منذ أن تسلم «الراية» وأصبح وكيلاً للأزهر الشريف - بدرجة وزير - فى سبتمبر 2013، وهو مؤمن بأن الإرهاب الأسود الذى عاد ليطل برأسه القبيح من جديد على بلد الأمن والأمان, لا أصل له فى الشرائع السماوية، ورغم الظروف الصعبة التى تولى فيها المسئولية، لكنه «لا يكل أو يمل» فى أداء رسالته وواجبه نحو الدين والمجتمع .. ويرى أن تكاتف جميع مؤسسات الدولة بلا استثناء أو تهرب لأى منها هو السبيل للنهوض بالمجتمع من عثرته، وأن الدور الذى يقوم به الأزهر منذ فترة بتصحيح المفاهيم المغلوطة يعتبر أول «معول هدم» فى جدار الجماعات الإرهابية، فى مكتبه بالمشيخة، طرحنا على الدكتور عباس شومان الأسئلة التى تشغل فكر جميع فئات المجتمع، وفتح لنا قلبه للإجابة بلا تحفظات، فكانت السطور التالية: كيف يتم تجديد الخطاب الدينى من وجهة نظرك؟ يختلف الناس فى تفسير تجديد الخطاب الدينى اختلافات كثيرة، وهو عندنا نحن يعنى استعادة الخطاب الوسطى الذى أصلح به السابقون أحوال الناس وجعلوهم أكثر استقامة على منهج الله، وأكثر موازنة بين أمور المعاش وأمور العبادة، حيث إن الأعمال كلها فى شريعتنا إما عبادة وطاعة وإما معصية وبعد عن طريق الحق، وحتى ينصلح الخطاب الدينى ويحقق مصالح الناس فى الدنيا ويضمن لهم سلامة الموقف فى الآخرة فإنه من وجهة نظرنا فى الأزهر يحتاج إلى استعادته من خاطفيه، فمشكلة الخطاب الدينى الأكبر تكمن فى اختطافه من غير المؤهلين بأدواته المانعة من الجنوح عن طريقه الصحيح، أو هؤلاء الذين ينتهجون مسلك التشدد المقيت الذى يضيق على الناس وينفرهم فى الدين من الأساس، وهؤلاء يوجدون فى كثير من المساجد والزوايا، ويطلون على الناس من خلال وسائل الإعلام المختلفة، دون رادع يردعهم ويعيدهم إلى جادة الصواب، وتنقية الخطاب من الرواية الضعيفة وربما المدسوسة فى تراثنا الإسلامى والمهملة من قبل الثقات من العلماء، حيث إنها تتلاشى فى مقابلة النصوص الصحيحة فى ذات الموضوع لاسيما إن كان الأمر يتعلق بالدماء والأعراض لأن أمرهما مبنى على الاحتياط والحذر، وتحديث الوسائل والأساليب المستخدمة لتناسب الزمان والمكان. ومراعاة أحوال الناس المخاطبين بهذا الخطاب، و اختيار البديل المناسب من بدائل كثيرة فى شرعنا الحنيف، وتجريد الخطاب الدينى من المؤثرات الخارجية، والبعد عن توجيهه لخدمة مصالح ضيقة وذلك بتحميله مالا يحتمله، فإن المتصدى للخطاب الدينى يوجه ولا يوجه أحد من الناس مهما علت منزلته ومنصبه الذى يشغله. هل هناك صعوبة من الناحية الشرعية فى التجديد ؟ ليست هناك أية صعوبات شرعية، لأن شريعتنا مرنة تناسب كل زمان ومكان، حيث إن المتغير فيها أكثر من الثابت بكثير، فالأحكام التكليفية خمسة منها ثلاثة خير الناس بين بدائل فى الأفعال والأقوال المندرجة تحتها، أعنى بين الفعل والترك ،وهى المستحبات، والمباحات والمكروهات، فالقول أو الفعل الذى يندرج تحت هذه الأحكام لا حرج على من فعله أو تركه، فصلاة النوافل مثلا مستحبة من فعلها أخذ ثوابا ومن تركها لم يعاقب، وأكل الشبعان وشرب الريان مكروهان ومن فعلهما لا يعاقب، والبيع لغير ضرورة مباح ومن تركه أو فعله لاشيء عليه، وهذه الثلاثة يدخل تحتها ما لا يمكن حصره من الأقوال والأفعال, وهذا يدل على المرونة فى شريعتنا، وبقى من الخمسة الفروض التى يلزم الإنسان فعلها ولا خيار له فى تركها خلافا لما سبق ويندرج تحتها القليل من الأفعال والأقوال كالصلاة والصيام والزكاة والحج، والأخير هو المحرمات وهى محصورة أيضا كالقتل والسرقة والإضرار بالغير وقطيعة الرحم، وحتى هذين النوعين الأخيرين مع وجود الإلزام فيهما فقد يدخلهما التخفيف على الناس، فالصلاة تقصر فى السفر وتخفف هيئتها على المريض، والزكاة لا تجب على الفقير ولا الحج والصوم يؤخر لبعض دواعى التأخير كالمرض والسفر، وللمضطر شرب الخمر مع أنه حرام ليبقى على حياته وله أكل الميتة إن كان البديل هو الموت جوعا، فإذا كانت أقوال وأعمال العباد بهذا القدر من المرونة والتيسير فى أحكامها فكيف يكون التجديد صعبا؟ ماذا يقصد بالثورة الدينية التى ينادى بها البعض؟ لقد فهم كثير من الناس كلام الرئيس على غير وجهه الصحيح، فالمقصود بالثورة الدينية هو:البعد عن التشدد الذى لا تحتمله النصوص، وهذا مطلوب شرعا »فما خير رسولنا بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما« فعلام التشدد؟ كما يعنى البعد عن الاستدلال بالنصوص الضعيفة والموضوعة لاسيما والحذر كل الحذر عن الاستدلال على ما يتعلق بعقائد الناس من حيث الكفر والإيمان، أو الحكم عليهم بالعقاب لاسيما القتل، وكذا ما يتعلق بالأعراض فلا يحكم فى أمثال هذه الأمور إلا بنصوص يقينية الثبوت والدلالة معا. كما يعنى معاودة الاجتهاد فى الأحكام المأخوذة من نصوص ظنية الدلالة، فالنصوص عندنا منها ما هو قطعى الدلالة كآيات وأحاديث تحريم القتل والسرقة مثلا، ومنها ما هو ظنى الدلالة وهو مالا يدل على حكم واحد يقينا كمسح الرأس فى الوضوء فى قوله تعالى(وامسحوا برؤوسكم) فيمكن أن يكون المراد كل الرأس ويمكن أن يكون بعضه،وهذه النصوص الظنية قد يؤخذ منها حكم يناسب زمانا وفى زمان آخر أو فى نفس الزمان ولكن فى مكان آخر يمكن أن يتغير هذا الحكم،وهذا النوع من التجديد هو أمر مطلوب شرعا لتبقى شريعتنا مناسبة لكل زمان ومكان فعلا،وهذا ما نفهمه من المراد بالثورة الدينية، وهو يعنى عدم الجمود على ما وجدناه فى كتب السابقين وإنما تطويع ما يقبل التطويع وهو ما يتعلق بالنصوص ظنية الدلالة دون القطعى فلا يمكن المساس به. وهل الأزهر - وحده- هو المختص بتجديد الخطاب الديني؟ تجديد الخطاب الدينى ليس مقصورا على الأزهر، فالأزهر يعد العلماء الذين يتصدون للخطاب الدينى وهذا يحتاج إلى مراقبة وتطوير وإصلاح المناهج التعليمية، وهذا ما قمنا بالفعل به فقد انهينا مراجعة المناهج التعليمية فى التعليم الأزهرى ما قبل الجامعى بالكامل، وتجرى الآن طباعتها وستكون مناهج عصرية منطلقة من التراث الصحيح دون استطرادات لا تناسب العصر، وستكون فى أيدى الطلاب بداية العام القادم، وكذلك انهينا مراجعة المناهج الدينية فى التعليم العام، وهناك لجنة مشكلة من الأزهر والتربية والتعليم لصياغتها بعد التعديل لتكون أيضا بين أيدى طلاب التربية والتعليم بداية العام المقبل، وبذلك تكون مناهج التعليم فى مصر قد تم تعديلها بالكامل، وهذه أهم خطوات إصلاح الخطاب الديني،أما التنفيذ فإن الجزء الأعظم منه يقع على كاهل وزارة الأوقاف فهى التى تشرف على الخطاب الدينى فى المساجد، ولكى نصلح الخطاب الدينى يجب أن يكون التنسيق والتوافق بين عدة وزارات وهيئات بالإضافة إلى الأزهر وهي: وزارات الأوقاف والتربية والتعليم والتعليم العالى والشباب والرياضة والثقافة والإعلام، لذا اجتمع شيخ الأزهر بنفسه مع كل السادة الوزراء المسئولين عن هذه الوزارات بالإضافة إلى القائمين على الإعلام العام والخاص لتنسيق الجهود والاتفاق على مرتكزات معينة وضوابط تحكم الخطاب الدينى المنطلق من هذه الجهات، وهو أمر يعانى كثيرا من الصعوبات التى نأمل التغلب عليها،لاسيما فيما يتعلق بالثقافة والإعلام. ما تفسيرك لاستمرار الإرهاب؟ أعتقد أن إمداد شبابنا - المغرر بهم - بمزيد المفاهيم المغلوطة عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى كمفهوم الخلافة والجهاد والدولة فى الإسلام والجزية هى الأسس الرئيسية لاستمرار الإرهاب، لأن هؤلاء الشباب ضحايا فكر متطرف، كما أعتقد أن مؤتمر الأزهر الأخير كان المعول الأول لهدم الكيانات الإرهابية، وقد صحح المؤتمر كل هذه المفاهيم وكشف تزييف هؤلاء الإرهابيين لمعانيها ودلالاتها، كما هدف المؤتمر إلى قطع الصلة بين أفعال هذه الجماعات والديانات السماوية والأعراف الإنسانية، وإقناع العالم بأن الإرهاب خطر على الجميع حتى على من يصنعونه ويدعمونه، والمؤتمر حق العديد من أهدافه ووصل رسائل جيدة للداخل والخارج، ستزداد فى الأيام المقبلة بعد أن تحولت التوصيات إلى خطط تنفذ على الأرض الآن بالتعاون مع عدة وزارات، وبعد أن تصل بحوثه التى صدر الجزء الأول منها إلى الناس فى الداخل والخارج. هل الأزهر شريك فى « هيئة ضمان جودة الدعوة » التى أسستها دولة الكويت؟ عرض علينا أمر هذه الهيئة وفى البداية ظننا أن وزارة الأوقاف الكويتية هى من أسسها وطلبوا منا ترشيح اثنين لينضما إلى الأستاذ الدكتور محمد أبو هاشم، نائب رئيس الجامعة، الذى كان قد قبل منصب نائب رئيس الهيئة، وفى أثناء زيارتى إلى دولة الكويت تبين لى عكس ذلك، وأعلن من قبل الهيئة أننى عقدت اجتماعا معهم وأن الأزهر هو مرجعية هذه الهيئة ومقرها بروكسل فنفيت ذلك فى حينه فلم يكن هناك أى اجتماع وإنما تبادل بعض الكلمات مع الدكتور عادل الفلاحى وكيل وزارة الأوقاف الكويتى وأمين الهيئة الدكتور عثمان، وأبديت بعض الملاحظات عليها، وبعد عودتى أبلغت الإمام الأكبر بما علمت فقرر قطع صلة الأزهر بها، وطلبت من الدكتور أبو هاشم الاعتذار عن عضويتها، وأبلغت سفير دولة الكويت فى القاهرة وكذا المسئولين فى وزارة الأوقاف بالكويت أن الأزهر لا صلة له بهذه الهيئة. ماذا عن جهود لجنة المصالحة التى شكلها فضيلة الإمام الأكبر برئاستك؟ لجنة المصالحة تحقق نجاحات كبيرة بحمد الله، فبعد الصلح الكبير فى أسوان عن ثمانية وعشرين قتيلا، وفقنا الله فى إنهاء خصومتين فى سوهاج فى إحداهما أحد عشر قتيلا والثانية عن قتيل واحد ونعمل على عدة خصومات فى الصعيد سيتم بإذن الله يوم الأربعاء والخميس المقبلين الاحتفال بإنهاء اثنتين منها فى سوهاج أيضا، ولنجاحات اللجنة وإنهاء العديد من الخصومات وردنا طلب من مسيحيين بالمنيا بينهم خمسة قتلى من طرف واحد وقامت اللجنة بالفعل فى الأسبوع الماضى بزيارة تمهيدية ونأمل فى أن نوفق فيها. ولماذا لم نسمع عن نشاط اللجنة فى وسائل الإعلام ؟ لأن الإعلام لا يهتم كثيرا بهذا الأمر مع أنه فى غاية الأهمية فمظاهر الحياة تكاد تتوقف فى الأماكن التى بها هذه الخصومات وكأنها مناطق مهجورة، وقد شاهدنا ذلك بأعيننا فى أسوان ومناطق أخري،وبعد المصالحة تدب الحياة ويخرج الناس إلى أعمالهم وأرزاقهم. ما هى حقيقة التعاون بين الأزهر ووزارة الموارد المائية؟ وزارة الرى أعلنت حملة لحماية نهر النيل وهى فى غاية الأهمية، وقام وزير الرى بزيارة الإمام الأكبر الذى وقع على وثيقة النيل،وفى العاشر من هذا الشهر يوقع بروتوكولا للتعاون مع وزير الري،تعقبه ندوة كبرى فى قاعة مؤتمرات الأزهر أحاضر فيها مع معالى الوزير بالإضافة إلى فضيلة مفتى الجمهورية وبعض الخبراء عن أهمية مياه النيل ووجوب استعادة نقائها والمحافظة عليها، ثم نعلن انطلاق حملات دعوية وتنظيم ندوات بالمحافظات على ضفاف النيل بالاشتراك بين وعاظ الأزهر وخبراء من وزارة الرى لدعم هذه الحملة المباركة.