لأول مرة يبوح متحف الحضارة المصرية بسر عظيم من أسراره، فقد اكتشف فريق الترميم فى يوم الأربعاء 20 أبريل الماضى بابًا سريًا خلف لوحة «مجرى حوض النيل» يفضى إلى سرداب بداخله كنز توارى لعشرات السنين يضم 222 عملاً متنوعًا بين لوحات زيتية كبيرة من أعمال الرواد، واسكتشات فنية ملونة بالألوان المائية لتجهيزات العرض المتحفى الذى افتتح عام 1949، ورسومات هندسية ومعمارية للمتحف وخرائط قديمة للقطر المصرى، وتخطيط لمدينة الإسكندرية، ورسومً توضيحية وصورً فوتوغرافية.قصة الاكتشاف يرويها الدكتور أشرف رضا رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة قائلاً: إن أعمال الترميم للمتحف جاءت فى إطار تنفيذ مشروع إنشاء متحف الجزيرة العالمى والذى يتضمن إلحاق الفراغات الخاصة بمتحف الحضارة المصرية ضمن مساحات العرض المطلوبة لإنشاء المتحف العالمى الذى سيضم أكثر من 4 آلاف عمل فنى ليصبح بذلك أكبر متحف بالشرق الأوسط للفنون المختلفة، وسوف يحتوى على ممتلكات للقصور الملكية بمصر وفى مقدمتها أعمال لفنانى القرن التاسع عشر ومنهم أوجست ورينوار وأوجين ديلاكروا وكلودمونيه وآنجر ورودان، وغيرهم بجانب أعمال النسيج القبطى والزجاج الفاطمى والفازات السيفر والشنواه..
وأضاف: أثناء أعمال فريق الترميم بإخلاء جدران متحف الحضارة المصرية الذى افتتح عام 1949، وأغلق فى عام 1989، كان هذا الاكتشاف، فبينما كان الفريق يخلى أحد جدران المتحف من ديوراما (مجرى حوض النيل) الضاربة داخل الحائط بعمق ثمانية أمتار، اكتشف الفريق بعد استخراجها وجود باب سرى يؤدى إلى سرداب فسارع الفريق بإبلاغ رئيس قطاع الفنون التشكيلية فقرر تشكيل لجنة يرأسها الفنان أحمد عبد الفتاح رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض فكانت المفاجأة التى أذهلت الجميع، وكانت من أثمن ما يمكن، إنها «خبيئة» توارت لأكثر من 62 عامًا لتكشف عن نفسها الآن، وبعد اكتشافها أصدر وزير الثقافة الدكتور عماد أبو غازى توجيهاته لإقامة معرض فنى كبير لأعمال هذه الخبيئة ليطلع الجمهور من خلالها على جزء مهم من ذاكرة مصر التاريخية والفنية وذلك بعد انتهاء أعمال الترميم وإنجاز أعمال لجنة الفحص والتوثيق وتدقيق البيانات التى يرأسها الفنان الناقد الدكتور صبحى الشارونى الخبير الموسوعى فى تاريخ الفن المصرى المعاصر.
وبينما وصف الدكتور أشرف رضا هذا الكشف بأنه «عنوان جديد فى كتاب الحضارة المصرية الذى رغم مرور السنوات وتعاقب القرون لا تغلق صفحاته ولم تكتب خاتمته بعد»، فإن الفنان أحمد عبد الفتاح رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض الذى رأس الفريق الذى اكتشف هذه الخبيئة وصف عملية اكتشافها بأنها كانت وقوفا على «عتبات المجهول»، فلكشف ما بداخل السرداب تشكلت لجنة غاصت فى عمق الحائط وأرضية المتحف لتصل إلى كشف مثير يمثل حقبة تاريخية وفنية مهمة تحكى لنا نماذج متعاقبة تحمل فكر القائمين على هذا العمل الكبير المسمى متحف الحضارة المصرية..
ولنتعرف على فكر القائمين على هذا المتحف نعود إلى ما كتبه الفنان حسين يوسف فوزى أول مدير للمتحف تحت عنوان «قصة متحف الحضارة المصرية» والتى تصدرت الكتاب الصادر عام 1950 بمناسبة افتتاح هذا المشروع الحضارى الثقافى، حيث يقول إن فكرة المتحف تم طرحها خلال لقاء أعضاء لجنة المعارض بالجمعية الزراعية الملكية مع الملك فاروق يوم السادس من أبريل عام 1939 ليستأذنوا فى إقامة المعرض الزراعى الصناعى السادس عشر فقام الملك فاروق بتسليم مذكرة إلى فؤاد أباظة باشا مدير عام الجمعية الزراعية الملكية لإقامة «نموذج» متحف للحضارة المصرية يمثل حضارة مصر منذ فجر التاريخ حتى وقتنا الحاضر، وبادرت الجمعية بالاتفاق مع وزارة المعارف العمومية لتنفيذ المشروع، وظل الأمر قيد الدراسة وعمل اللجان حتى عام 1942، عندما اعتمدت اللجنة العامة للمتحف تقرير محمد شفيق غربال بك وكيل وزارة المعارف الذى تلاه تخصيص الوزارة فى ميزانيتها 10 آلاف جنيه للإنفاق على الأعمال الإنشائية، وتابع الملك فاروق أعمال التنفيذ من خلال سكرتيره الخاص الدكتور حسين حسنى باشا، وفى يناير 1943 تم انتداب الفنان حسين يوسف فوزى من رئاسة قسم الفنون الزخرفية بمدرسة الفنون الجميلة العليا لإدارة أعمال المتحف والإشراف على تنفيذ مشروعاته..
وفى عام 1945 بلغت الأعمال الإنشائية مرحلة كبيرة وأوشكت روايات التاريخ وحكايات المؤرخين أن تكون حقائق مجسمة على يد الفنانين المصريين وفى ذلك الوقت تم إيفاد مدير المتحف فى مهمة رسمية إلى أوروبا لزيارة متاحف إنجلترا وفرنسا وبلجيكا وسويسرا لاقتباس أحدث النظم الفنية وكانت الحصيلة التى عاد بها عام 1946 يتكلف تنفيذها 5 آلاف جنيه، ومع اكتمال أعمال تنفيذ المتحف بلغت تكلفته الإجمالية «ثلاثين ألف جنيه»..
وقد انقسم العرض المتحفى داخل المتحف ليشمل 9 عصور تبدأ من عصر ما قبل التاريخ حتى العصر الحديث..
وبلغ عدد المعروضات 1880 قطعة تتراوح بين تماثيل ونماذج مجسمة وديوراما وأفريز ولوحة وخرائط ورسومات وبيانات إحصائية وصور فوتوغرافية ووثائق تاريخية وكتب تاريخية قديمة، كما تلقى المتحف العديد من التحف المهداة أو المعارة من الهيئات والأفراد والمتاحف ودار الكتب المصرية ومكتبة جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًا)، ويشغل المتحف ومحتوياته مساحة 3584 مترًا مربعًا منها 2326 مترًا مربعًا للأقسام التاريخية، و1257 مترًا مربعًا للأقسام الفنية والإدارية..