المفكر والدبلوماسي اللبناني د. خالد زيادة شخصيته فريدة ومتميزة، هو المفكر الذي اثري المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات التي تؤرخ للثورة العربية الحديثة خلال قرن من الزمان. في روايته حكاية فيصل وكذلك مايتعلق بالغرب والاسلام وأوروبا، وهو صاحب أطروحة ضرورة انتاج المشروع الحضاري العربي علي أسس وقيم تراث النهضة والإصلاح، كما ناقش الكثير في المعاملات الإسلامية واكثرها موضوع الحسبة من خلال كتابه الخسيس والنفيس.... التقيناه ودار الحوار التالى.. بعد ستة عقود علي عصر التحرر الوطني نجد ان المنطقة أكثر قابلية للاستعمار فلماذا؟ وفي ضوء روايتك الوحيدة «حكاية فيصل» والتي تؤرخ لحالة الثورة العربية فيما تحتويه من آمال واخفاقات كيف توصف ما آلت إليه المنطقة؟ أنت انطلقت من رواية كنت كتبتها انطلاقا من استعادة تلك الفترة الخصبة والمعقدة والتي فتحت مايمكن ان نسميه قرنا من تحولات فهي حكاية الثورة العربية التي انطلقت من الحجاز بهدف اقامة مملكة عربية نهاية الحرب العالمية، تهزم الدولة العثمانية ولكنها لم تتحقق انطلاقا من الحدث الذي غير طبيعة الواقع السياسي والاجتماعي لما كان يعرف باسم الولايات العربية والتي أصبحت دولا وهذه الدول لم تتخلص من السلطة العثمانية حتي وقعت في الاستعمار الاوروبي، وأصبحت الوطنية أو القومية المحرك لدي العرب وفي ظل هذا قامت الثورة المصرية ثورة 19، وهي ذات اهمية خاصة بما اسسته للوطنية المصرية للدولة الحديثة وماهي أهم معالمها؟ الدولة التي نشأت بعد ثورة 19 هي الدولة الدستورية وفيها كتب دستور 1923 ونشأ برلمان واحزاب وعلي رأسها حزب الوفد، لندخل المرحلة الليبرالية التي كانت تعبيرا عن تحولات كبيرة وزادت الامال والطموحات انطلاقا من مصر في الاستقلال والانفتاح كي يكون العرب جزءا من العالم المعاصر، وهو قرن كامل الناظر خلاله لمسيرة العرب يجد أمورا كثيرة تحققت واخري لم تتحقق . لماذا ؟ لأن المشروع العربي الذي انطلق للتحرر الوطني واجه تحديات كبيرة واحباطات ساعدت في عرقلته وتعويقه اعظمها انشاء دولة اسرائيل عام 48 لأن انشاء هذا الكيان في فلسطين بالذات شكل سدا أمام فكرة الوحدة العربية التي كانت رائجة انذاك، رغم انه في المقابل تمخض عن رد فعل قوي لان الفكرة القومية العربية تبلورت اكثر ووضعت الانظمة الوطنية اوالقومية شعارا اساسيا لايتمثل في الوحدة وتحرير فلسطين والتحرر من الاستعمار نهائيا وهذا الامر فرض اولويات لمصلحة اهدار ميراث مرحلة التحولات العالمية . ماذا تعني اهدار ميراث مرحلة التحولات العالمية؟ في الفترة ما بين الحربين العالميتين كان هناك تبلور لفكرة تحرير الانسان تحرير الفرد وفكرة حرية التعبير وهي أفكار ليبرالية آتية من أفكار التنوير والذي حدث ان فكرة الحرية تحولت لفكرة تحرير الجماعة. رغم ظهور المشروع الناصري ؟ المشروع الناصري مثال نموذجي لتلك الفترة تأسيس علي الوحدة العربية وبناء الوطن علي اسس الاقتصاد لكنه استبدل مسألة تحرير الفرد وحرية الأفراد والحرية السياسية وحرية التعبير والصحافة والأحزاب بأفكار جديدة قامت علي أساسها التأميمات .. تأميمات الصناعة والملكية الفردية وتأميم الحياة السياسية مما ترك اثره علي نوع التطور في العالم العربي، حيث اخفق العرب. في إنجاز المشروع الذي يجمع بين الفكرة الوطنية وتحرير الفرد أو علي الأقل اعطاء الفرد دورا في الحياة العامة وخصوصا السياسية، وما نشاهده الآن من انتفاضات وصراعات ما هو إلا تعبير عن التأخر والركود الذي أصاب العالم العربي. تلك المفاهيم التي تتحدث عنها والمرتبطة بالحداثة والتي استبدلت بتضييق الحريات كانت سببا إذن فيما آلت إليه المنطقة؟. أقول بأن تأخرنا عن انجاز المشروع الحداثة هو الذي أوجد هذا الوضع الذي نعيشه الآن، نحن ندفع ثمن التأخر وعدم انجاز متطلبات الحداثة، لقد فشلت الأنظمة في المشروع الديمقراطي والاقتصادي والتنموي، وهو ما أدي إلي الافقار ليس علي المستوي المادي فقط بل الثقافي والسياسي. هناك طرح يقول إن أزمة المنطقة تكمن في الإعلام السياسي وهو ركيزة أساسية لإجهاض مشروع الحداثة فما رأيك؟. هناك فرق بين الإعلام والمشروع الإسلامي وقد شاهدنا إسلاما متنورا مطلع القرن العشرين عبر عنه رجال الإصلاح أمثال محمد عبده واتصور أن كتاباته «رسالة التوحيد» والإسلام والنصرانية وما كتبه ومارسه اراد به إسلاما مواكبا للعصر من خلال دعوته لتحرير الفرد من قيود التقليد المدرسي واعلنها بوضوح بأنه لا سلطان علي ايمان الفرد، وللحقيقة إذا عدنا للنصف الأول من القرن العشرين نجد أن المنطقة العربية مارست إسلاما متنورا وحضاريا يتلاءم مع متطلبات الحداثة والتي تتأكد من المؤلفات التي تركها «محمد بن علي» و«أحمد أمين» وغيرهما من المصلحين وهو ما يجب أن نعيد له الاعتبار في وجه المتشددين الذين يسعون لطمس هذا التراث الاصلاحي.. ويكفي القول إن قادة حركات التحرر في المشرق والمغرب كانوا مسلمين اصلاحيين. إذن كيف ظهرت فكرة الإسلام السياسي؟ لقد صاحب الإسلام السياسي الاتجاهات الإصلاحية الإسلامية في مصر والمشرق العربي ومغربه، حيث ظهرت حركة الإخوان المسلمين كحركة شبابية أقرب ما تكون للأحزاب علي مثال ما كان رائجا آنذاك في العالم، من أحزاب شيوعية وفاشية في أوروبا ومشكلة حالة الإخوان المسلمين أنها تبنت النموذج الحزبي السري العصبوي والتي تجمع بين الدعوة واكتساب الانصار وفي نفس الوقت لها ذراع مسلحة لتحقيق طموحات سياسية وهي فكرة حديثة علي الإسلام سبقهم فيها السلطان العثماني «عبدالحميد» إبان انهيار الامبراطورية العثمانية. كيف؟ ينبغي القول إن فكرة استخدام الدين في السياسة ترجع لفترة السلطان العثماني عبدالحميد الذي دعا إلي الجامعة الإسلامية بغرض وضع الإسلام كقوة في مواجهة الدول الغربية لانقاذ الامبراطورية العثمانية من الانهيار بجمع المسلمين العرب والاتراك تحت السلطنة العثمانية وهو أول استخدام سياسي للإسلام، تبع ذلك خطابات «جمال الدين الافغاني» كنوع من التماسك الإسلامي في مواجهة أوروبا وهو من أسس لقاموس لغوي يحص المسلمين علي التوحد ضد الاطماع الغربية، ولكن ما كانوا يسعون إليه بالأساس مواجهة الاستعمار، ومن هنا أتي استخدام الإسلام في الاطار السياسي وجاءت الحركات الدينية الإسلامية فيما بعد ليس فقط من أجل مواجهة الاستعمار الغربي ولكنها توسعت في استخدام الإسلام لأنها وضعت نوعا من الأسس للتفكير يقوم علي رفض ليس فقط الاستعمار الغربي، ولكن كل ما يأتي من الغرب من افكار حديثة ورفض العلوم الإنسانية. ومن هنا جاءت الفكرة القائلة أذن إننا نجد في الإسلام جوابا عن كل الاسئلة المطروحة وكل شيء!. نعم سادت هذه الفكرة أن كان في مجال السياسة أو العلوم مما أدت لرؤية احادية ورد الفعل وليس الفعل، واضاعة الوقت في القول دون بذل الجهد في الاكتشاف فالإسلام السياسي ليس فقط رافضا للغرب السياسي ولكنه قام علي رفض الغرب ككل أو بالأحري الحداثة. في إطار الحديث عن فكر الرؤي الضيقة في كتابك «الخسيس والنفيس» تحدثت عن «الحسبة» كمفهوم يستخدم بشكل خاطيء فما موقع هذه الحالة بالضبط في الإسلام؟. تقريبا قرآت كل أعمال الفقهاء حول رسائل «الحسبة» والمؤكد فيها أن المحتسب اختص فقط بنوع من الرقابة علي الأسواق بصلاحيات محدودة ولم يكن يتدخل في الشئون العقائدية أو صلاحيات لإقامة الحدود و التعرض للحريات الفردية. لم يعد لدي أوروبا شئ نقدمه للعرب في هذا الكتاب أنت تطرح أهمية العودة لانتاج مشروع خاص بالعالم العربي بعيدا عن التقليد واللهث وراء الآخر كيف نخلص لهذا المشروع؟ أقول أن تأثير أوروبا الكبير علي العالم ككل والعرب خصوصا قد تتضاءل عما كان عليه في القرن التاسع عشر فهي لم تعد منتجة للأفكار الكبري التي انتخبتها وأثرت علي كل الشعوب ولهذا فليس أمامنا سوي أن نعود لتراث النهضة والاصلح لكي نؤسس مشروعا فكريا وحضاريا جديدا. في ثلاثية طرابلس أو مدينة علي المتوسط كنت تؤرخ لمسيرة المدينة الجديدة فيما اعتراها من تحولات مادية ومعنوية .. كيف رأيت ذلك؟ الشىء الذي يجمع اعمالي تخترقه فكرة اساسية هي التقليد والحداثة، ورغم ان هذا الكتاب سيرة ذاتية إلا أنه سيرة مدنية أكثر في كيفية استيعابها للتحولات العمرانية وكيف لاهمتها الحداثة وكيف أثر ذلك علي تقاليدها الاجتماعية وفيما حدثته المتغيرات السياسية ايضا عليها، مما أدي لنوع من الصراع صاحبة إنقسام في قبول التحديث نتج عنه أن لحق جزء بالتطور العمراني صاحبه تطور اجتماعي وظل الآخر في دائرة التشوه العمراني والاجتماعي وهو مايمكن ان يقاس أو يكون نموذجا للمدينة العربية في تطورها عمرانيا واجتماعيا.