سحابة سوداء غشيت عينيه، وحقد دفين سكن قلبه العليل، وتلفع بعباءة الشيطان، وتلطخت يداه بدماء من حملته بين أحشائها تسعه أشهر، وسهرت الليالى من أجل راحته، وكانت تخشى عليه من لفح أنفاسها، وتتمنى أن تهب له سنوات عمرها الباقيه حتى يعمر الأرض، ويخلد فيها وتتوارى، هى خلف الثرى. فالمهم عندها أن يعيش الحبيب الغالى أبد الدهر، ولم يدر بخلدها أن فلذة الكبد الذى عشقته أكثر من نفسها سوف يزهق روحها بوابل من الطلقات، وأنه سوف يقصف بعمرها إرضاء لزوجته الشيطانة. سلم الابن العاق أذنيه لزوجته ووضع مفاتيح رجولته تحت قدميها، وبات بالنسبة لها مثل قشة فى مهب الريح، بينما هى رياحها عاتية تعصف به وقتما تشاء، وتحول بالنسبة لها مثل قطعة من الطين تشكلها كيفما تشاء، وكان يستجيب لأوامرها وينفذ طلباتها، وكانت ترهبه نهارا وتفزعه فى أحلامه ليلا، وسلبته إرادته، وكان بالنسبه لها خلفية باهتة تبرز جبروتها وتسلطها، واستسلم الزوج القاتل فى طاعة زوجته العمياء حتى حدث مالم يصدقه عقل، عندما شكت إليه أمه وأنها تشاجرت معها، وبدموع التماسيح جعلت من أمه شيطانة، بينما هى الملاك الطاهر الذى ينشر الرحمة والحب فى الأرض. كاد الزوج الشهم يفقد عقله وهو يرى الدموع تنساب على وجنات زوجته، واشتعلت نيران الانتقام داخل صدره، خاصه عندما غرست نصل سكينها البارد فى رجولته وأنه مازال صغيرا وابن أمه، ويستحيل عليه أخذ حقها، وأنه مازال عودا أخضر غضا، يسهل إقلاعه من أرض أمه، وراحت ترمى له الكلمات التى تدفعه لقتل كل البشر حتى يثبت لها أنه مازال فارس الأحلام، وأنه يتلفع برجولة تنوء عن حملها الجبال الراسيات. هرول الشاب إلى غرفة والدته، ووجدها ترقد على فراشها وقد بللت دموعها وسادتها، وعندما شاهدت فلذة الكبد مسحت عيونها التى ذبلت من كثرة السهر على راحته، وسألها عن المشاجرة التى دارت مع زوجته، فهبت واقفة من فراشها وأخذته بين ضلوعها وضمته إليها فى شوق المسافر بلا رجعة، وأخبرته أنه لم يحدث شىء من زوجته، وأنها مثل شقيقته ويستحيل أن تغضب منها، ويكفيها أنها زوجة الحبيب الغالى الذى ينشرح صدرها عند رؤيته، ونفت الأم وقوع أى مشاجرة مع زوجته، إلا أنه أصر وألح لمعرفة الحقيقة، واتهمها بأنها سوف تكون السبب فى تدمير حياته وانفصال زوجته عنه، وراح يتهمها بالقسوة والجبروت، وأنها ترغب فى هدم معبده، ولم تتفوه الأم المقهورة بكلمة واحدة، وأمسكت بيد الابن العاق تقبلها وتدعو له بالهداية، وان يحفظه الله وزوجته من أى سوء، ولم يفهم الابن الضال معنى سكوت أمه وأنها لاترغب فى سرد مافعلته زوجته فيها، وأمام وابل الشتائم الذى قذفه فى وجه من جعل الله الجنة تحت أقدامها، وكرمتها جميع الأديان السماوية، بينما أهانها ابنها، قامت الأم وكشفت ثيابها عن أجزاء من جسدها وأطلعته على آثار ضرب زوجته لها، وأنها دفعتها على الأرض، وأحدثت جرحا غائرا فى رأسها وتوسلها إليه ألا يضرب زوجته، أو يهينها، فهى حامل فى شهرها السادس، ولم يخطر على بال الأم ان نيران ابنها سوف تحرقها. لم يرق قلب الابن لجسد أمه المشوه باللكمات والجروح، واتهمها بأنها استفزت شريكة حياته مما دفعها إلى ضربها، وأخرج بندقية آلية من دولاب ملابسه، وأمطر أمه بوابل من الرصاص، وهى تتوسل إليه أن يتركها حتى لايضيع مستقبله، ويقضى حياته خلف الأسوار إذا لم يلتف حبل المشنقة حول رقبته، وأقسمت له بأنها سوف تنتحر فى الحال لتفارق الحياة إرضاء لزوجته، إلا أنه لم يستجب لتوسلاتها ودموعها ولم يتركها إلا بعد أن فارقت الحياة، وبعدها احتضن زوجته ثم آوى إلى فراشه، وفى صباح اليوم الثانى راحت زوجته تطلق الصراخ والعويل بأن مجهولا تسلل ليلا لغرفة حماتها وقتلها لسرقة مجوهراتها، وراحت تندب حظ زوجها الذى فقد والدته قبل أن ترى حفيدها، إلا أن تلك الرواية البائرة والتمثيلية الزائفة لم تقنع رجال المباحث، وأكدت التحريات أن الابن وراء قتل أمه، وبمواجتهه اعترف بأنه أطلق عليها عشر طلقات من بندقية آلية حتى فارقت روحها جسدها المريض، وذلك إرضاء لزوجته التى زعمت كذبا أن أمه تشاجرت معها، وجلس الجانى بجوار جثة ست الحبايب يبكى رحيلها، بينما ظهرت علامات الفرحة على الزوجه التى خلا لها البيت الكبير من زوجها وحماتها، وأحيل الزوج المتهم إلى النيابة التى أمرت بحبسه على ذمة التحقيقات.