يذهب السوسيولوجيون، والمتخصصون في علم الاجتماع إلي أن المجتمع المصري، في ريفه وصعيده. يفرق بين الأب البيولوجي، أي الأب الحقيقي، وبين الأب السوسيولوجي، الذي هو في منزلة الأب ومكانته واحترامه مجتمعيا، فيقول الطفل مثلا: أبويا فلان، وأبويا علان، وأبويا العمدة.. الخ.كذلك يفعل المجتمع نفسه، حين يفرق بين الخال البيولوجي، الذي هو شقيق الأم فعلا، والذي يتمتع بمنزلة خاصة، ومحبة كبيرة من أبناء الأخت ويقول المثل الشعبي في ذلك: «الخال والد».أما الخال السوسيولوجي فهو يمثل الحنو، والحماية، والحكمة، والحميمية، ويصبح الخال هنا، هو خال الجميع، أي يدخل قلب الجميع، ويحبه الجميع، ويحترمه الجميع.هذا هو الأبنودي، خال الجميع، الصاعد من أعماق الناس، والمعبر عن أمانيهم، وأحلامهم، ومعاناتهم، احتضنته مصر، فطرح للحبايب، الشعر والحب والثورة، الناس عنده هم أعز الحبايب، يحس بنبضهم، فيكتب لهم، وينشد لهم، ويغني معهم. جاء «الأبنودي» ليرفع قيمة اللغة العامية، التي عبرت بثراء، وبلاغه عن هموم الناس، ومشاكلهم، وأحلامهم. كل ذلك بفكر جديد، وصور جديدة، وعبارات فريدة، لم يعرفها الناس من قبل. جاء »الخال« ليتميز علي كثير ممن سبقوه من الشعراء الغنائيين، بأنه قد طوع لهجته الصعيدية المحلية في قريته »أبنود« لكتابة الشعر بعبقرية، وبذلك رفع المكانة الأدبية للهجته المحلية. هو الذي كتب للحب بشكل رائع، وصور لم ترد من قبل يقول في »الهوي هوايا« الهوي هوايا.. ابنيلك قصر عالي وأخطف نجم الليالي وأشغلك عقد غالي يضوي لأحلي الصبايا الهوي هوايا يبقي القمر قاربنا والليل بحر مهاودنا والنجم اللت تاخذنا ترجع شايلة الحكاية. وهكذا أوصل «الخال» الأبنودي بطلات أغانيه، وهيبة، وعدوية إلي مصاف النجومية وتغني بهم جيل بأسره. أما في رائعته العبقرية و«مادام معاي» التي شدت بها فايزة أحمد، فهو يرسم صورة غير مسبوقة للحب، وهو الحب الدافيء الأسري البسيط الذي يمكن أن نراه في أي نجع أو أي كفر. كثيرون قد كتبوا في الحب، لكن أحدا لم يكتب البساطة، والحميمية، والواقعية في غزل واحد.. مثلما فعل الخال الأبنودي، ذلك أنه كتب من إلهام البسطاء الذين أحبهم والتحم بهم، فجاءت صوره الشعرية متميزة متفردة. إنه الأبنودي الخال الذي يسبغ كرمه علي الصغير والكبير، يهتم اهتماما خاصا بالشباب فأوجاعهم أوجاعه ومشكلاتهم مشكلاته، وينابيع إلهامه، وإليهم كان يوجه معظم أغانيه فهم حاملو لواء التغيير. انه الخال.. الأبنودي صاحب الأغاني الأكثر حماسة، والأكثر انتشارا «ولا يهمك يا ريس م الأمريكان يا ريس»، ثم الأغنية التي سمت، وتفوقت وتغلفت في قلوب الناس، «أحلف بسماها وبترابها، احلف بدروبها وأبوابها، ما تغيب الشمس العربية طول ما أنا عايش فوق الدنيا» ثم الأغنية التي تلمس المشاعر، وتلهب الأحاسيس «ابنك يقولك يا بطل هات لي نهار، ابنك يقولك يا بطل هات لي انتصار». الخال الأبنودي، قدم لمجتمعه نموذجا وقدوة للأجيال والتزاما لازمه طوال حياته، في احترام الأخلاقيات، والارتقاء بالثقافة والشخصية المصرية. هذا هو الأبنودي.. خال الجميع.. وحبيب الجميع، النافذ إلي قلب الشخصية المصرية، والمتحدث الرسمي باسم جمهور المصريين، وحامل لواء الغلابة والشقيانين. استقبله الناس بمظاهرة حب، وودعوه بمظاهرة حب، كانت طريقه للخلود. عاد الطير المغرد إلي عشه، وعاد الأبنودي إلي حضن أمه الحبيبة: مصر.