لم يكن الوصول إلى المقعد الوثير فى القصر الأبيض أو استعادة إرث الخلافة العثمانية هو طموح الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، إذ أن السلطان رجب كما يطلق عليه أنصاره يبدو طامحاً فى استيراد أنموذج العائلات الحاكمة على غرار عائلة بوش وأسرة كلينتون فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وباباندريو فى اليونان، وغاندى فى الهند. وأصبح توجه أردوغان نحو اللحاق بقطار العائلات السياسية أكثر وضوحاً لتثبيت طموحاته السلطوية وغرس مخالبه فى جسد المجتمع والإمساك وحده بمفاصل الدولة، وكان بارزاً،هنا، التستر على فضائح الفساد التى تورط فيها نجله بلال فضلا عن إصراره على استئصال الداعية المعتدل وحليفه السابق فتح الله غولن باعتباره متهما بزعامة منظمة إرهابية، ومطلوبا للعدالة التركية بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم ناهيك عن المضى قدماً نحو تسوية الأزمة الكردية. ويهدف أردوغان منذ زمن إلى بناء عائلة سياسية أقرب إلى الملكيات العربية منها إلى بيوت الحكم فى العالم الغربي، لذا دفع مقربين منه للترشح إلى الانتخابات، ومن بينهم ابنته سمية التى تعمل مستشارة له منذ سنوات، الأمر الذى فتح الباب واسعاً أمام سيناريو توريث فى تركيا، وزاد زخم هذا السيناريو مع الحضور اللافت لسمية فى كل المناسبات الرسمية والمهمة ناهيك عن تصدر أنشطتها وفعالياتها فى أحيان كثيرة نشرات التليفزيون الرسمي. وعلى خطى جمال مبارك تسير سمية أردوغان، فكما كان الأول مستشاراً متطوعاً لوالده ظلت سمية تعمل كمستشارة دون أجر لوالدها طيلة أربع سنوات عندما كان رئيساً للوزراء. ومثلما كان جمال مبارك من أبرز الشخصيات المؤثرة فى الحزب الوطنى قبل ثورة 25 يناير باعتباره رئيس لجنة السياسات، تظل «سمية» من أبزر النساء المؤثرات ذات الخلفية والخبرة السياسية المؤثرة فى حزب العدالة والتنمية كونها عضواً فى لجنة السياسات الخارجية. وكما أدى الصعود السريع لجمال مبارك الابن الأصغر وظهوره القوى على الساحة السياسية، لأن يصبح اسمه متداولا كخليفة محتمل لوالده على رأس الحزب ومرشحه للانتخابات الرئاسية، لفتت زسميةس الأنظار إليها كونها البنت الصغرى للرئيس التركى التى لازمت والدها فى مناسبات وزيارات سياسية كثيرة. ورغم أن جمال مبارك لم يكن ذا صفة سياسية فى الحكومة أو نائباً برلمانياً فإنه ظل فى صدارة المشهد النيابى والحكومى أو على الأقل ضمن مكوناته، وهو الحال نفسه للسيدة سمية أردوغان التى لم تكن لتفوت حضور اجتماعات نواب الحزب، رغم أنها ليست نائباً، كما كانت تحضر اجتماعات سياسية داخلية. على صعيد ذى شأن حظى جمال مبارك بدعم من وراء ستار من عدد معتبر من رجال الأعمال ورموز الحزب الوطنى الحاكم آنذاك لتمرير مشروع التوريث وخلافة والده، وتجلى ذلك فى تسويق الابن إعلاميا وتصدير صورة ذهنية مغايرة له باعتباره يحمل بين جنباته ملامح الأصالة والمعاصرة، وهو الحال ذاته مع سمية أردوغان التى قال عنها نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركى سليمان صويلو، السياسة مرتبطة بالجينات، ويمكن أن تنتقل من الآباء إلى الأبناء، إنها مسألة تمثيل لعهد، فرئيسنا أردوغان هو جزء من السياسة النشطة بوصفه رئيس السلطة التنفيذية، ولكن من الجميل أن تتقدم سمية لترشيح نفسها فى الانتخابات البرلمانية. طموح الرئيس التركى أردوغان وحرصه على البقاء فى صدارة المشهد لا يعرف حدوداً، لذلك قرر أن يقود الحملة الانتخابية المقرر لها يونيو المقبل لحزب العدالة والتنمية جنباً إلى جنب مع الدفع بمقربين منه للترشح، ومن بينهم ابنته سمية ورئيس الاستخبارات هاكان فيدان. وفى طريقه ربما إلى ترسيخ حكم العائلة، أطاح برفيق كفاحه وصديقه المقرب عبدالله غول الذى أبدى امتعاضه من سياسات أردوغان ثم اتهام صديقه القاضى هاشم كيليشين رئيس المحكمة الدستورية بالخيانة حين ذكره بوعده بتغيير العتبة الانتخابية التى تفرض على الحزب الحصول على 10% من الأصوات لضمان التمثيل فى البرلمان. لكن الباب يفتح واسعاً أمام تساؤل مهم، حول مضى الرئيس التركى بأريحية نحو بناء عائلته السياسية رغم تعالى أصوات معارضيه والاحتجاجات التى كشفتها أحداث تقسيم وتصاعد المشهد الكردى رداً على تلكؤ أنقرة فى دعم عين العرب «كوباني». فالرئيس التركى ما زال يحظى بشعبية كبيرة فى أوساط قطاعات واسعة من الأتراك، ولعل ذلك مبعثه نجاحاته فى إحداث نقلة نوعية فى الاقتصاد التركى رغم العثرات التى يشهدها اليوم بعدما فقدت أنقرة عددا كبيرا من الأسواق العربية وتوتر علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي. وثانيهما قطع شوط معتبر على صعيد إنهاء القضية الكردية التى راح ضحيتها نحو 45 ألف قتيل، وهى الأزمة التى تقض مضاجع أنقرة وزادتها لسنوات انغماسا فى همها الداخلي. ويرتبط السبب الثالث بعزف أردوغان على أمجاد الماضى العثمانى وتسخين المشاعر الدينية وسط مجتمع يميل أكثر من نصفه إلى المحافظة، ولذلك عمل على إقرار تدريس اللغة العثمانية فى المدارس التركية ناهيك عن ارتفاع موازنة رئاسة الشئون الدينية التى تتجاوز 5.5 بليون ليرة تركية (نحو 2 مليار دولار). خلف ما سبق يراهن أردوغان فى بناء عائلته السياسية التى ربما تسمح للسيدة سمية بالوصول إلى مقعد أبيها الوثير فى الرئاسة على تراجع المعارضة التى تتخندق خلف هويتها الأيديولوجية وتتحصن وراء نسق القيم والأفكار على حساب البنية التحتية التى تتعلق بالآثار الاقتصادية والاجتماعية وقضاء الواقع التركي. لمزيد من مقالات كرم سعيد