كيف يمكنك أن تسلم دماغك لأي انسان كان؟ يطلب منك الانحناء يمينا ثم الالتفات قليلا إلى اليسار، وسرعان ما يدفع برأسك إلى الأمام أو يجذبها إلى أقصى الخلف، بينما تقبع انت بين يديه مطيعا، بتعبير هذه الأيام «تسلم له دماغك». انها فئة الحلاقين التي غنى لها أوسكار نجدي، في حفل أقيم الأسبوع الماضي في ساقية الصاوي بالزمالك، وبصحبة فرقته الموسيقية «أوسكاريزما ستوديو».في جو من البهجة الخالصة، تعالت ايقاعات الجيتار والكمان والدرامز بمشتقاته، بينما تخرج الهرمونيكا من جيب أوسكار من وقت لآخر ليعزف بها معزوفة صولو تخطف قلوب الشباب من حوله. جموع من الشباب يعرفون «اوسكاريزما ستوديو» تمام المعرفة، ويبدو على الفنان الشاب أنه اعتاد بعضهم، يصطفون أسفل المسرح ويتمايلون في خفة راقصة على نغمات تضج بالحياة وكلمات مصرية تمس حياتهم وتعبر عن الشباب وعن المقهورين والمستضعفين. يقتفون أثره أينما ذهب بفريقه في عروض الجيزويت أو في الفن ميدان أو ساقية الصاوي، وفي كل مرة يعدهم بمفاجآت جديدة. يقدم أغنيته «الحلاقين» متوجها لجمهوره بلغة بسيطة وابتسامة مبتهجة صافية «ما تسمحوش لحد يلعب لكم في دماغكم» ثم يأتي مقطع الأغنية الدال مؤكدا الاحتجاج والفكر المستقل «دماغي مش ملكك».. ويبدو مشهد فريق العازفين الضخم بملابسهم ونظارات بعضهم السوداء وأداءاتهم أشبه بفريق موسيقي يرجع إلى السبعينيات لكنهم يمزجون ما بين موسيقى النوبة وموسيقى البلوز الحزينة في خليط مميز، بينما في خلفية المسرح لا يخفون اعجابهم بالشاب خالد الجزائري حيث يضعون صورا له ولبوب مارلي، معشوق الفريق. ولا يعطي الفريق ايحاء بالتغريب والفرنجة -وربما هذا ما يجذب إليه الكثيرين- لكنه ينهل أيضا من تاريخ فن الاسكتشات المصري المحبب من شكوكو واسماعيل ياسين إلى ثلاثي أ ضواء المسرح وسيد الملاح وغيرهم. أما أوسكار فرغم بشرته الفاتحة، إلا أنه يشعرك بتصفيفة شعره وايقاع جسده كما لو كان من زنوج افريقيا، يتراقص بتلقائية وبساطة فشر مايكل جاكسون، أو يصدر صيحاته المضحكة في استهلال الأغنية ليذكرنا بالممثل الامريكي الزنجي الأشهر مارتين لورانس. وبين أغنية وأخرى، يشجع أوسكار جمهوره مداعبا بأن هناك حالات مختلفة من التفاعل مع الموسيقى «والمهم ألا يظل الناس على كراسيهم في نهاية الحفل». تهرول مجموعات الشباب إلى الساحة أسفل المسرح ملبية لندائه، فيدرك حينئذ الضيف المستجد بين الجمهور أنه ربما كان اسما على مسمى هذا الذي أطلقه الفريق على نفسه جامعا بذلك بين فكرة «الكاريزما» أي الانجذاب الجماهيري وبين اسم أوسكار مؤسس أوسكاريزما. كانت بدايات الفريق منذ 2008، على يد أحمد نجدي الشهير بأوسكار وأحمد عصام وعمرو قطامش، وقبلها ببضع سنوات كان معروفا في مسارح الجامعات وخاصة جامعة حلوان، وحرص الفريق على فكرة الاستوديو التي لا تقتصر فقط على الموسيقى والغناء، بل تتسع للفنون المسرحية والأدائية المختلفة من اخراج مسرحي ورقص وتمثيل وشعر واسكتشات وبانتومايم، كما شاركت الفرقة في الاعداد الموسيقي للعديد من البرامج التلفزيوينة. كما تقيم الفرقة تدريباتها أيضا لفن «المارش» على غرار فرقة حسب الله حيث يعتمد هذا الفن على شكل المسيرة الفنية الموسيقية بآلات النفخ المختلفة، وحرص أوسكار وفريقه على تسمية فرقة المارش «أبو كريم مارشنج باند» للتأكيد على أن الاسم الشعبي أبو كريم ليس بالضرورة بائع الكشري أو صاحب محل الأطعمة أو النجار أو السواق فقط، لكنه أيضا الفنان والعازف والموسيقي الكامن في كل منا. يختار كلمات الأغنيات بعناية وبمساعدة أعضاء معه في الاستوديو مثل صلاح عبادة وهلال الحاكمي اللذين كتبا أغنية الحلاقين، أو بعض الأغنيات التي كتبها عمرو قطامش قبل أن ينفصل عن الفريق. «وظيفتنا ليست السياسة، كما يقول أوسكار في حديثه للأهرام، لكنا نتناول حكايات الناس، نتحدث عن الباعة الجائلين أو مباريات الكرة، والطلبة وسوق العمل مثل أغنية (روميو) أو أغنية (السواقين)، وهي فئة دائما ما ينظر إليها من زاوية المحتال أو النصاب، فنقول عن السواق : حياتي قضيتها ورا الدركسيون، حياتي بضاعة اشتراها الزبون، يضيع في وقتي، أوفر في وقته ويحرق في دمي». أما هذا المزيج العريض من الالحان المتنوعة التي تنهل منها الفرقة، فيؤكد أوسكار أن هناك ثلاثة تأثيرات موسيقية أساسية لاوسكاريزما ستوديو، هي موسيقى الريجي بالمغرب العربي، وخليط يجمع الجنوب السوداني وجامايكا موطن بوب مارلي، فضلا عن موسيقى البلقان. إذ يستعير أوسكار إحدى أغنيات الفنان الجزائري الاشهر الشاب خالد ويقوم بتمصيرها على كلمات مثل الفول والطعمية، مجربا ومغامرا على اللهجة الجزائرية المتمازجة مع موسيقى الريجي. ولم تمنع هذه التأثيرات في الجملة اللحنية للفرقة أن يكون لها مؤلفاتها الموسيقية الخاصة، حيث حصلت على المركز الثاني في مسابقة «سمعنا» للتأليف الموسيقي والتي نظمتها مؤسسة المورد الثقافي. يدين أوسكار كثيرا للفن في تغيير مجرى حياته كاملا، هو ابن أحياء شبرا الشعبية الذي أصقل موهبته بنفسه، مدركا اليوم أن هناك من كانوا معه في الحي أو المدرسة وتغيرت بهم الحال وصار منهم من يقضي عقوبة في السجن أو منهم من يتعاطى المخدرات، لذا إذا ما سألته عن حلمه في مجال الفن، سيجيبك بابتسامة خجلة لكنها صادقة :»نفسي نعمل حفلة في مصلحة السجون، لماذا يحرم المساجين من أن نقدم لهم وجبة فنية في محبسهم علها ترفه عنهم؟ أو نقيم ورشة فنية داخل السجن أو مع أطفال الأحداث، هناك بلا شك أصحاب المواهب داخل السجون والاهتمام بهم سيغير مساراتهم تماما بعد خروجهم من محبسهم». لا يمكن إنهاء هذا الحديث دون الالتفات لدور ساقية الصاوي الذي طالما أشدنا به منذ بداياته لكنه مثل العديد من الأشياء التي تبدأ بقوة وعنفوان ولا يتم المحافظة عليها أو تطويرها، والحديث هنا عن معضلة الصوتيات في مسارح الساقية، والتي يمكنها أن تعصف بأي حفل موسيقي إذا لم يكن هناك مهندسي صوت وفنيين صوت على مستوى عال، فتعكر أصوات غليظة صفو الموسيقى، أو يعلو صوت الموسيقى ليطغي على الكلمات. يحدث هذا بلا تمييز بين فرقة شابة مثل أوسكاريزما أو أخرى أكثر شهرة مثل المصريين، أو مع كبار النجوم مثل علي الحجار وغيره، وهي مشكلات يسهل ايجاد الحلول لها في ظل الاقبال الشبابي الضخم لحفلات الساقية.