البابا تواضروس يتلقى تقريرا عن الخدمة في إيبارشية اليونان    صعود جماعى لمؤشرات البورصة بجلسة الأحد بتداولات 4.3 مليار جنيه    انقطاع المياه غدا عن بعض قرى مركز الواسطى ببنى سويف    نائب رئيس جامعة عين شمس تستقبل وفدا من إكستر البريطانية لبحث سبل التعاون    الطيران الحربى الإسرائيلى يواصل شن غاراته المعادية على قرى وبلدات جنوبى لبنان    أمين "حماة الوطن": موقف مصر تجاة القضايا العربية ثابت وراسخ ولا يتغير    ارتفاع حصيلة الشهداء فى قطاع غزة إلى 41.595 منذ بدء العدوان الإسرائيلى    جوميز ومعاونوه يغادرون القاهرة بعد تتويج الزمالك بالسوبر الأفريقي    محمد صلاح ينضم لمعسكر منتخب مصر 7 أكتوبر استعدادا لمباراتي موريتانيا    تقرير بريطاني: صندوق الاستثمار السعودي يجهز عرضا فلكيا لضم صلاح    الحبس 6 أشهر وغرامة 50 ألف لصديقين بتهمة تعاطى المخدرات فى بنى سويف    غدا.. طقس حار واضطراب الملاحة بالبحر المتوسط والعظمى بالقاهرة 32 درجة    قوافل للأحوال المدنية لتسهيل الحصول على الخدمات الشرطية بالمحافظات    عرض فيلم "آخر المعجزات" للمخرج عبد الوهاب شوقي في افتتاح مهرجان الجونة    أفلام وثائقية طويلة تتسابق على جوائز مهرجان الجونة السينمائى    عادل السنهوري ل شريف مدكور: عبقرية سيد درويش أن ألحانه تعيش منذ 100 عام    زيارة مفاجئة.. "الطب الوقائى" يتفقد إداراتى بلقاس وجمصة    اليوم العالمي للقلب 2024 .. إطلاق حملة من أجل صحة القلب والأوعية الدموية    انتخابات اللجان الأربعاء.. ننشر تفاصيل أولى جلسات دور الانعقاد الخامس لمجلس النواب    "التضامن للتمويل الأصغر" توقع عقدًا مع البنك الزراعي ب 100 مليون جنيه    إسناد ملف المتطوعين للتحالف الوطني بالمنتدى الحضري يكشف محورية دوره    «تورم وإشاعة جديدة».. تطورات إصابة محمد هاني وموقفه من تدريبات الأهلي (خاص)    الرقابة المالية تنتهي من برنامج لتطوير قدرات كوادر أردنية    الإسكان: بدء طرح كراسات شروط حجز 1645 وحدة ب8 مدن جديدة    وكيل تعليم دمياط يتفقد سير اليوم الدراسي في إدارة الزرقا    مصرع مسن في حادث سير بسوهاج    متفوقة علميًا وطيبة السمعة، الإدارية العليا تلغي استبعاد فتاة من وظيفة قضائية    دستور المواطن المرفوض    إعلام إسرائيلى: السلطات اللبنانية تنتشل جثمان حسن نصر الله من تحت الدمار    انطلاق فعاليات مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية وملتقى "أفلام المحاولة" بقصر السينما وفعاليات مكثفة بمبادرة "بداية"    بعد واقعة اكتشاف سحر مؤمن زكريا داخل المقابر.. ما رأي الدين في السحر والسحرة؟    بعد أحداث لبنان.. المصريين الأحرار: مصر داعية دومًا لسلام واستقرار المنطقة    ميقاتي: يجب وقف إطلاق النار على جميع الجبهات ومن ضمنها غزة حتى نتمكن من تطبيق القرار 1701    هل اقترب موعد العمل العسكري؟.. تصريح قوي من وزير الخارجية بشأن سد النهضة    مصرع مواطن صدمته سيارة أثناء عبوره الطريق في منشأة عبد الله بالفيوم    الرئيس السيسي: ندير أمورنا بشكل يحفظ أمن واستقرار بلادنا والمنطقة    4 أطعمة تقلل من الإصابة بسرطان الأمعاء    بعد أحداث السوبر الأفريقي.. الأهلي يوقع عقوبة مغلظة على إمام عاشور    أخبار الأهلي: جهات التحقيق تدخلت.. شوبير يكشف تطورات جديدة بشأن سحر مؤمن زكريا    خلال شهر سبتمبر.. تحرير 72 محضرا خلال حملات تموينية وبيطرية بالغربية    تحرير 1675 مخالفة للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني    الأول من أكتوبر.. عرض حصري لمسلسل أزمة منتصف العمر على mbc مصر    موعد مباراة ديربي مدريد بين الريال و أتلتيكو في الدوري الإسباني    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    الإحصاء: 266 ألف حالة طلاق في 2023    إصابة 14 شخصا في انقلاب ميكروباص أمام مدخل الجبلاو بقنا    طارق سامي حكما لمباراة أوكرانيا وفنزويلا فى ربع نهائي مونديال الصالات.. اليوم    إعادة تشغيل صيدلية عيادة السلام بالتأمين الصحى فى بنى سويف    توزيع 1000 شنطة سلع غذائية على الأسر الأولى بالرعاية في كفر الشيخ    "الجارديان" تسلط الضوء على تحذير لافروف للغرب ألا يتورطوا في حرب مع "قوة نووية"    اللواء هاني أبو المكارم: تخريج 48 طالبا فلسطينيا ضمن دفعة 2024 بنسبة نجاح 99.1%    الصحة تنظم برنامجا تأهيليا لأطباء الصدرية بالتعاون مع الجمعية المصرية للشعب الهوائية    إجابات علي جمعة على أسئلة الأطفال الصعبة.. «فين ربنا؟»    "أكسيوس": إسرائيل تطلب من الولايات المتحدة ردع إيران بعد اغتيال زعيم حزب الله    مصر تسترد قطعا أثرية من أمريكا    خبير يكشف عن السبب الحقيقي لانتشار تطبيقات المراهنات    داعية إسلامي يضع حلًا دينيًا للتعامل مع ارتفاع الأسعار (فيديو)    المنيا تحتفل باليوم العالمي للسياحة تحت شعار «السياحة والسلام»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعض من ذكرياتى
رفعت السعيد
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 04 - 2015


فيلم«حب في الزنزانة» يحكي قصة حبه لزوجته فى السجن!
وضع الطبنجة أمامى على مائدة الحوار فتباينت مشاعر لطفى الخولى ومحمد سيد أحمد وفهمى هويدى ومحمد عمارة توفيق الحكيم خبط إبراهيم الوردانى بعصاه من أجل رفعت السعيد! كامل بك الشناوى كتب قصيدة«ياترسملونا ياتبلشفونا» محبة لصلاح حافظ وتنظيم حدتو! عبدالناصر سأل كامل الشناوى عن آخر نكتة!
أقام رفعت مع عادل حسين فى بنسيون فريال قبل أن ينضم عادل الى مجموعة أبو جهاد التى قادت التحول من الماركسية إلى الإسلاموية!
أعتقد الناس فى المنصورة أنه طفل«مبروك» يملس على أياديهم ويدعك ركبهم فيشفوا !
دوافع من محل عيزرا دويك اليهودي في المنصورة من الإخوان وأنصار مصر الفتاة!
«فرحان ملازم آدم» هى روايته التى لم يكتب عليها اسمه!
«زغلول» كان إسم حركى لعبدالناصر يحدثه به خالد محيى الدين فى التليفون!
(دنيا أو يلا منجا)
هكذا قالت السيدة النوبية الطيبة البدينة- بحرقة وزرزرة-لابنها الشيوعي المسجون ضمن معتقلي (حدتو)أو التنظيم الديمقراطي للتحررالوطني،حين جاءت لتزوره عام 1958،فسألها: (إيه أخبار الدنيا يامه)، وكانت إجابتها: (دنيا أو يلا منجا)، ولمَا استفسر منه رفعت السعيد –الذي جمعته أواصر محبة بأعضاء التنظيم من النوبيين ..زكي مراد وعبده دهب وغيرهم-عن معني الكلمة أجابه: (يعني الدنيا واقفة علي طرطوفة إصبع قدمها الكبير).
وربما كانت تلك اللقطة وصفاً دقيقاً لحال البلد كما عاشه جيل الدكتور رفعت السعيد،لا بل وكما عاشته أجيال تلته ورافقت مسيرته.
شالته الدنيا التي هي أو يلا منجا وحطته في معتقلات وأحزاب وحركات يسارية دولية ومظاهرات وصحافة،وكأنها – فعلا- من فرط التوتر والاضطراب،تقف علي طرطوفة إصبع قدمها الكبير.
وأول مابدر الي ذهني حين استمعت الي تلك الحكاية من الدكتور رفعت يعكس طبيعته الساخرة التهكمية منه رغم كل مامر به من أهوال حتي أن الوصف الأقرب له بالانجليزية Cynical، وهو نفس ما أطلقته علي تصرف عجيب قام به أمامي في مشهد لاينسي.
إذا كنت مديراً لمكتب جريدة الحياة الدولية في القاهرة ومديراً لتحريرمجلة الوسط الصادرة عن نفس المؤسسة(1989 -1995)،وكنت معجباً ومازلت بالأستاذ مكرم محمد أحمد،ولفتني قيامه بإحياء شكل الندوة الصحفية،الذي كان مات تقريباً في ساحة المهنة حين نجح في توظيف ذلك لخدمة مشروعه الصحفي في مجلة(المصور) سواء فيما يتعلق بمواجهة التطرف والإرهاب،أو ترشيد النظام والمجتمع لخدمة هدفي الديمقراطية والتنمية.
ومن ثم فقد رحت – متأثراً بتجربة مكرم- أكرر استخدام ذلك القالب في جريدة الحياة،حول ملفي(الإرهاب)و(الديمقراطية)كذلك،وكان د.رفعت السعيد أحد ضيوفي الدائمين في تلك الندوات،وفي إحداها,وبعد أن تحلق المدعوين من مفكرين وكتَاب حول مائدة الحوار،فوجئت برفعت السعيد- وقبل أن يجلس – يخرج طبنجة ويضعها علي المائدة،ووسط ذهول لطفي الخولي ومحمد سيد أحمد،وانزعاج وتوقع فهمي هويدي ومحمد عمارة،إضطررت الي سؤاله: (إيه الحكاية يا دكتور رفعت؟!)،فأجاب متهكماً ساخراً- كعادته- (مانتو عارفين أصلهم هددوني بالقتل) ثم نظر ناحية فهمي هويدي ومحمد عمارة.
والحكاية كما رواها لي- بعد ذلك- أن الرئيس الأسبق مبارك علم من أجهزته أن هناك نية عند بعض الإسلامويين المتطرفين لقتل رفعت وفرج فودة،فكلف وزير الداخلية- وقتها- اللواء عبد الحليم موسي باستدعائهما وتنبيههما،واتخاذ الإجراءات اللازمة،وكان إن اجتمع الوزير بهما وأخبرهما بأنه سيعين حراسة عليهما،فوافق فرج فودة ورفض رفعت الذي لايطيق-لتجارب سجنه المتعددة- أن يكون تحت رقابة أو- حتي- تحت رعاية حارس أو مخبر..كما زف عبد الحليم موسي إليهما خبر أنه سيعطي كل منهما مسدساً من المصادرات إلي حين شرائه طبنجة أخري ليست «ميري» وعلي مزاجه أو ذوقه!
والمدهش أن فرج فودة الذي تقبَل الحراسة تم إغتياله،أمَا رفعت الذي رفضها فقد خرج من تلك المؤامرة علي سلامته حياً يرزق يسير في الشارع وفي حضرة طبنجته،وهي التي شرفنا بوضعها علي منضدة الحوار فيما لم يتوقف عن التحديج والنظر الي فهمي هويدي ومحمد عمارة..
أنست للدكتور رفعت السعيد وكنت دائماً أحترم كل ما يطرحه من آراء ورؤي، وصار مقصداً وطنياً وانسانياً ألتجأ إليه في كل حواراتي الصحفية والتليفزيونية،وبما لفت أنظار الكثيرين..لابل وكانت واحدة من أولي سخافات الإخوان معي بعد عملية يناير 2011 هي التساؤل الذي لاحقني به بعض أعضاء تلك الجماعة عن سبب استضافتي للدكتور رفعت السعيد 27 مرة خلال السنوات الست التي قدمت فيها برنامجي التليفزيوني»حالة حوار»..وقد ظننت في البداية أن ذلك السؤال الذي كان يلقيه شباب من الإخوان ألتقيهم في أي واحدة من الساحات أو المناسبات العامة هو مجرد نزوع فردي نحو السماجة أو رغبة في الإستقواء الشخصي علي من ناصبهم العداء- زمن ماقبل التمكين- ضد إرادة معظم أجهزة الدولة التي «والست»معهم، إلا أن الأمر تكرر ومن عدد كبير، وفي مواقف مختلفة، وبنفس النص، وبذكر ذات العدد (27) ففهمت أن التكرار يعكس توجيهاً قد صدر من قياداتهم أو تعليمة تم تمريرها لعناصر ذلك التنظيم الذين يتسمون فوق ارتباطهم بالإرهاب، بثقل الظل كذلك!
ولا أذكر أنني التقيت بالدكتور رفعت أو جلست إليه إلا وكانت السياسة ثالثنا ماعدا مرات معدودات ..واحدة منها حين إلتقينا في بورتو مارينا بالساحل الشمالي منذ خمس سنوات وكان يلبس شورت وصندل، ولمَا غادرني،نظرت الي زوجتي باندهاش- يصل إلي درجة الإحساس بالصدمة- وقلت: هذا لقاء تاريخي مع الدكتور رفعت،فلما سألتني:(لماذا؟)، أجبتها لأنني لم أتحدث مع الدكتور رفعت في السياسة، ولأنني قابلته وسط البحر والشماسي، وأخيرا لأنني لقيته وهو يلبس (شورت)!!
وربما استطعت أن أقتنص- بعد ذلك- بعض أحاديث متناثرة مع الرجل عن أمور لاتدخل مباشرة في ساحة السياسة، وإن ظلت ذات صلة..منها- مثلا- ماحكاه لي- ذات مرة- عن زواجه رفيقة عمره (ليلي) التي إرتبط بها وهما هاربين من مطاردات الشرطة ، ثم تراسلا وهما مسجونين عن طريق كبير أطباء منطقة القناطر (د.صادق)، وأحيانا عن طريق عامل المجاري (الوحيد الذي كان التنقل متاحا له بين السجون لتسليك البالوعات).
وهي- كما تلاحظون- قصة فيلم (حب في الزنزانة) الذي كان بطلاه عادل إمام وسعاد حسني،وقال د.رفعت أنه حكي لعادل إمام حكايته فتحمس لها كيما تصير فيلماً.
الدكتور رفعت السعيد- كذلك- كان صاحب رواية صارت فيلماً آخر،وإن لم يُطبع إسمه عليه، وهو- كما أخبرني مرة في جلسة بنادي الجزيرة- فيلم: (فرحان ملازم آدم)، وقال لي رفعت السعيد: «هذا الفيلم هو روايتي (السكن في الأدوار العليا) وقد إشتراها مني المنتج حسين القللا،ودارت بيننا مناقشة طريفة حول الأجر، فقال لي أنه يدفع لنجيب محفوظ 15 ألف جنيه في القصة،ثم سألني عن المبلغ الذي أراه لقصتي فقلت له:عشرة آلاف،فعاود- دهشا- الحديث قائلاً: ولكنني تصورت أنك ستقول لي (أريد مثل نجيب محفوظ)فقلت له:(أكون أهبل لو قلت ذلك)!!
وقال رفعت: «علي أي حال كتبنا عقدا لخمس سنوات،وجلست والمخرج حسين كمال الذي كان مجنوناً مفتوناًببعض مشاهد الرواية مثل إحتضان البطلة(لوزه)للبطل وتداخل أقدامها قائلاً: (ياخرابي عليك دا حتة مشهد)!
والحقيقة أنني لم أك متحمساً لظهور العمل لأن حسين القللا أخبرني أنه تعاقد معي بسرعة كي يقطع الطريق علي صلاح أبوسيف الذي كان يريد ذلك الفيلم،ولمَا كان صلاح صديقاً لي فقد شعرت بحرج شديد لو ظهر الفيلم بمخرج آخر»..
و«بعد فترة طويلة جداً» أضاف د.رفعت السعيد: «شاهدت فيلم (فرحان ملازم آدم)علي شاشة التليفزيون،ودهشت ووجدت نفسي أهتف: (الحكاية دي أنا عارفها)،وهي روايتي بنصها وفصها حتي بما فيها أغواء(لوزة)- التي كان لها اسم آخر في الفيلم- للمخبر بأن يخلع ملابسه،ثم بعد أن بات عارياً ألقت بالهدوم بعيداً ورقعت بالصوت،لتبدأ فصول فضيحة مصرية من النوع الذي يصير فضاء تقليدياًيمارس فيه الشعب المصري ظرفه وخفة دمه،فيقوم كل عابر سبيل بصفع المفضوح زوجاً من الأقلام دون أية معرفة،أو- حتي- دراية بمعلومات أولية جداً عن الفضيحة محل الكلام»!!
......................................
ما من مرة رأيت فيها الدكتور رفعت السعيد في الأهرام أو خارجه،إلاَ وكان يسعي مهرولاً،أو يمد الخطي مسرعاً،حتي إنني تخيلت أن السبب في ذلك هو الفترات الطويلة التي قضاها في السجون وضاعت من عمره، ومن ثم فقد أراد في فواصل حريته أن يعوضها بالإسراع، لا بل ورأيته- دائماً- مترفعاً علي كل الظواهر المرضية التي يغرق فيها المثقفون والصحفيون والكتاب، وبالذات تلك الغيرة النسائية التي تتلبس كل منهم تجاه الآخر، ووقر يقين في نفسي أن الرجل قرر ألا يتعثر في مثل تلك الصغائر حتي لايضيع وقتاً بما يمنعه- كذلك- من المضي مسرعاً.
........................................
رجل جاد، عانق قضيته، لا تفوته ولا يتركها لحظة، ومن ثم فإنه يقدم اسهاماً يتواصل علي مدار الساعة تقريباً في عدد من الملفات يقف علي رأسها مايتعلق بالحرب ضد الإرهاب والتطرف وماأسماه (التأسلم)!
وأكرر فقد استطعت أن أقتنص منه بعض حكايات ليست في مقام النضال الوطني (ربما كانت مثل حكاية الشورت في بورتومارينا)..وضمنها ما يرتبط بعلاقته والشاعر الكبير كامل الشناوي، إذ عاش د.رفعت السعيد- في الأيام التي غادر فيها الأستاذ خالد محيي الدين رئاسة مؤسسة الأخبار- أوقاتاً ليست سمينة وترافق فيها والأستاذ سامي جوهر، أحد كبار المهنيين المقتدرين، وكان الأستاذ موسي صبري يعتز بسامي كثيراً ويثمنه حق التثمين، وقد رأيت الأستاذ موسي صبري مرجعية مهنية حقيقية، ورجلا لم يتربح أو يتكسب مليماًواحداً لايستحقه، وصحفياً مسكوناً بهاجس الخبر الذي هو عماد الصحافة الحديثة وليست «الهلضمة» التي يعاني منها «المقاليست» والكتَاب من رؤساء الصحف ويقتصرون علي أداء وظائف الرأي دون وظائف الخبر..وكان الأستاذ موسي صبري- كذلك- يعرف كيف يزن رجاله ومعاونيه ومن أكبرهم كان سامي جوهر واحداً من سادة الخبر وتحقيقات الحوادث والقضايا، وقد أسند إليه جلال بك الحمامصي- الذي كان أستاذي في مادة التحرير الصحفي ومواد المعمل ورئيس تحرير صحيفة (صوت الجامعة)- مهمة أن يكون أحد نوابه في تلك الجريدة مع صلاح قبضايا ومحمد عبد الحميد، فكانوا الفريق الذي دربنا.
وفي حميمية وتعاطف(وأحيانا إشفاق)كان سامي جوهر صديقاً لرفعت السعيد الذي عاني اضطهاد محمد حسنين هيكل حين بات رئيساً لدار أخبار اليوم بالإضافة للأهرام قبل هزيمة 1967(وهما مؤسستين متنافستين) في سابقة مدهشة!
وكان الشابان يذهبان لإلتهام أرغفة الحواوشي عند أول بائع اخترعها وأكثرهم اتقانا لصناعتها في محله الكائن بسوق التوفيقية.
الح سامي جوهر علي رفعت السعيد في أن يذهب معه للسهر والعشاء في منزل الموسيقار فريد الأطرش والذي كان- بأخلاق أحد أمراء الدروز- يفتح منزله للأصدقاء والأحباب ليجلسوا ويأكلوا ويشربوا- حتي- لوكان غير موجود..ولكن رفعت لم يحب التنطع واستغلال كرم فريد،ولم يوافق علي الذهاب الي منزله أبداً معتذراً لسامي، وهنا قاده الصحفي العتيد الي منصة سهر أكثر إثارة، وهي تجمع كامل بك الشناوي في (نايت آند داي) بفندق سميراميس القديم أو (إبيس كافيه) في فندق النيل هيلتون الذي بات الآن ريتزكارلتون.
وهناك دخل الدكتور رفعت عالم كامل الشناوي،الذي كان يخاف النوم الي حد مرضي،فيظل سهراناً حتي تطفيء الحكومة أعمدة النور في الشوارع!!..ومع كامل بك لابد من ونس حتي يحلو السهر وتمتد حبال الصياعة البكواتي بين أحسن محل نيفة في النحاسين إلي أحسن محل طعمية في السيدة زينب.
أحب د.رفعت،ذلك الرائع الحزين الضاحك،وقد حكي لي عنه- في مكتبه بحزب التجمع في شارع كريم الدولة الي جوار ميدان طلعت حرب- وقال أنه كان مرتبطا بعلاقة وثيقة بالأستاذ صلاح حافظ رئيس تحرير روز اليوسف الأسبق.
وكان صلاح حافظ هو أحد الأعضاء النشطين في حدتو، ومن ثم أحد أبرز الوجوه التي تزور السجن وتقيم!، وكان يصدر مجلة(إنتصار)المعبرة عن التنظيم، وتعوَد كامل بك الشناوي أن يخصه بقصيدة من وقت الي آخرومنها تلك التي قال فيها مخاطباً النظام: (ياترسملونا..ياتبلشفونا..ملعون أبوكو..علي أبونا)!!
وقال لي د.رفعت السعيد عن كامل الشناوي أنه كان أحسن مخترع ومؤلف نكت عن جمال عبد الناصر، وذات إجتماع بين الصحفيين ورؤساء التحرير مع الزعيم، بادر الرئيس عبد الناصر الحضور بالسؤال: (فين كامل الشناوي؟)، ولمَا رفع يده معلناً حضوره، قال له: (إيه آخر نكته ياكامل بك؟)، فلم يرد، وكرر عبد الناصر السؤال فقال كامل الشناوي: (أعطيني منديل الأمان ياريس) فأعطاه منديله فعلاً، وحينها قال كامل: (عبد الناصر ألغي مساحات السيارات لإنها بتقول: لا).
وهنا قال عبد الناصر:( دي آخر نكتة ياكامل بك؟)، فأجاب كامل: (أيوه ياريس)، وعاد عبد الناصر ليقول:( دي آخر نكته؟)، وفهم كامل الشناوي فقال: (حاضر يافندم)..
وعن كامل الشناوي يقول د.رفعت السعيد، أنه حاول إستغلال تباسط عبد الناصر معه، وطلب منه الإفراج عن صلاح حافظ، ووافق الرئيس بعد إلحاح كامل، وفي إجتماع آخر راح كامل بك يكرر علي الرئيس طلبه في الإفراج عن صلاح فقال له: (إن صلاح أُفرج عنه)ولكن كامل نفي ذلك الإفراج،فشخط فيه عبد الناصر (بأقولك خرج)، وبعدها فوجئ المعتقلون في السجن ببرقية وصلت إلي صلاح حافظ من كامل بك تقول: ( ياابن ال.....مش كنت تقوللي إنك خرجت بدل ماتخليني أدوش الريس كل شوية وأقوله يفرج عنك؟!)
................................
وفي مناسبات عديدة حكي لي الدكتور رفعت السعيد عن الفنانين والأدباء ما أقتطف منه هنا:
«تعرفت علي توفيق الحكيم في الأهرام وكنت أراقبه من بعيد..إذ كان مكتبه في برج الدور السادس، وكانت مجلة (الطليعة) التي عملت بها بالأهرام في ذات الطابق، وأحياناً كنت أخف للسلام عليه فيرد في إقتضاب وغمغمة».
وأضاف:»ووقع صدام بيني و الأديب إبراهيم الورداني، وهو- في اعتقادي- شخصية (نصف موهوبة أو ميديوكر) حين كتب عني مقالاً سخيفاً في عموده (صواريخ) بجريدة الجمهورية، وبادلته الهجوم في الطليعة، وراح يكتب عني أني جاهل وجهول وحصلت علي الدكتوراه في السباكة، وعدت الي مهاجمته في الطليعة، وفوجئت يوماً بإتصال من المنتج الشهير (الذي لم أك أعرفه شخصياً) رمسيس نجيب، وقال لي: إنتظر في مكتبك وسأرسل إليك مظروفاً، ووصلني ذلك المظروف، فلمَا فتحته وجدت فيه معلومات مشينة عن الورداني سواء مايتعلق بعلاقته بالدين أو بأمَه، وكتبت أن أوراقاً خطيرة عن الورداني في حوزتي، ولكنني لن أستخدمها..إذ في الصراع السياسي لاينبغي أن نعمد للضرب تحت الحزام، فلجأ الورداني إلي توفيق الحكيم، وقد هاتفني قائلاً: (تعال ياوله..أنا في المكتب)، ولمَا ذهبت وجدت عنده شخص لاأعرفه، وسألني: (تعرفه ده؟!) وقلت:لا..، فقال: (ده إبراهيم الورداني ياسيدي اللي عمَال تشتم فيه وتقلَوا أدبكو إنتو الإتنين)..وحاججته: (ياتوفيق بك أنا لم أخرج من حدود المألوف والأدب ولكنه الذي خرج)..وهنا قال الورداني: (ياتوفيق بك الفارق بيني ورفعت السعيد أنه مازال يقرأ أمَا أنا فتجاوزت مرحلة القراءة وأكتب فقط!)، وهنا خبطه الحكيم بعصاه وشخط فيه:(آه ياجاهل).
وقد ظلَت تلك الحكاية معلقة حتي 1972 حين نُشر كتاب (رجل من طراز فريد) عن هنري كورييل مؤسس الشيوعية في مصر، فكتب الورداني عموداً يقول: (أعتذر لرفعت السعيد الذي عرفت- من ذلك الكتاب- أنه كان مناضلاً دخل السجن في سن الخامسة عشر).
..................................
والحقيقة أن ذكر رفعت السعيد للورداني قذف في دماغي بحكاية رواها لي محمد حسنين هيكل عن تكليف الأستاذ محمد التابعي له بتطوير «آخر ساعة» قبل أن يسافر إلي أجازته السنوية الصيفية في سويسرا، ومن ثم راح هيكل يُعد لتطوير ضخم يشمل طباعة المجلة بالروتوغرفوار، وبأربعة ألوان، وجاء بإبراهيم الورداني كسكرتير تحرير، وفي نهاية العمل وقبل عودة التابعي بأيام قليلة، كان هيكل قد هلك، فطلب من الورداني أن يكتب إفتتاحية عدد التطوير وهو ماكان يقع تقليدياً تحت عنوان (عزيزي القاريء) في آخر ساعة،وحين دخل التابعي بعد عودته من الأجازة إلي مكتبه كان أول من سأل عنه هو هيكل، الذي جاء إليه مسرعاً فسأله بإمتعاض: (إنت قريت العدد؟) وقال له هيكل: (أيوه يا أستاذ تابعي) فعاد ليطلب منه:(طيب إقرا الافتتاحية)، فقرأ هيكل متمتماً في البداية ثم صعقاً بعد ذلك، ونظر إلي التابعي خجلاً يتصبب عرقاً، فقد كتب الورداني- بفساد ذوق حقيقي-..(أيها القاريء ماذا تظن؟..إننا نعطيك عصير أمخاخنا في أقداح من جماجمنا).
هكذا تحدث الورداني عن تطوير آخر ساعة وتسبب- بغلاظة- في إحراج هيكل بنحو مغرق..كما أذكر في هذا السياق أن المطربة وردة طلبت من يوسف السباعي (الذي كان رئيساً لمجلس إدارة الأهرام، وزميلاً قديماً للورداني في إحدي المطبوعات) أن يمنع الورداني من مديحها،لأنه كلمَا أراد تقريظها قال شيئاً قبيحاً جداً..وقد كتب- مرة- (إن وردة هي بقرة حلوب تدر علينا أجمل الألحان والأغاني)!!
.......................................
ونعود إلي حكايات د.رفعت السعيد عن توفيق الحكيم، وفيها يحكي عن تمشياته اليومية من بيته في حي مصرالقديمة الرائع (منيل الروضة) إلي جريدة الأهرام، والتي كان يلتقي فيها علي الكورنيش- أحيانا- توفيق الحكيم يسير إلي نفس المقصد، وذات مرة بادره رفعت:(صباح الخير ياتوفيق بك)، فنهره الحكيم: (إنت ح تصاحبني ياوله؟..أنا ماشي بأكتب في دماغي..لمَاتلاقيني كلمتك رد عليَه)..وهكذا كان يفعل رفعت السعيد، فإذا سمح له الحكيم كان يتحدث ويؤانسه،وذات تمشية من هاتيك المشيات استأذن الدكتور رفعت من الحكيم عند المتحف المصري، قائلاً إنه سيذهب إلي ميدان التحرير لأن لديه موعد مع نجيب محفوظ في قهوة علي بابا، فإذا بتوفيق الحكيم يقول له: (آه..مانتو يساريين زي بعض)، ويخبرني رفعت السعيد : (أدهشني ملاحظة توفيق بك..حتي أنني ماإن جلست إلي الأستاذ نجيب في الطابق الثاني من مقهي علي بابا.. حتي سألته عن حكاية اليسار..فضحك مجيباً في قهقهة: (يسار..يسار..بس نعيش)!!
..................................
والدكتور رفعت السعيد هو أحد الطيور الباكرة في المدينة مثلي، وقد تعرفت بعدد كبير منهم لأنني أستيقظ في الخامسة صباحاً، وبعد أدائي للواجب المنزلي في قراءة الضروري من الصحف المعلوماتية- وبالذات الأجنبية- أو مشاهدة نشرات الأخبار، أشعر بحاجة للونس، وبما أن الحاجة هي أم الإختراع، فقد تعرفت من خلال تلك الحاجة إلي مجموعة من الأصدقاء من السياسيين والمفكرين الذين يستيقظون مبكراً كذلك وعلي رأسهم رفعت السعيد..وكثيراً ما تدور بيننا أحاديث تليفونية، من فرط طرافتها قلت له مرة: (أنا عاوز أعرف الراجل بتاع تسجيل التليفونات عشان آخد منه الشرايط وأفرغها وأنشر أعمالنا الكاملة)!.
وفي تلك المكالمات عرفت الكثير عن مايمكن تسميته (فنانين في السجن)، إذ حكي لي د.رفعت عن الأستاذ حسن فؤاد أحد نجوم روز اليوسف الرائعين،الذي كان ضمن رسامي السجن مع (زهدي والجريتلي) وقد رسموا علي مضارب التنس والجدران والأبواب رسوماً رائعة،وراح الجريتلي يحلم بأن يرسم النوبة قبل أن تغمرها مياه السد العالي، وكان حسن فؤاد جزءا من فرقة المسرح الذي أنشأناه في السجن، ولعب دور الإبن الأكبر لصاحب الفرن في مسرحية (عيلة الدوغري) لنعمان عاشور،كما مثلت فرقة السجن (الناس اللي تحت) لنفس المؤلف، وكثيراً ماكان د.رفعت يقابل حسن فؤاد يكلم نفسه، فلمَا تمعَن فيما يقول وجده يردد علي نفسه كلمات أحد الأدوار.
ويقول د.رفعت السعيد:»إن هواية حسن فؤاد هي إكتشاف النجوم وتبنيهم والإسهام في تشكيلهم ومنهم صنع الله إبراهيم الذي كان أول ماكتبه بعد خروجه من السجن هو رواية (تلك الرائحة) وكذلك تبني حسن فؤاد الأستاذ كمال القلش من الجمهورية والأستاذ محمد قناوي من روز اليوسف»
وفي السجن حمل د.رفعت السعيد لقب (الترجمان) لأنه تعلم الانجليزية بنفسه أثناء وجوده خلف القضبان، وهي عملية صعبة إقتضت منه أن يطلب من حبيبته ليلي (عبر مراسلات من سجن إلي سجن) وفي تأسيس لثقافة الحب في زنزانة، كتاب باللغة الإنجليزية وترجمته باللغة العربية ، وكان رفعت يتعلم عن طريق مضاهاة النصين، ثم بدأ الرجل يترجم لوحده، ويكتب ما ترجمه علي مايشبه ورق البفرة ثم يتحايل لتوصيله إلي حبيبته في دائرة واسعة من تجنيد عمال السجن وموظفيه، وكان واحداًمن الروائع التي ترجمها كتاب إسمه(Focus-on-Indo-China) عن لاوس وكمبوديا وفيتنام، وهو مانشره- بعد ذلك- تحت عنوان (أضواء علي الهند الصينية).
وضمن رفقاء السجن من الفنانين كان سعد كامل(الذي تولَي- عقب الإفراج- أمر الثقافة الجماهيرية)ثم عمل بعد ذلك في الأخبار،وذات مرة دعا رفعت للذهاب معه إلي المنصورة وحضور أحد المهرجانات الشعبية التي أُقيمت بمناسبة ترشيح عبد الناصر لرئاسة الجمهورية عام 1964،وهي الإنتخابات التي حصل فيها علي (99,999%)..وتقابل الرفيقان أمام قهوة علي بابا في التحرير،وكان سعد كامل قد اصطحب معه صلاح جاهين،الذي ما أن رأي رفعت السعيد (لم يك يعرفه) يحمل أقلاماً وأوراقاً كثيرة لزوم التغطية (من وجهة نظر رفعت) حتي قال: (يامستجد..دانت خيبتك مش علي حد)، فغضب رفعت وتزرزر حتي صالحه صلاح، وعبره دخل د.رفعت إلي عالم صلاح السقا في مسرح العرائس، وسيد مكاوي الذي كان يلتقيه في منزل الفنان الرسام عبد المنعم القصاص (زوج الأستاذه أمينه شفيق) في 9 شارع معروف.
اكتملت دائرة معارف السجن من الفنانين والأدباء بالشاعر العملاق فؤاد حداد،الذي حكي لي رفعت السعيد عنه أنه كان يحول كل شيء إلي شعر فيتكلم عن توزيع الغرف قائلاً: (مسئول السكن في عصر المكن)، أو يصف أحد الاجتماعات قائلاً: (فؤاد حداد القاسي..كسر سبع كراسي)، وحين أراد رفعت تعيينه في الأخبار، أعطي للأستاذ خالد محيي الدين نموذجاًمن شعره هو: (وأنا ملك في انا ملك كستبان) فقال خالد:»يعني إيه؟»، فاضطر رفعت أن يأتي بنموذج آخر أكثر وضوحاً من شعر فؤاد حداد وهو(سكران وباشرب في كوبي من خمر الفلاح الكوبي) فعينه خالد علي الفور!!
وامتدت تأثيرات رفعت الفنية حين إجتذب بعض الفنانين من تيار اليسار،وشغلهم في مسارح الدولة مثل أحمد عقل الذي كان مدرساً في المرحلة الابتدائية بالمنصورة،وعينه رفعت- في البداية- مع صلاح السقا، ثم شق طريقه إلي مسرح الطليعة ليقدم بعض أجمل أدواره.
ولكن أيام السجن لم تك لذيذة يمارس فيها النزلاء الفن ويقرضون الشعر، ويمثلون في المسرح، وإنما كان الأمر يحتاج إلي كثير من التحايل ليستطيع أحد السجناء ممارسة مثل تلك النشاطات، وكان الهروب حتي من غيرة الزملاء وكلمة (إشمعني) مادفع رفعت إلي قبول أسوأ أنواع الخدمات (الترنشات) حتي يتركه زملاؤه لحاله، ينتبذ ركناً قصياً ويُعلم نفسه الإنجليزية!.
................................
وفي حوار لي مع الأستاذ خالد محيي الدين (الذي كنت أحبه كثيراً) في ديسمبر 1986 وفي منزله بالزمالك، قلت له: «ضمن عمليات النشر والإذاعة التي رافقت وترافق التشققات والإنهيارات في جسم الكتلة السوفيتية، أذاعت ألمانيا الشرقية معلومة معينة نقلتها بعدها نشرة (أنباء موسكو) تفيد أن د.رفعت السعيد الأمين العام المساعد لحزبكم كان يتقاضي أموالاً من الحزب الشيوعي السوفيتي..هل حققت تلك المعلومة، وماذا كان تصرفك إزاءها؟»
وأجابني خالد:«لم تذكر تلك الأنباء اسم رفعت السعيد أبداً، ولكنها قالت بالنص: (ر.س عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي المصري)..وبالتالي لا أستطيع إعتماد جدية ذلك الكلام ،إذا لم يذكر أي من تلك التقارير الصحفية اسم الدكتور رفعت السعيد، ولكن فقط: (ر.س)، وربما كانوا يقصدون رجلاً اسمه رفيق سعيد مثلاً»..
فعاودته:«وهل عندكم قيادة اسمها رفيق سعيد في الحزب الشيوعي؟»
وأجابني:»التقارير قالت:الحزب الشيوعي، وأنا لا أعرف أعضاءه، لابل أن هناك من أعضاء التجمع من اتهمتهم جهات أمنيه بأنهم أعضاء في الحزب الشيوعي، وذهبوا إلي المحكمة وحصلوا علي البراءة..فما هو الموضوع الذي أجري فيه تحقيقاً؟.. ثم أن عضواً واحداً بالحزب لم يطرح هذا الموضوع للنقاش أو التحقيق، فقد وجدوا أن المسألة ليس لها أساس».
وفي جلستي بنادي الجزيرة مع الدكتور رفعت السعيد التي أشرت إليها في متن هذا النص أكثر من مرة، عاودت سؤاله- بعد أكثر من ربع قرن- عن نفس الواقعة: فقال لي:»إن لها أساس وهو أن عبد الملك خليل مراسل الأهرام في موسكو كان يشعر بغيرة وضيق شديدين مني حين يري المعاملة فوق الفاخرة التي ألقاها في موسكو كوني أحد كوادر اليسار الدوليين الكبار،فألقي بتلك المعلومة وأومأ إلي أنها تخصني، وقد إعترف بذلك، بعدها بسنوات ..وليس ذلك فقط،ولكن آخرين وجهوا إتهاماً مشابهاً للأستاذ حسين عبد الرازق وثبت أن ذلك الإتهام كاذب علي الكلية والتفصيل». كنت أنظر إلي رفعت السعيد علي أنه مثل العفريت خفيف الدم الذي خرج من المصباح، لانعرف من أين جاء، أو ما الذي حبسه في القنديل،ولكنه- في كل حال- جاء..وذات مرة سألته في إحدي مكالماتي معه:»دكتور رفعت من أين جئت؟».. وبعد ضحكة مجلجلة وترديد لجملته التقليدية (والله إنت ح توديني في داهية) وجدته يسترسل في حكاية عجيبة:
«أيام محمد علي باشا كانت هناك ورشة واحدة في وجه بحري هي ورشة الخواجه ميردوخ، وكانت تقوم بإصلاح أي ماكينة تدور، وكلها- في النهاية- آلات بخارية بدائية، ووالد جدي كان أسطي في تلك الورشة التي كانت تطحن القمح، وبعدها يدور المنادون في أزقة البلد صائحين: (ياأهل البلد المكنة دارت) وذلك حتي يحصل كلُ علي نصيبه من الطحين ، وتفتق ذهن جدي الكبير عن تركيبه ماسوره يمر فيها دخان العادم أثناء الطحين،فتصدر صوتا يقول:(توت..توت)، وتصبح- بذلك- بدلاً من المنادي، وقد كافأه ميردوخ (وهو قطعاً غير روبرت ميردوخ أسطورة الصحافة والإعلام) بطربوش مليء بالجنيهات الذهبية، وزفه أهل البلد في موكب صاخب، وفتح جدي الكبير ورشه، وكانت لاتقسم مثل بعض تركات الإنجليز وفق قواعد نمطية مثل الأرض لا تُقسم.
وكانت أسرة أبي(محمد السعيد) تضم أخيه(سيد السعيد) وأختيه(نوحيده السعيد)و(سنيه السعيد)، ولمَا مات جدي ورث أبي الورشة، وحصل سيد علي وابور الطحين وأرض زراعية كبيرة خلفه، أمَا توحيدة وسنية فورثت كل منهما بيتاً..وكانت عائلتي معقدة في تركيبتها لأن عمي هو خالي في نفس الوقت، فالحاج السعيد تزوج من فتاه وأنجب منها أبي (محمد) وتوفيت، فتزوج من فتاه ثانية كان لديها بنتاً هي أمي، وزوجوا الإثنين لبعضهما فجئت أنا....» وصمت رفعت لبرهة ثم أطلق ضحكة مجلجلة وقال:» والباقي إنت عارفه بقي..علي أية حال فإن تلك التركيبة المعقدة هي التي جعلت الناس في المنصورة يعتقدون أنني (مبروك) ويطلبون مني التمليس علي أقدامهم ودعك ركبهم ليشفوا.
...............................
وأغادر- هنا- الكتابة عن رفعت السعيد..العفريت الشيوعي المبروك الذي راح الإخوان الإرهابيون يعدون ويحصون علينا مرات استضافتي التليفزيونية له، فقررت أن أزيد إلقاءهم في مفرمة الغيرة والغل بهذا المقال إضافة إلي كل تراثي المهني معه !!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.