « مما أدى إلى قيام المقاولين برفع دعاوى على الشركة حكم فى بعضها على الشركة بغرامات مما اضر بأموال الشركة وقد وصل إجمالى تعاقدات الباطن إلى نحو 123 مشروعا بقيمة إجمالية مليار و600 مليون معظمها لشركتى « هورس و الزعفرانة « . سردت المهندسة كريمة عددا من المشروعات التى تدعم رواية طارق منها إنشاء الشبكات الداخلية لمشروع 103 عمارات بمدينة 6 أكتوبر الذى قامت الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان بإسناد تنفيذه للشركة بقيمة إجمالية 5,8 مليون جنيه ثم قامت الشركة بإسناده بالأمر المباشر لشركة الزعفرانة بالتعاقد بقيمة 12,7 و بخسارة 6,9 مليون جنيه . ومشروع تنفيذ أعمال خطوط مياه البحيرة الذى تم إسناده لشركة الزعفرانة بقيمة 6,2 مليون جنيه و هى بالكامل خسارة على الشركة بالرغم من وجود عرض لمقاول آخر لتنفيذ الأعمال نفسها بقيمة نصف مليون فقط و بنفس شروط و مواصفات التعاقد . وأكد العمال بالمستندات أنهم منذ عام 2007 بداية الأزمة حتى الآن تقدموا بعشرات الاستغاثات والمذكرات لجميع الجهات الحكومية والنقابية المختصة بداية من النقابة العامة والاتحاد العام ووزارة الاستثمار ووزيرة القوى العاملة التى التقيناها 4 مرات كوزيرة وعشرات المرات وقت أن كانت تتوالى رئاسة الإدارة المركزية للمفاوضات وعلاقات العمل بالوزارة بالإضافة إلى العديد من الجهات الرقابية . ويرى جمال التلاوى عضو اللجنة النقابية أن وزيرة القوى العاملة لا تدافع عن حقوق العمال ولكنها تعمل على إرضاء المستثمر على حساب العمال وتضغط على اللجنة النقابية وتهددهم للرضوخ لقبول رغبات المستثمر وخلال الاجتماعات بالوزيرة يسمح لصاحب العمل باصطحاب محامين ويحرم من ذلك العمال . المهندس طارق يقول : « إنه خلال اللقاءات التى تجمعنا بالوزيرة تمارس فيها الوزيرة شتى أنواع الضغوط لإرغام العاملين على قبول اقتراحات صاحب العمل الممثل فى مجلس الإدارة وخلال الاجتماع الذى عقد بمجلس الوزراء نهاية شهر ابريل الماضى فوجئنا بأن رئيس الإدارة المركزية لعلاقات العمل بالوزارة يريد ان يفرض مقترحات المستثمر التى قدمها للوزيرة خلال اجتماع تم صباح نفس اليوم بالوزارة معه لحل الأزمة رغم أن هذا الاجتماع مخالف لقانون العمل لأنه تم مع طرف واحد فى غياب ممثل العمال وقال بالتحديد: « إنه غير مسئول عن أى أطروحات أو « مقالب » للعاملين خارج المقترحات التى سيقوم بعرضها » .. وقد كانت اقتراحات مجحفة لحقوقنا لذلك رفضناها بالكامل رغم الضغوط التى مورست علينا خلال الاجتماع» . وتضيف كريمة ان رئيس مجلس الإدارة الذى يمثل المستثمر السورى يقول انه اقوى من الدولة والقانون ويتعامل مع العمال ببلطجة، ويقضى على الكفاءات واتخاذ التدابير غير القانونية للاعتداء على حقوق العمال ويتهرب من سداد أموال التأمينات وباقى حقوق الدولة دون عقاب . لن نترك العمال من جانبه، أكد جمال سرور وكيل أول وزارة القوى العاملة بالقاهرة، أن العمال هم الجانب الضعيف فى المعادلة الاقتصادية والوزارة تعى هذا جيدا وتقف بجوارهم دائما وتقوم بدورها على أكمل وجه .وأننا فى تفاوض مستمر سواء بلقاءات أو بعقد اجتماعات مع الجانبين وكان آخرها اجتماع عقد بمجلس الوزراء . والموضوع مازال حتى الآن محل بحث .ونحن نعلم مدى معاناة العمال الذين لم يحصلوا على مرتبات منذ شهر نوفمبر الماضى وأن الوزارة طبقا للقانون لديها الضبطية القضائية وتقوم بتحرير محاضر شهريا ضد صاحب العمل وترسل لقسم الشرطة ثم تحول للنيابة . كما أن مجلس إدارة الشركة تعهد عقب الاجتماع الأخير بالوزارة بتحقيق مطالب العمال عن الأشهر المتأخرة والبالغة قرابة 35 مليون جنيه فالشركة بها 2300 عامل تبلغ أجورهم الشهرية قرابة 5 ملايين . وأن إدارة الشركة تعهدت بأنها ستقوم ببيع قطعة أرض ملك الشركة ببهتيم وتسدد منها أجور العمال المتأخرة وبالفعل قام مجلس الإدارة بنشر إعلان بالصحف للبيع، أما عن طبيعة هذه الأرض ونوع النشاط المقام عليها فليس لدينا فكرة عنها ولكن ما أكده لنا مجلس الإدارة أن هذه الأرض ستوفر قرابة 70 مليون جنيه تغطى أجور العمال المتأخرة . ونفى جمال الادعاء بأن الوزارة تقف بجانب صاحب العمال موضحا ان دور الوزارة هو الوقوف بجانب العمال والتضامن مع مطالبهم المشروعة بما لا يخالف القانون ولا يعقل أن تمارس الوزارة ضغوطا على العمل، لمصلحة صاحب العمل ، موضحا أنه أثناء التفاوض يكون لصاحب العمل مبررات لما يحدث وعلى سبيل المثال فى قضية شركة المشروعات الصناعية والهندسية نجد أن صاحب العمل الممثل فى مجلس الادارة يدعى أن السبب وراء عجزه عن توفير المرتبات أنه لا يوجد لديه حجم أعمال كشركة تغطى أجور العمال .أما أموال التأمينات قضية بين الشركة وهيئة التأمينات وهى وتتم متابعتها من خلال التأمينات وليس للعمال شأن بها . وماذا عن حقوقهم الصحية المهدرة ؟ حتى الآن لم ترد للوزارة أى شكوى رسمية من عمال الشركة حول هذا الموضوع وكل ما ورد إلينا ونتفاوض لحله موضوع الأجور المتأخرة أما حقوق العمال الصحية فإن الشركة تقوم بتوفيرها على أكمل وجه . ولكن.. هل يعقل أن تترك الوزارة العمال 7 أشهر دون الحصول على أجور ؟ إدارة الشركة تقدمت للوزارة بطلب صرف إعانة من صندوق الطوارئ طبقا للقانون بقدر شهر من مرتب العمال وجار بحث هذا الطلب . العمال يرون أن الوزارة بالاتفاق مع صاحب العمل يتعمدون الامتناع عن صرف المرتبات لإجبارهم على المعاش المبكر لبيع أصول الشركة؟ غير صحيح لان المعاش المبكر اختيارى وان الوزارة وقفت بجانب العمال ضد العرض الذى تقدم به صاحب العمل والذى كان يقوم على تسوية المعاش مقابل شهر ونصف الشهر عن كل سنة خدمة من المرتب إلا أن الوزارة أصرت على أن يكون مقابل شهرين عن كل سنة خدمة حسب دخل كل عامل .