القوات المسلحة تحتفل بتخريج دفعات جديدة من المعاهد الصحية    محافظ أسيوط يتفقد مدرسة النيل المصرية الدولية فرع أسيوط الجديدة    في مؤشر التأثير العلمي.. «المنوفية» التاسعة محليا و28 أفريقيا    البورصة المصرية| تباين أداء المؤشرات بمنتصف التعاملات    ضبط 90 كيلو لحوم وكبدة غير صالحه للاستهلاك الآدمي بأسيوط    «المشاط» تستعرض برنامج الإصلاح الاقتصادي أمام بنك جي بي مورجان و75 شركة عالمية    حزب الاتحاد يؤكد على عمق العلاقات المصرية الصينية    لبنان .. ميقاتي يكشف عن إجراء جديد للجيش بسبب العدوان الإسرائيلي    ماكرون: فرنسا ستقدم مساعدات إنسانية للبنان بقيمة 100 مليون يورو    السفير زيد الصبان: الجامعة العربية لعبت دورا هاما في منع تفكيك السودان والصومال    مشاركة «بنزيما»| تشكيل اتحاد جدة المتوقع لمواجهة الرياض    آينتراخت فرانكفورت يستقبل ريجاس فوتبولا في الدوري الأوروبي    ليس فرد أمن.. إعلامي إماراتي يكشف مفاجأة عن هوية صاحب التيشيرت الأحمر    سيارة ملاكى تنهى حياة شاب بالصف    ضبط مالك محل ريسيفرات معدة لفك الشفرات في القاهرة    السجن المشدد 5 سنوات لعاطلين في الشروع بقتل سائق توك توك وسرقته بالمطرية    مواصفة امتحان الشهر فى مادة العلوم للمرحلة الابتدائية    إقبال كبير على جناح وزارة التضامن بالمؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية.. صور    الجونة السينمائي يستبدل فيلم افتتاح ويعرض "الرجل الذي لم يستطع أن يبقى صامتًا"    ختام مهرجان الموسيقى العربية .. نفاد تذاكر الحفل الضخم للمطربة مي فاروق    محمد محمود عبدالعزيز وشيماء سيف ضيوف «صاحبة السعادة»    تفاصيل استخدام الذكاء الاصطناعي في مهرجان الموسيقى العربية    تحرك عاجل من نقابة المهندسين لمنع هدم مقابر الإمام الشافعي    عمرو قنديل يبحث مع نائب وزير صحة بنما التعاون المشترك بالقطاع الصحي    مستشار رئيس الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء: مليون شخص يدخلون سوق العمل سنويا    ندوات توعية حول ترشيد المياه في إطار مبادرة (بداية) بمطروح    ضبط تشكيل عصابي لسرقة الأسلاك الكهربائية من الشقق بمدينة 15 مايو    الأرثوذكسية تحتفل بذكرى تأسيس أول كنيسة قبطية في هولندا    لمواليد برج العذراء.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر 2024    جامعة حلوان تنظم المهرجان التنشيطي للأسر الطلابية    جامعة قناة السويس تحتفل بذكرى انتصارات أكتوبر (صور)    تعرف على طاقم تحكيم مباراة الأهلي والزمالك    تعليق شوبير على تصريحات عامر حسين بشأن تغيير شكل كأس مصر    جيرارد: صلاح مهووس باللعبة.. أتحدث عنه باستمرار.. وأتمنى بقاءه    كولر يعقد محاضرة للاعبين قبل التوجه لملعب مباراة السوبر    تعاون مع الأمم المتحدة لمواجهة الجرائم البيئية    تداول 55 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحرالأحمر    الأمم المتحدة: تضاعف عدد القتلى من النساء فى النزاعات المسلحة خلال 2023    وزير الصحة يتابع استراتيجيات تحقيق العدالة الاجتماعية والنمو الشامل في مؤتمر السكان 2024    التأمين الصحي بالقليوبية يحتفل باليوم العالمي لنظافة الأيدي بمستشفى بنها النموذجي    الكشف على 168 مواطنا بقافلة طبية بقرية ميت الحوفين في بنها    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بقرية ميت الحوفيين ضمن مبادرة "بداية".. صور    مهمة جديدة في انتظار شيكابالا داخل جدران الزمالك بعد أزمة الثلاثي    تكليف 350 معلمًا للعمل كمديري مدارس بالمحافظات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 24 أكتوبر 2024 في المنيا    اعتقال 200 فلسطيني من مخيم جباليا شمالي قطاع غزة    نيقولا معوض يخدع ياسمين صبري في ضل حيطة    هل يجوز الكذب عند الضرورة وهل له كفارة؟.. أمين الإفتاء يوضح    بدائل الشبكة الذهب للمقبلين على الزواج.. خيارات مشروعة لتيسير الزواج    تجديد حبس فني تركيب أسنان قام بقتل زوجته وألقى بجثتها في الصحراء بالجيزة    الأحد.. هاني عادل ضيف عمرو الليثي في "واحد من الناس"    خبير عن تطرق البيان الختامي ل " البريكس" للوضع في الشرق الأوسط: رسالة للجميع    خالد الجندى: سيدنا النبى كان يضع التدابير الاحترازية لأى قضية    الكيلو ب 73 جنيه.. تعرف على أسعار الفراخ البيضاء اليوم الخميس    فيديو مرعب.. لحظة سرقة قرط طفلة في وضح النهار بالشرقية    ميقاتي: لبنان مستعد لتنفيذ القرار 1701 فور وقف إطلاق النار    تهنئة بقدوم شهر جمادى الأولى 1446: فرصة للتوبة والدعاء والبركة    جامعة الأزهر تكشف حقيقة شكاوى الطلاب من الوجبات الغذائية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حتى لاننسى عصفور .. القيمة والقامة
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 03 - 2015

سأله شاب نابه من كلية العلوم السياسية سؤالًا ذكياً ، في ختام المؤتمر الصحفي عقب افتتاح مهرجان الإسكندرية الدولي للكتاب ، فقال له : " لماذا يامعالي الوزير لايتقبل شباب اليوم الفكر التنويري بسهولة ؟!" فجاءت إجابته سريعة قاطعة وحاسمة : "لأن الاستبداد السياسي سبب توغل الإخوان في حياة المصريين ، مما خلق حالة مستفزة من التعصب الديني ، استفحلت حتى وصلت الآن إلى الإرهاب !!"

واستطرد : " وهل تعتقد أن الدولة اختارتني لسواد عيوني ، بالعكس مخطئ من يعتقد ذلك ، فقد جئت لهدف واحد فقط ، وعملت على تنفيذه بشتى الطرق ، وهو التنوير ، الذي وضعت لبنته ، ليسير عليه اللاحقون من بعدي " .

من أول يوم تولى فيه منصب الوزير ، حمل عصفور على كتفيه تركة ثقيلة من الفساد والروتين والإرهاب ، لكنه تحملها بجسارة ، ودأب ، رغم انتقاد كثيرين لشخصه ، وسبح في الماء الراكد بقوة ، على مركب التنوير الذي قاده بنفسه ، وحدد مساره للآخرين من رؤساء القطاعات ، فساروا خلفه .

ولأنه تولى المنصب في ظروف عصيبة ، تتعرض فيها البلاد لموجة عاتية من الإرهاب المنظم ، فكانت المسيرة الثقافية صعبة للغاية ، لكنه قادها بمنتهى الاقتدار ، مستخدماً كل ملكاته الشخصية ، وخبرة الزمن الطويل التي أفناها في محراب الثقافة أستاذاً أكاديمياً ، وناقداً مرموقاً ، وعالماً فذاً يشار إليه بالبنان ، كأحد أكبر المفكرين في الوطن العربي بأسره .

لملم شتات الثقافة المصرية ، وأرسى لها سياسة محددة ، تقوم على التعاون المشترك ، مع باقي وزارات الدولة ، من خلال إبرام عدة بروتوكولات ، ذات أهداف وطنية محددة ، لأول مرة في تاريخ الوزارة ، وكلها تحت مظلة الدولة ، بقيادة السيسي ، فدفع بقارب الثقافة بقوة في مسيرة مصر نحو الدولة المدنية الحديثة ، القائمة على العدالة المجتمعية ، وحرية الرأي ، واحترام الآخر ، والمساواة ، والمواطنة .

ورغم أن المسئولية كانت جسيمة ، فإن عصفور اخترق الصعاب ، وحرك المياه الراكدة ، وبدأ تحقيق أصعب مهمة في السنوات العجاف التي تعيشها البلاد، وهي انتشال الوطن من براثن التعصب ، والتطرف الديني ، الذي لم يعرفها قط طوال تاريخه ، فأعاد اللُّحمة بين قطبي الأمة ، وكان مشهدًا إنسانيًّا وطنيًّا رائعًا ، وهو يحضر بنفسه ، وقيادات الثقافة ، وجموع المثقفين ، حفلًا مُبهرًا في بورسعيد لشبابها من المسيحيين ، جنبًا إلى جنب رموز الكنيسة .

وانطلق إلى أبعد مدى ، محاولًا القضاء على المركزية الثقافية في القاهرة ، واحتكار مثقفيها للمشهد ، والوصول بالمعرفة والثقافة والفن ، المغلفة بالتوعية ، والتنوير ، لأعماق القرى ، والمراكز ، في جميع المحافظات ، وخاصة النائية ، والمحرومة، وكذلك العشوائيات في المدن ، حيث الفقراء ، والمساكين ، والأميين ، لإرساء المساواة الثقافية بين جميع فئات المجتمع ، ونجح في ذلك بمجموعة من القوافل الثقافية ، والمتحف الجوال ، فضلا عن مشاريع التطوير والتحديث التي غطت المراكز الثقافية ، في ربوع البلاد ، بطولها ، وعرضها ، ليعيد دورها القومي المجيد في تاريخ الثقافة المصرية ، في اكتشاف المواهب ، وولادة النوابغ في الريف .

ولم يألُ جهدًا في إحياء الجمال ، من جديد ، في عيون المصريين ، وزرع طاقة الحياة في نفوسهم لمقاومة الحوادث الإرهابية ، بخطط الترميم ، والتطوير ، والصيانة ، للمتاحف العريقة ، كمتحف محمود سعيد بالإسكندرية ، وقصر الأميرة عائشة فهمي ، والجزيرة ، وغيرها ، لترجع ، كسابق عهدها ، منارات للفن التشكيلي ، تذكر الأجيال الجديدة بريادة مصرنا في هذا الفن العريق عربياًا ، وعالميًّا ، وتخلّد ذكرى روادنا الأوائل ، وتحمي تراثنا التشكيلي من سوء الدمار .

وكانت درة افتتاحاته ، التي كللت تعبه ، وسعيه الدؤوب ، بلا كلل أو ملل ، الافتتاح العظيم للمسرح القومي بالعتبة ، الذى عاد ، في أروع وأبهى صورة ، أكبر مركز إشعاع فني في مصر ، وسط فرحة أهل الفن ، والثقافة ، ومن قبلهم الشعب .

ولم ينس عصفور الكتاب ، القيمة الحقيقية للثقافة ، فكانت الدورة السادسة والأربعين من تاريخ معرض القاهرة الدولي للكتاب دورة تاريخية بتنوع وتعدد المشاركين من كل دول العالم ، وثراء اصداراتهم ، وتنوعها في كل المجالات ، وزخم الندوات والعروض الفنية على كل لون ، فكانت وجبة ثقافية فنية ادبية دسمة ، عززها بفتح أكشاك في الجامعات المصرية لبيع إصدارات الوزارة ، وقطاعاتها بأسعار الماضي الزهيدة ، ليخلصنا من "الخريج الأُمِّي" ، وبدأ يعد العدة لافتتاح مركز المعلومات الدولي في وسط البلد ، وتجهيزه بأفخم التجهيزات ، ليصبح أكبر مكتبة في الوطن العربي ، والشرق الأوسط ، ورفع قيمة جوائز المسابقات ، والمهرجانات الأدبية والثقافية الكبيرة كالترجمة ، والشعر ، والرواية ، وأحتضن الأولى ، ليضخ الدماء في شرايين التراجم المصرية ، ويوسع أفق العقل والفكر المصري ، بالاطلاع ، والاستفادة من كنوز المعرفة في كبرى الدول ، ويتعرف من خلالها إلى ثقافاتهم ، لينتج إنسانًا مصريًّا جديدًا متسلحًا بالعلم ، والمعرفة .

طريق إنجازات عصفور طويل ، برغم كل سهام النقد ، التي انهالت عليه ، منذ وضع قدمه في الوزارة ، سواء بقصد أو بدون ، بفهم أو غشم ، لكن يكفيه أنه حاول ، واجتهد ، ونجح ، فيما فشل فيه آخرون قبله ، وكان يدهش كل من حوله بنشاطه العجيب ، وحماسه المذهل ، وطاقته التى لم تتوقف للحظة للعمل ، والإنجاز ، وهو شيخٌ جاوز السبعين ، وأعتقد أن وطنيته الخالصة في الفترة التي قضاها وزيرًا تشفع له أي مساوئ ، فشكرًا جزيلًا عصفور الثقافة على كل ماتحملت ، وأنجزت ، وسنذكرك دومًا بالفخر والإعزاز ، فلم تكن بالنسبة لي نِعْمَ المسئول وحسب بل كنت لي مثل الأب " السند والونس" .. متعك الله بالصحة والعمر المديد لتبقى لنا د. جابر عصفور .. القيمة والقامة .
[email protected]
لمزيد من مقالات ياسر بهيج


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.