تكفل الدولة للأفراد حقهم في العلاج بوصفه من الحقوق الاجتماعية، التي يتمتعون بها طبقا لنصوص الدساتير المتعاقبة، وحينما صدر القانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية، تضمنت المادة 92 منه أن " وزير العدل ينظم بقرار منه بعد موافقة الهيئات القضائية الخدمات الصحية والاجتماعية لرجال القضاء والنيابة وشروطها "، ثم صدر القانون رقم 36 لسنة 1975 بإنشاء صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية. وجاء بالمذكرة الايضاحية لهذا القانون كما يوضحها المستشار الدكتور مدحت سعد الدين نائب رئيس محكمة النقض قائلا " إنه لما كان العمل القضائى بطبيعته من الأعمال المضنية التى تعرض القائمين بها للاصابة نتيجة الجهد المتصل والارهاق الذهنى الشديد، حتى أصبح المرض من المخاطر المألوفة لمهنة القضاء، ومن ثم فقد حرص المشرع على توفير الرعاية الصحية لرجال القضاء "، ونشأ بمقتضى نصوص القانون المشار إليه صندوق بوزارة العدل أصبحت له الشخصية الاعتبارية وخصصت له الدولة الموارد اللازمة لتمويل وكفالة الخدمات الصحية والاجتماعية للأعضاء الحاليين والسابقين وأسرهم بشرط سداد الأعضاء الاشتراكات المقررة فى الصندوق، وفرض رسم خاص أمام المحاكم يعادل نصف الرسوم القضائية المقررة فى جميع الأحوال ويكون له حكمها وتؤول حصيلته إلى الصندوق، ويعفى نشاط الصندوق وكافة الخدمات التى يقدمها من جميع أنواع الضرائب والرسوم طبقا للقانون. من أجل ذلك صدر قرار وزير العدل رقم 1866 لسنة 1987 بصرف مبلغ سنوى مقابل الدواء لأعضاء الهيئات القضائية، وأصبح يصرف بانتظام شهريا من هذا التاريخ مع مرتب القاضي. ولما كان استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية يستوجب أن تكون شئون القضاة جميعها فى أيديهم وحدهم، ولايجوز طبقا لنصوص الدساتير المتعاقبة أن يكون لرجال السلطة التنفيذية أوغيرها التدخل فى هذه الشئون، فقد بات لزاما إلغاء النصوص التى تفرض إشراف غير القضاة أوتدخلهم فى شئون القضاء أوالنيابة المنصوص عليها فى قانون السلطة القضائية وسائر التشريعات المنظمة لتلك الشئون، بما فيها القانون رقم 36 لسنة 1975 بإنشاء صندوق الرعاية الصحية والاجتماعية، إذ يتداول بين رجال القضاء الآن بيان من مجلس إدارة صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية الذى يقوم وزير العدل بتعيين أعضائه ويأتمرون بتعليماته جاء به أن السلطة التنفيذية ممثلة فى وزيرى المالية والعدل قام أولهما بإصدار قرار باستقطاع نسبة 25% من موارد صندوق الرعاية الصحية والاجتماعية لصالح حساب موحد للصناديق بالدولة، رغم أن نصوص قانون إنشاء صندوق الرعاية الصحية للهيئات القضائية خلت من أى سلطة لوزير المالية فى شأن إدارته، بل وأعفت موارد الصندوق من جميع الضرائب والرسوم. تدخل من السلطة التنفيذية ما سبق يمثل تدخلا سافرا من السلطة التنفيذية فى شئون رجال القضاء، فضلا عن أن مجلس إدارة الصندوق المعين بقرار من وزير العدل قد أهاب برؤساء الهيئات القضائية أن يدخل بدل الدواء فى ميزانية رجال القضاء بدءا من شهر فبراير 2015 زعما بأن لائحة النظام الأساسى للصندوق تعطى الحق للمجلس الأعلى للهيئات القضائية أن يوقف مؤقتا صرف المبلغ الشهرى الإضافى كله أوبعضه للمستفيدين فى أى وقت، مع أن لائحة الصندوق خلت مما يفيد امكانية وقف الميزات المقررة به إلا فى حالات محددة على سبيل الحصر، وأضاف البيان أنه على كل جهة تدبير المورد اللازم لذلك، بما يعنى اقتطاع جزء من مرتب رجال القضاء معفى من الضرائب والرسوم بدون وجه حق، وهو تدخل سافر آخر من وزير العدل المكلف بتدبير موارد للصندوق الذى يتقاضى منه القضاة جزءا من رواتبهم يتعلق ببدل الدواء، مما يعنى انتقاصا من حقوق رجال القضاء المكفولة بنصوص الدستور والقانون، ويمثل إخلالا بهيبة العدل الذى يكبره القضاة ويعظمون أمره، فيتحرجون فى الحديث عن هذه الأمور ويشتدون على أنفسهم فى التحرج حتى لايكاد أحدهم أن يبيح لنفسه الحديث عن حقوقه الصحية والاجتماعية مع أنها حقوق قانونية كفلها الدستور ونظمها القانون.