الوطنية المصرية تفصح عن جوهرها المقدس في الايمان الواعي والمستنير بحرية الوطن والكرامة الانسانية للمواطن, وهي بهذا مكون أساسي من مكونات العبقرية التاريخية لمصر وحضارتها الانسانية الشامخة عبر العصور. وقد تجلي هذا المفهوم الواعي والمستنير للوطنية المصرية إيما تجل ابان ثورة 1919 الشعبية, فقد انخرط في غمار هذه الثورة عنصرا الأمة المسلمون والأقباط, وتألق القس الوطني سرجيوس علي مسرح أحداث الثورة, باعتباره أحد أبرز خطبائها وثوارها, حتي أن الزعيم سعد زغلول وصفه باعتزاز وتقدير بانه خطيب الثورة. ومنذ ثورة 1919 أيقن المصريون أن الدين لله والوطن للجميع, ولم يكن هذا شعارا, وإنما صار واقعا, ومن ثم تعذر علي الاستعمار البريطاني برغم مكائده أن يتلاعب بعنصري الأمة, وهو ما أدي إلي تأسيس ثقافة التسامح وبلورة أبعادها. وعندما جاء زمن البابا شنودة الثالث أعلي من القيم العريقة للوطنية المصرية وكانت مواقفه الروحية شاهدا علي ذلك, ومن هنا كان حزن المصريين لرحيله حزنا صادقا وعظيما, باعتباره وطنيا مصريا, وزعيما روحيا يؤمن بالمحبة وإعلاء شأن الوطن. ويسجل التاريخ للبابا شنودة انه كان يعمل انطلاقا من وطنيته الواعية والمستنيرة, كل مافي وسعه لوأد الفتنة والاحتقان الطائفي, اللتين أفرزتهما مشكلات سياسية واجتماعية خاطئة تلبست أقنعة دينية, والدين منها براء. وفي الوقت الذي تودع فيه مصر اليوم البابا شنودة إلي مثواه الأخير.. ينبغي أن يدرك المصريون, مسلمين وأقباطا, أن النموذج الوطني الواعي والمستنير الذي كان يجسده البابا شنودة.. هو الطريق نحو التصدي للاحتقان الطائفي.. وإصلاح الخطاب الديني. وكان هذا العمل النبيل هو ما استهدفه الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر عندما دعا إلي تأسيس بيت العائلة بمشاركة أساسية مع البابا شنودة. إن البابا شنودة يتبوأ مكانة سامية وراسخة في التاريخ باعتباره مصريا عظيما كانت مصر تسكنه.. ويسعي دوما لإعلاء شأنها.