"لن أرحل..سأرحل عندما الفظ أنفاسى الأخيرة..فأينما كنت سأكون معكم..شكرا أيها الشعب العزيز".. جاءت هذه الكلمات علي لسان رئيس أوروجواى المنتهية ولايته خوسيه موخيكا الملقب فى دولته ب"بيبى"، والملقب عالميا "بالرئيس الأفقر في العالم" . وذلك أثناء تحيته لشعبه، الذى تجمع بشكل أشبه بالمظاهرات ليودعه ويشكره علي الفترة التى قضاها فى الحكم، والتي كان فيها مثالا لأنزه رؤساء العالم، وليستقبلوا أيضا رئيسهم الجديد. يسعى الرؤساء والحكام، فى غالبية دول العالم لنيل ذلك المنصب، سواء بالتوريث أو الإنتخاب أو الانقلاب، من أجل الحصول علي السلطة والنفوذ والسيطرة على إقتصاد وموارد دولهم، الأمر الذى قد يغريهم لسلك طريق الفساد والتربح، وقد يصل الأمر إلى التجاوز السياسي بالتلاعب فى الدستور والتغيير فى مواده لضمان الإستمرار فى المنصب لأطول فترة ممكنه. أما ما حدث في الأوروجواى فمناقض لذلك تماما فبعد ان قضي الرئيس السابق موخيكا فترته الرئاسية (2010_2014)، فإنه طبقا لدستور الأوروجواي لايمكنه الحصول على ولاية أخرى، مما جعل عددا كبيرا من شعبه يطالبونه بتغيير مادة الدستور ليتمكن من الحصول علي ولاية أخرى، إلا أنه رفض حفاظا على هيبة الدولة والدستور والقانون، وبعد فوز الرئيس الجديد تاباريه فازكيز في الإنتخابات الرئاسية التى أجريت في نوفمبر الماضى، بنسبة 53,6 ٪ من الاصوات، خرج موخيكا الأسبوع الماضى ليكون بجانب فازكيز فى حفل تنصيبه، وليسلمه مقاليد الحكم والإبتسامة تملاء وجهه، ويعد موخيكا واحدا من الرؤساء القلائل الذين يتمتعون بشعبية وكاريزما لا تضاهى، منذ توليه السلطة وحتي خروجه منها، فقد أثبتت أحدث الإحصاءات أن نسبة مؤيديه تتجاوز ال60%. وبالرغم من أنه لم يستطع أن يفى بكل وعوده التى تعهد لها أثناء حملته الانتخابية، والتي كانت تخص البنية التحتية والصحة والتعليم، إلا أنه استطاع وضع حد للعديد من المشاكل بإقرار سلسلة قوانين إجتماعية رائدة، كما إستطاع خلال السنوات الخمس الماضية أن يقلل نسبة الأفراد الذين يعيشون تحت خط الفقر من 39 % لتصبح 11 % فقط. ويعود حصول موخيكا على لقب "أفقر رئيس في العالم" لحياته التقشفية بعيدا عن ترف الرؤساء، وذلك بعد أن تخلي عن القصر الرئاسى وعاش فى منزله المتواضع فى إحدى ضواحي العاصمة، ولم يدخر أو يمتلك أى شىء سوى سيارته الشهيرة التى تعود لعام 1987، كما أنه كان يتبرع ب 90 % من راتبه، الذى يبلغ 12ألف دولار، لصالح الأعمال الخيرية، ومنها المساهمة في بناء منازل للشباب، ، وذلك طبقا لما تذكره الصحف. أما تابارى فازكيز، رئيس الأوروجواى الجديد، فليست تلك هي الولاية الأولى له بل شغل هذا المنصب سابقاً في الفترة من 2005 – 2010, بل كان فوزه آنذاك مفاجأة، لأنه كان أول سياسى من الأحزاب اليسارية يفوز بهذا المنصب وكانت أولى الخطط الاقتصادية التى لجأ إليها فازكيز من اجل تسديد الديون، هى وضع مشروع قانون لفرض ضريبة الدخل على المواطنين العاديين، وقد كان ذلك المشروع هو الأكثر إثارة للجدل في البلاد. ومع بدء حدوث تذمر بين صفوف الشعب أثر تلك السياسة، لجأ فازكيز لوضع ميزانية تقدر بنحو 100 مليون دولار لدعم برنامجى المساعدات الغذائية والرعاية الصحية. ورغم أن فازكيز، طبيب الأورام، من مؤيدى تقشف خوسيه بل كان ينتقد أسلوب حياته وملابسه التى يراها لا تليق برئيس دولة، وبالرغم من ذلك فإن أول ما قام به فى حفل تنصيبه هو جلب أول سيارة قام بشرائها، والتى تعود للخمسينيات ليركبها هو ونائبه اثناء مرورهما بالجماهير. فهل سيقع فازكيز في مأزق المقارنة بينه وبين سلفه ؟؟ أم سيأخذ منه قدوه ليحصل على مثل شعبيته؟ أم سيكون له توجه أخر يتفوق به.