مسرح خيال الظل من بين أهم فنون الترفيه والتسلية الشعبية، ويعتمد على الحكايات التي ترسمها ظلال الدمى التى يتم تحريكها بعصا وراء ستار من القماش الأبيض المسلط عليه الضوء. وكان فى الماضى يُستخدم ضوء الشموع والفوانيس والمشاعل. ومسرح خيال الظل له أشكال متعددة، فهناك المسرح الثابت الذى يذهب الجمهور إليه لمشاهدة العروض، ومنها المسرح المتنقل الذى يطوف بالموالد والملاهى وهو عبارة عن شاشة يلقى عليها الضوء من الخلف. عرف العرب خيال الظل للمرة الأولى في العصر العباسى، والأرجح أنه انتقل إلى العالم الإسلامى من الصين أو الهند عن طريق بلاد فارس، واشتهر به العصر المملوكى على وجه الخصوص. وكان مجيئه إلى مصر في عصر الفاطميين في القرن الخامس الهجري "الحادي عشر الميلادي". وفى العصرين الأيوبى والمملوكي كانت مسرحيات خيال الظل من أهم وسائل الترفيه, وكان الناس يقبلون على مشاهدتها، وكانت تعرض في مسارح مخصصة وفي المقاهي والاماكن العامة بل وحتى في حفلات الزواج والختان وغيرها من المناسبات. وكان يقبل على مشاهدتها الناس من جميع طبقات المجتمع، وكانت المسرحيات تناقش مواضيع سياسية واجتماعية وتاريخية بطريقة فكاهية ساخرة. وظلت عروض "خيال الظل" تلقى رواجا شعبيا كبيرا في العالم العربى حتى بدايات القرن العشرين. وارتبط فن خيال الظل في مصر خلال القرنين التاسع عشر والعشرين بأسماء حسن القشاش، والشيخ سعود، والشيخ علي النحلة. إذن خيال الظل نشأ في حضارات غير عربية، لكنه وبمرور الزمن أصبح فناً عربيا ومصريا شعبياً، واتسمت شخصياته وحكاياته ووسائله الفنية بأخلاقيات وطباع وعادات وحكايات المجتمع العربي, ولم تخل من نقد له, كما لا يخلو مسرحنا المعاصر من النقد لعاداتنا وطباعنا وأخلاقنا فى زماننا هذا. ويعد ابن دانيال, الذي قدم من الموصل إلى القاهرة في عهد السلطان الظاهر بيبرس في عام 1267م فراراً من المغول, هو أشهر من قام بتطوير مسرح خيال الظل. وكان من ضمن دمى ابن دانيال دمية تدعى "عقود النظام فيمن ولي مصر من الحكام". كما كانت له شخصيات آخرى ذات أسماء طريفة مثل: "عجيب الدين الواعظ وعسلية المعاجيني وعواد الشرماط ومبارك الفيال وأبو القطط وزغبر الكلبي وناتو السوداني وأبو العجب صاحب الجدي". أما فى العصر العثمانى فقد أعجب العثمانيون بفن خيال الظل، فنقلوا العديد من فنانيه من القاهرة إلى اسطنبول لإقامة عروضهم هناك،ضمن نهبهم لثروة مصر المملوكية من فنانين وحرفيين وتحف وكنوز حضارية. ويُطلق على عرض خيال الظل اسم "البابة"، ويُعد الخيال عنصرا رئيسيا فى هذه "البابات"، فيمكن أن تتطرق إلى كل قضايا الحياة باستخدام الظل أو "الخيال" الذي يثير فى الإنسان حاسة الخيال اللذيذة التى ترده طفلا دون أن تفقده حكمة الكهولة،وكان لهذا المسرح أهمية كبيرة فى زمانه, إمتاعا وتثقيفا, قبل انتشار وسائل الإعلام والاتصالات والفنون الحديثة التى نقلناها عن الغرب. وقد استمد خيال الظل موضوعات من الأدب الكلاسيكي سواء العربي أو الفارسي أو التركي مثل "ليلى ومجنون"، "قيس وليلى"، و"خُسْرَوْ وشِيرِين"، و"فرحات وشِيرِين"، و"يوسف وزليخا"، ولكن لابد من الإشارة هنا إلى أنها قد غيرت بما يتلاءم مع روح الفن الفكاهي الساخر. وتتداول فى تركيا قصة مشهورة عن نشأة "خيال الظل" (الذى يسمى هناك "قرة قوز" ولكنه يعنى خيال الظل لا الأراجوز), فيروى أن السلطان العثماني "أورخان غازي" الذي تولى العرش سنة (1326م)، أمر ببناء جامع في مدينة بورصة، وكان بين العمال الذين يعملون في البناء عاملان يُدعى أحدهما "قَرَه كُوزْ" والثاني "حاجي واد"، وكلاهما يملك من خفة الدم والمرح والفكاهة ما يجعلهما يقومان بحركات طريفة وفكاهات هزلية تجعل العمال يتركون العمل ويلتفون حولهما لمشاهدة ما يقومان به من ألعاب مُسَلّية، وعندما سأل السلطان عن سبب التأخر في إنجاز العمل، أخبروه عن "قَرَه كُوزْ" و"حاجي واد"، فأمر أن يقوما بما يقومان به أمامه، وسعد بما رأى ولكنه أمرهما أن يعدلا عن هذا حتى لا يتعطل البناء. وكان هناك في مدينة "بورصة" رجل يدعى "الكشتري" أراد أن يُسري عن السلطان ويذهب عنه الحزن، فعكس خيال كل من "قَرَه كُوزْ" و"حاجي واد" على ستارة بيضاء، ونجح في تسلية السلطان، وهكذا قام أرباب هذا الفن بتشخيص هاتين الشخصيتين بمحاوراتهم الشيقة بهذه اللعبة الظلِّية. ولغة خيال الظل شعبية بسيطة خالية من أي دخيل، منغمة بعيدة عن كل تعقيد، تتكرر فيها من حين لآخر الأمثلةُ الشعبية والحكم والأقوال المأثورة والمناظرات والتورِيَة المحببة إلى نفوس الشعب بكل طبقاته. ويقول الدكتور إبراهيم حماد أستاذ الدراما المسرحية، إن الفنون العروسية الثلاثة (الدمية - الأراجوز - خيال الظل) وثيقة القربى بعضها ببعض، وخيال الظل تحديدًا من الناحية اللغوية هو مصطلح عربي شائع اتخذ معناه المستقل وانصهر في ضمير الشعب وحياته التعبيرية اليومية حتى اكتسب دلالة خاصة. نصوص من مسرح ابن دانيال وقد تبقت من أعمال ابن دانيال ثلاث مسرحيات ما بين شعرية ونثرية وزجلية. وهي "طيف الخيال" و"عجيب وغريب" و"المتيم". تبدأ "طيف الخيال" بحمد الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للسلطان، ثم مقدمة تُشير إلى حملة السلطان على الشر وتخريبه أماكن الفسق والفساد ينتقل العرض بعدها إلى الحدث الدرامى والتشخيص. وأبطال هذه المسرحية هم: الأمير وصال، أحد أمراء الجند، ومجموعة من الشخصيات المعروفة في المجتمع المصري المملوكي. ويدور الموضوع حول رغبة وصال في الزواج من امرأة ذات حسب وجمال. ولكن الخاطبة "أم رشيد" تُوقِعه في عروس شديدة القبح، فيغضب ويتوعد، ولكنه يقتنع في النهاية بأن الله أوقعه في شَرَك بما قدم من أفعال الشر، فيعلن التوبة وغسل معاصيه بالحج لبيت الله الحرام وزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. والمسرحية الثانية "عجيب وغريب" هي استعراض لأنماط ونماذج معينة من واقع الحياة الشعبية، في الشارع والسوق حيث مصدر المعرفة والتكسب والتحايل على الرزق بشتى الحيل؛ ففيها النصب والاحتيال والسلب والمراوغة والمساومة، فهي بهذا معرض لكثير من مظاهر الحياة اليومية للمجتمع وعيوبه. أما الثالثة فهى بعنوان "المتيم"، وتدور قصتها حول الحب والهيام وحيل المحبين في عصر الكاتب، حيث يتعقب فيها واحداً منهم هو "المتيّم" ويعرض محاولاته وصنوف حيله لبلوغ مأربه من محبوبته. وتكاد تكون هذه "البابة" مبنية على حلقات المصارعة بين القطط والكلاب والديكة والخرفان والثيران الخاصة برقباء "المتيّم" الذى يتغلب عليهم جميعا.