لم يكن ل"سلمى" نصيب من الطفولة كبقية من فى عمرها بعدما غّيب القدر والدها ووالدتها وشقيقيها "أحمد ومايا".. بينما بقيت هى لا تعلم ما يخبئ لها الزمن وما ينتظرها من قدر بمفردها فى الحياة الموحشة بدون أسرتها.. فهل سيأتى من يسكب بحراً من الأمل ليغرق "سلمى" فرحاً وسعادة أملاً بأن تعود براءة طفولتها وأن تعود تلك البسمة التى غابت وتشرق من جديد على ملامحها؟، بعدما فقدت جميع أسرتها ونجت هى من الموت المحقق، لترحل أسرتها ورحل أيضا سرهم معهم. عاشت "هدى" (والدة سلمى) أجمل قصة حب عرفتها البشرية مع حبيب يحمل كل معانى الإنسانية، مع زوجها محمود بكر الشهير ب"حمدى" ذى ال45 عاما، الذى كان يعمل تاجرا فى مستحضرات التجميل بوسط القاهرة ، كما روت شقيقتها "هدى" وأكدت أن زوج شقيقتها قرر فجأة إنهاء حياة شقيقتها وطفليهما مايا (6 سنوات) والطفل الرضيع أحمد (11 شهرا) دون أى مقدمات أو أسباب رغم أن شقيقتها كانت زوجة ثانية ل"حمدى" إلا أن الحب والسعادة لم تفارقهما لحظة واحدة وكان يردد دائما لن يفرقنى عن هدى سوى الموت"، وكأنه قرر أن يتخلص من حياته ولم يأب أن يترك هدى التى أحبته بشدة وكانت من شدة حبها لزوجها لم تقل عن أبنائها كأى أم كلمة "أولادى" بل كانت دائما تتباهى وتقول "أولاد الحاج حمدى" من كثرة حبها له، حتى قرر حمدى فى لحظة لم يعلمها سوى الله أن يأخذ زوجته وأبناءه معه فى الآخرة، فأطلق الرصاص عليهم وهم نائمون ثم أطلق الرصاص على نفسه. وبحزن شديد وحيرة أشد حاولت شقيقة "هدى" وهى تروى تفاصيل ما حدث، أن تستوعب لماذا لقيت شقيقتها وأبناؤها حتفهم على يد أقرب الناس إليهم، والتى شهدت له بحسن الخلق والعِشرة، وأنهما كانا منذ أيام فى زيارة بيت الله الحرام فى"عمرة" وقبل ليلة الحادث كانت "هدى" فى زيارة والدتها وأشقائها وعادت إلى منزلها بصحبة زوجها وأبنائهما وهم فرحون ضاحكون تساءلت شقيقة المجنى عليها، حتى وإن ألمت بزوج شقيقتها ضائقة مالية فى تجارته مثلما ردد البعض أنه سبب الحادث أزمة مالية فكيف له أن يتخلص من زوجته وأبنائه ويطلق عليهم الرصاص ثم ينتحر ملفتة أن حياة شقيقتها كانت طبيعية جدا ولم تشعر بأى اضطراب فيها، ورغم أن شقيقتها زوجة ثانية حيث كان "حمدي" متزوجا قبل "هدى" من ابنة عمه إلا أنها أشادت بزوجة حمدى الأولى وقالت عنها إنها "ست طيبة للغاية"، وتم اكتشاف الجريمة عندما عادت "سلمى" الطفلة الناجية الوحيدة من تلك المذبحة بعدما ذهبت صباح يوم الحادث لمدرستها لأداء الامتحان، وعندما صعدت لشقتها فى مدينة الفسطاط بمصر القديمة، وطرقت الباب ولم يجبها أحد، فستعانت "سلمى" ببواب العمارة و نجار كى يتمكنوا من كسر باب الشقة ليجدوا الجثث الاربع على الارض. فمرت أيام وسنوات تلك الأسرة التى استمرت 8 سنوات كساعة من الفرح ومر العمر كله وكأنه رحلة جميلة إلى شاطئ جميل، حتى انتهت تلك الرحلة فى يوم من أيام الصيف الحارة على بحر من دماء هؤلاء الأبرياء وهم نائمون فى فراشهم، مثلما روت "أم على" جارة "هدى" والتى أشادت بحسن خلق المجنى عليها وحسن الجيرة والعِشرة لمدة 8 أعوام لم تر منها سوى كل خير، فإذا كان الوجع بعمر إنسان، فمن الظلم أن نقيس هذا الوجع بعمر "سلمى" ذات ال7 سنوات، التى عاشتها مع أسرتها التى رحلت عنها وتركتها فجأة وحيدة دون أى مقدمات أوحسابات، بل يقاس الوجع بالعمر الذى يعيشه الإنسان بعدما فقد أحبته وأهله حينها تكون ثقيلة هى الدقائق ومريرة هى الأيام التى تصبح بغيضة بالدموع التى لا تنسال على خدى "سلمى" وهى تردد: "كل أصحابى عندهم بابا وماما إلا أنا ماعنديش.. أنده عليهم مايردوش عليّ". لا تعلم "سلمى" حتى الآن أن والدها هو من اختار لها هذا المصير لحكمة لا يعلمها إلا الله، ولا تعلم تلك الطفلة التى فى عمر الزهور ما هو الدافع وراء أن يقرر والدها فجأة إنهاء حياة والدتها وشقيقيها ثم يتخلص من نفسه ليتركها على غفلة تهور بدون حساب نادى على الموت وأنهى قصة عمر أناس لتبدأ حيرة طفلة يتيمة ما أكملت عامها الثامن بعد، يضيق بدمعها صمت الجدران الكئيبة، تعبت من انتظار أسرتها.. ومن تخيل أيديهم الحنونة تربت على كتفها ورأسها.. رحلوا جميعا دون وداع، لمن ستقول "بابا وماما" من سيمشط ضفائرها، ويغازل جدائلها ويمنحها الهدايا، من سيأخذها إلى أرجوحتها فى الأعياد، من سينام بجوارها ليلا ليقص عليها الحكايات، من سيحملها ويضمها ويقبل خديها ويمنحها الدفء والحب والحنان بعد أبويها؟. فهل ارتضى والد "سلمى" عندما قرر إنهاء حياة زوجته وابنه وابنته وترك سلمى تواجه مصيرها أن يؤلم قلوب محبيه.. أم ارتضى أن يسمح لشخص غيره أن يمسح دموع ابنته المنهمرة لفقده وفقد والدتها وشقيقيها؟!.. كم هو محزن وكم هو مؤلم لفتاة صغيرة لم تتجاوز الثمانى سنوات من عمرها أن تتحمل ذلك المشهد الذى يعد بمثابة الريح العاتية التى عصفت بحياتها كموج بحر هائج أغرق الأرض ومن عليها.. طفلة لم تستوعب معنى الموت وما هو وأين ذهبت أسرتها؟!.. غير أن القدر ظل يخبئ فى خفاياه سراً مكنوناً، لتتوقف العبرة عالقة فى الحلق. تولى التحقيقات شريف اشرف رئيس نيابة حوادث القاهرة، والتى مازالت جارية للوقوف على أسباب الجريمة والدافع وراء ارتكابها، وكشف لغزها، تحت إشراف المستشار طارق أبو زيد، المحامى العام الأول لنيابات جنوبالقاهرة.