أثار تشكيل تحالف «عاصفة الحزم» المكون اختياريا من عشرة دول (السعودية، مصر، الإمارات، الكويت، البحرين، قطر، المغرب، السودان، باكستان). الحديث مجددا عن الحاجة إلى وجود قوة عربية عسكرية مشتركة أو بعبارة أدق موحدة تكون قادرة على حماية الأمن القومى العربي، وهو حديث زادت وتيرته فى أثناء انعقاد القمة العربية الأخيرة بشرم الشيخ. ولا شك أنه مطلب منطقي، فتحقيق المكانة والدور والنفوذ الاقليمى لا يتم دون تكلفة أو قوة فعلية على الأرض تترجم الطموح إلى واقع. لذلك فإن بناء أى نظام اقليمى على مستوى العالم يتطلب بالضرورة إلى جانب النواحى السياسية والاقتصادية ناحية عسكرية لا غنى عنها. وإذا كانت هذه الفرضية تصلح فى جميع الأوقات الا أنها تصبح أكثر إلحاحا فى الظروف الاستثنائية أى وقت اشتداد الأزمات والتهديدات التى يتعرض لها اقليم ما. وهوما ينطبق بلا جدال على النظام الاقليمى العربى الذى يشهد تحديات غير مسبوقة، إذ ليس هناك أخطر من احتمالات تفكك دولّه وتحولها إلى دول فاشلة وربما تقسيمها، ناهيك عن تفشى ظاهرة الارهاب وتفجرالصراعات الأهلية والمذهبية والطائفية، وهى عوامل فرضت كلها نمطا جديدا من الحروب بخلاف تلك التقليدية التى كانت تدار بين جيوش نظامية محددة المعالم. بل لم تعد هناك دولة لا تشهد نزاعات على حدودها، فضلا عن تزايد مصادر التهديد لطرق الملاحة المائية ومنابع النفط والطاقة أى مصادر الثروة التى يتمتع بها الاقليم وتعد فى الوقت نفسه مطمعا لكل دولة ساعية لتعزيز نفوذها على حساب دول أخري، مثلما هو وضع ايران الآن بالنسبة للخليج خصوصا والشرق الأوسط عموما. ولعل حالة اليمن، التى استدعت تشكيل التحالف الحالي، تمثل نموذجا جامعا وعاكسا لكل تلك التهديدات فى آن واحد. ففيها الدور الايرانى التوسعى من خلال دعم انقلاب «الحوثيين» الذى يمثل تهديدا للأمن القومى للسعودية (حدودها المباشرة) ولمصر بحكم التهديد المحتمل لباب المندب أى البحر الأحمر وبالتالى قناة السويس، فضلا عن كونها مرتكزا للتنظيمات المتطرفة على الجانب الآخر - أى السنى - من «القاعدة» إلى «داعش» وفيها بالطبع حرب أهلية وتغيب عنها الدولة. ولأن الحديث عن أى تسويات سياسة لا يتم إلا بعد استعادة توازن القوى (وهو مفقود حاليا) فان استخدام القوة العسكرية يكون مبررا فى مرحلة من مراحل الصراع شأن منطق أى مفاوضات سلمية لا تتحقق الا بعد حسم عسكرى أو بالأحرى إيجاد واقع جديد على الأرض يحدد وزن الأطراف الداخلة فى تسوية ما. إن واقع المنطقة يشيرإلى أهمية «القوة العربية المشتركة» هكذا كان الحال فى الغرب، الذى يمثل القوة العالمية الكبرى الآن، فهذه القوة تشكلت من خلال التحالف الوثيق الذى نشأ بين أوروبا والولايات المتحدة خلال الحربين العالميتين والذى انتهى إلى تأسيس منظمة حلف شمال الأطلنطى عام 1949 أوحلف «الناتو» وهوحلف عسكرى كما هو معروف. وكان هدفه الرئيسى هو حفظ الأمن والاستقرار الاقليمى لدوله الأعضاء قبل أن يتوسع فى التسعينيات سواء فى عضويته أو المساحة الجغرافية التى يغطيها أو فى المهام الموكلة إليه. وأصبحت العمليات العسكرية خارج حدوده التقليدية فى أوروبا الغربية جزءا أصيلا من توجهاته من خلال ما سمى ب «قوة التدخل والانتشار السريع» وحدث التدخل بالفعل فى العديد من دول شرق ووسط أوروبا بعد أن اتسع مفهوم الأمن القومى أو أعيد تعريفه. ولنفس السبب لجأ الحلف إلى عقد اتفاقيات أمنية ثنائية مع بعض الدول العربية والشرق أوسطية والمتوسطية أى التى تقع على البحر المتوسط. إن كل ما قيل يعطى مشروعية لفكرة إنشاء قوة عربية مشتركة، وربما تجربة «الناتو» تعد - مع الفارق - هى الأقرب لتلك الفكرة. ولكن المشروعية لا تعنى تلقائيا سهولة تنفيذها أو سرعة تحققها. فالواقع هناك غير الواقع هنا لأسباب عديدة، أولها، أننا نتحدث عن اقليم فى مرحلة إعادة تشكيل أى هوخليط من خصائص نظام إقليمى عربى قديم وآخر شرق أوسطى بفعل الواقع، حيث تلعب دول غيرعربية دورا مؤثرا فى مجريات الأمور وترتبط بتحالفات مع أخرى عربية أو تنظيمات وأحزاب بداخلها. والسؤال البديهى هنا هو عن أى نظام اقليمى ستُعبر عنه القوة العربية المشتركة؟ «عربى» أم «شرق أوسطى» أخذاً فى الاعتبار أن تحالف عاصفة الحزم الذى قد يُنظر اليه على أنه نواة أو بداية لتلك القوة المشتركة المفترضة يضم فى عضويتة دولة غيرعربية هى باكستان. وثانيها، أنه لكى تتشكل مثل هذه القوة وتكون بمثابة حلف دفاعى فلابد أن تتفق جميع دول الاقليم على تعريف موحد للأمن القومى ولمصادرتهديده، ففى الماضى كانت فقط إسرائيل، الآن الحديث عن ايران وتركيا حتى وإن اختلفت الدرجة، ولكن فى جميع الأحوال لم تعد الأمور بنفس الوضوح الذى كانت عليه من قبل. وثالثها، يتعلق بطبيعة الأنظمة الحاكمة والتى تحدد نمط تحالفاتها الاقليمية والدولية. ولا يحتاج الأمر لتكرار الحديث عن مدى اختلافها وتباينها، فهل علاقة النظامين السورى والعراقى الوثيقة بايران، تُقارن بعلاقات دول عربية أخرى بها على عداء كامل معها؟ وما يسرى على التحالفات الاقليمية يسرى أيضا على مثيلاتها الدولية الموزعة ما بين أمريكا وروسيا. ورابعها، هو الاختلاف حول تعريف التنظيمات المدرجة على قوائم الارهاب، فجماعة الاخوان المسلمين هى كذلك بالنسبة لدول عربية كبيرة ولكنها ليست بنفس التصنيف لدول أخري، بالإضافة الى أن شبكة تحالفات جماعات الارهاب باتت تتداخل فيها أطراف عديدة من دول وأجهزة مخابرات توظفها فى حروب بالوكالة بعضها معلوم والآخرغيرمعلوم بل وبقايا أنظمة قديمة فهل يمكن إيجاد إرادة عربية موحدة لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة؟ وأخيرا، الانقسام حول توصيف «الثورات العربية» أى المعاييرالمشتركة التى يمكن بموجبها التعامل مع حالة بعينها على أنها ثورة واعتبار أخرى فوضي، وهى قضية مطروحة بقوة فيما يخص التعامل مع الملف السوري. إن الغرض من هذه التساؤلات المعروف إجابتها سلفا، هو التأكيد على أن الاقليم سيشهد صراعات طويلة قد تمتد لسنوات حتى يستقر وتصبح فكرة تكوين «قوة عربية مشتركة» قابلة للتحقيق. وبالتالى فالحل الواقعى هو إقامة تحالفات على نطاق الدول صاحبة نفس المصلحة والتوجهات تمتلك القدرة على التدخل السريع فى الأزمات، وبالتالى تتمتع بمرونة عالية. هذا هو منطق تشكيل «عاصفة الحزم». لمزيد من مقالات د . هالة مصطفى