مع المتغيرات التى شهدها العالم العربى خلال السنوات الأخيرة، ارتفع حجم القضايا الإنسانية بشكل غير مسبوق، ففي النصف الثانى من القرن الماضى كانت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين هى المحور الأساسى للعمل الإنسانى فى المنطقة العربية، ومع انتشار النزاعات وأعمال العنف تفاقمت المشكلات الإنسانية وتنوعت فى مناطق عربية مختلفة، من السودان إلى الصومال مرورا بالعراق وليبيا وصولا إلى سوريا التى تشهد الآن أكبر كارثة إنسانية فى العصر الحديث. ويطرح واقع الأزمات الإنسانية المتزايد في المنطقة العربية تساؤلات كثيرة حول سبل تقديم العون لأكثر من 36 مليون شخص يعانون أوضاعا إنسانية مزرية فرضت عليهم، ويحتاجون إلي عمل مكثف للتخفيف من معاناتهم ومساعدتهم على مواجهة تلك الأوضاع. وفى زيارة سريعة للكويت الأسبوع الماضى، اتيحت لى الفرصة لمتابعة تجربة مهمة فى العمل الإنسانى العربى، من خلال حضور المؤتمر الدولي الثالث للدول المانحة لدعم الوضع الإنساني في سوريا. والوضع الكارثى في سوريا لا يحتاج إلى توضيح، ويكفي ما ذكره الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت في كلمته امام المؤتمر التى قال فيها: لقد كشفت الأرقام المفزعة والحقائق الموثقة حول الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة التي نشرتها أخيرا منظمات دولية وفقا لدراسات بحثية، ان الدمار هو العنوان الرئيسي لجميع المناطق في سوريا دون تمييز، حيث تجاوزت أعداد القتلى من الأشقاء مائتين وعشرة آلاف قتيل، وتشريد ما يقارب 12 مليون شخص في الداخل والخارج، في ظل ظروف قاسية وأوضاع معيشية مأساوية صورها لاجئ سوري بأن حياتهم أصبحت مثل الغارق في الرمال كلما حاول التحرك ازداد غرقا، كما حرمت الكارثة مليونين من الأطفال اللاجئين دون سن الثامنة عشرة من أبسط حقوقهم التعليمية والصحية، الأمر الذي يهدد مستقبل جيل كامل ويجعلهم أمام مستقبل مظلم يحرم وطنهم من مشاركتهم الفاعلة في بنائه. والحقيقية أن الكويت كانت سباقة فى قيادة حشد عالمى من أجل توفير التمويل اللازم لمواجهة هذه الكارثة الإنسانية، وتنسيق الجهود لتخفيف معاناة الشعب السورى، ونظمت مؤتمرين للدول المانحة فى العامين الماضيين، مما دعا الأممالمتحدة إلى تسمية الكويت ب «مركز العمل الإنساني ومنحت أميرها لقب «قائد العمل الإنساني» في احتفالية رعاها الأمين العام بان كي مون خلال شهر سبتمبر الماضى. وجاء تكريم الأمير الصباح تقديرا لجهوده وإسهاماته في العمل الإنساني، ودعمه المتواصل للعمليات الإنسانية للأمم المتحدة، وقال بان كي مون إن نجاح المؤتمرين اللذين عقدا في الكويت بشأن سوريا منح الأممالمتحدة الأدوات والوسائل لتقديم المساعدة الإنسانية التي كان يحتاج إليها الكثير من اللاجئين والمشردين. ووصف نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية هذا التكريم بأنه اعتراف من المنظمة ومن المجتمع الدولي بفضل الأمير الصباح وعطائه الدافق ودعمه المستمر للعمل الإنساني ، وعدم توانيه عن رفع المعاناة عن المحتاجين في جميع أنحاء العالم. وتحتاج تجربة الكويت فى العمل الإنسانى محليا وعربيا ودوليا إلى دراسة خاصة باعتبارها من التجارب الرائدة والناجحة فى هذا المجال، والنشاط الانساني سمة اساسية من سمات المجتمع الكويتي بجميع شرائحه، والتاريخ يسجل وقوف الشعب الكويتي ضد العدوان الثلاثي، وجمع ابناء الكويت الاحرار مبلغ 50 مليون روبية ارسلت للرئيس جمال عبدالناصر، وكان ذلك اكبر تبرع عربي على الاطلاق لمصر. وتطور العمل الإنسانى فى الكويت من النشاط الفردى إلى العمل الجماعى عبر إنشاء شبكة من الهيئات والجمعيات الحكومية والشعبية التى تعمل فى هذا المجال داخل وخارج الكويت، مثل الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية العربية، الذي كان رسالة الكويت الى أمتها العربية منذ الاستقلال، والهيئة الخيرية الاسلامية العالمية، والاصلاح الاجتماعي، واحياء التراث، والعون المباشر، التي قامت بدور كبير في رفع المعاناة عن الشعوب الافريقية، والهلال الاحمر الذى شارك في اغاثة المنكوبين والتصدي للكوارث في مختلف بقاع العالم. كما كانت مبادرة أمير الكويت بانشاء ودعم صندوق الصناعات المتوسطة والصغيرة، خلال استضافة القمة الاقتصادية عام 2009 استمرارا لنهج الكويت في دعم الشباب العربي في مختلف المجالات، وكذلك مبادرة «الحياة الكريمة» التي أطلقتها الكويت في المنتدى الاقتصادي الإسلامي الرابع لمواجهة الانعكاسات السلبية لأزمة الغذاء العالمية على الدول الأقل نموا. وكذلك ينبغى الإشارة إلى القرار المهم الذي صدر عن القمة العربية بالكويت العام الماضى، والذي نص على «إنشاء آلية عربية في إطار الأمانة العامة لجامعة الدول العربية لتنسيق المساعدات الإنسانية في الدول العربية»، وهو قرار جاء نتاج جهد كويتى مكثف لدعم العمل العربى الإنسانى. إن الأممالمتحدة تعد حاليا من أجل عقد قمة عالمية للعمل الإنسانى، ولابد أن يكون للعرب مشاركة قوية، خاصة فى ظل الأوضاع المأساوية التى تعيشها مناطق متفرقة من العالم العربى، وقد تكون التجربة الكويتية فى هذا المجال هى الأقرب للعالمية، والنموذج الذى يمكن العمل من خلاله تطوير العمل العربى الإنسانى والخروج به من مجرد تقديم المساعدات المالية والعينية للمحتاجين إلى مفهوم أوسع يعتمد على المساعدات التنموية، تطبيقا للمثل الصينى (لا تعطني سمكة بل علمني كيف اصطادها)، فلم يعد العمل الإنساني نشاطاً منفصلاً ومقتصراً على تلبية الحاجات الإنسانية الملحة، والتعامل مع آثار الكوارث الطبيعية والإنسانية، بل توسعت مجالاته لتشمل تقديم الخدمات الصحية والتعليمية، وخدمات التنمية الاقتصادية، وتوفير فرص العمل. # كلمات: لا يمكنني أبدا تحديد ما إذا كانت أحلامى نتيجة أفكارى .. أم أن أفكارى نتيجة أحلامى ديفيد هربرت لورانس لمزيد من مقالات فتحي محمود