فجرت العمليات الإرهابية المكثفة التي نفذتها عناصر تنظيم القاعدة في محافظة أبين جنوب اليمن خلال الأيام الماضية وراح ضحيتها أكثر من130 قتيلا وعشرات الجرحي ونحو56 أسيرا فضلا عن إستلاب عشرات الآليات العسكرية الحكومية أسئلة كثيرة علي الساحة اليمنية لماذا هذا التوقيت بالذات ؟ وهل تتلقي القاعدة دعما لوجستيا وماديا من أطراف المعادلة السياسية اليمنية ؟ وهل يؤثر ذلك علي حالة الوفاق الوطني السائدة بعد إجراء الانتخابات الرئاسية ؟ خبراء ومحللون سياسيون في صنعاء يرون أن تصعيد القاعدة يعد رسالة قوية خاصة وهي تستحوذ علي مناطق متعددة قرب مسقط رأس الرئيس الجديد عبدربه منصور هادي في محافظة أبين, والبعض الآخر يري أن إشتعال المواجهات عملية مخطط لها من قبل قوي داخلية قد تكون متضررة من حركة التغيير لإلهاء القوي السياسية عن تنفيذ إستحقاقات المرحلة الإنتقالية وإستثمار وجود القاعدة في تطويل عمر قيادات عسكرية يجب أن يطاح بها في عملية إعادة هيكلة الجيش. والأهم في كل ذلك أن عناصر تنظيم القاعدة نفذت تهديداتها للحكومة اليمنية بعد أن أمهلتها عشرة أيام لإخراج الجيش من مدينة زنجبار التابعة لمحافظة أبين, وإستطاعت القاعدة المعروفة في جنوب اليمن ب أنصار الشريعة أن تخلط الأوراق وتهدد عرش الرئيس الجديد أو علي الأقل تضعه في أول إختبار صعب لحماية أمن وإستقرار اليمن. القاعدة إحتفت بتنصيب الرئيس عبدربه منصور هادي علي طريقتها, فقد نفذت أثناء أدائه اليمين الدستورية تحت قبة البرلمان تفجيرا انتحاريا استهدف القصر الرئاسي بمدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت وأدي إلي سقوط21 جنديا من قوات الحرس الجمهوري إلي جانب عدد آخر من المواطنين وكأن تنظيم القاعدة قد أراد بذلك العمل الإرهابي وفي هذا التوقيت تحديدا إيصال رسالة لجميع الأطراف داخل اليمن وخارجه من أن حركته لن تتأثر بالتغيير الذي شهدته الساحة اليمنية. الرئيس اليمني الجديد عبدربه منصور هادي توعد في أول رد فعل علي عمليات أبين باستئصال تنظيم القاعدة من محافظة أبين وغيرها من مناطق اليمن, مؤكدا أن المواجهة القوية ستستمر حتي دحر آخر إرهابي. لكن هادي الذي كان يتحدث إلي وزير بريطاني زار صنعاء لبحث دعم الحكومة الإنتقالية, أشار إلي المشكلات الاقتصادية التي تعتبر من ابرز أسباب انخراط البعض من المغرر بهم في تنظيم القاعدة, لافتا إلي أن هذا التنظيم إستغل الأوضاع المتأزمة في اليمن ودفع بقيادات وعناصر من مختلف الدول العربية والإسلامية إلي بعض المناطق وخصوصا محافظة أبين بهدف إعلان إمارة إسلامية هناك وتمت مواجهته بكل قوة من قبل الجيش واللجان الشعبية والمواطنين الشرفاء ومني بخسارات فادحة. عمليات متوقعة ويعتبر الخبير في شئون الجماعات الإرهابية سعيد عبيد الجحمي توسيع القاعدة عملياتها الإرهابية بأنه أمر متوقع بعد تولي هادي رئاسة البلاد لإدراكها أن الحرب ضد الإرهاب في هذه المرحلة لن تكون كسابقاتها حربا مزورة وحرب مصالح, بل إنها ستكون حربا صادقة وجدية لتصفية الإرهاب. ورأي الجحمي أن خطاب الرئيس هادي بعد أدائه اليمين الدستورية في البرلمان الذي أكد فيه أن الحرب علي الإرهاب دينية ووطنية, لم يكن معهودا لدي القاعدة التي يعرف عنها محاربة الآخرين دينيا ولاتريد استئثار الآخرين بهذه الميزة. وقال الجحمي إن النظام السابق تهاون مع القاعدة وتركها حتي استأسدت واستولت علي الكثير من الذخائر والأسلحة وأصبحت زنجبار مدينة قاعدية في أبين, مؤكدا أنه كلما تأخرت الحرب ضد القاعدة صعبت مواجهتها. أما رئيس مركز مدار للدراسات بصنعاء الدكتور فضل الربيعي فيري أن ما حصل في أبين جاء في وضع مهم جدا يمر به اليمن مع عملية الانتقال السلمي للسلطة وتوجهات الرئيس هادي لمحاربة القاعدة وحركة التعيينات والتغييرات, سيما التي حدثت في محافظة عدن أخيرا. وقال الربيعي إن العملية قد تكون رسالة تم التحضير لها بالتزامن مع قرب عملية هيكلة الجيش والأمن وأرادت قوي معينة فرض وجودها علي الأرض لتعيد النظر في مسألة الهيكلة أو استغلال الفراغ لمحاولة سيطرتها علي الواقع. وأشار الربيعي إلي أن غموضا مازال يكتنف العلاقة بين السلطة وتنظيم القاعدة في اليمن وخلال الأشهر الماضية لم تتضح للمتابع أبعاد هذه العلاقة وتفاصيلها, مشيرا إلي أن العملية تأتي بمثابة رد علي توجهات الرئيس وإن هناك أطرافا محتملة لا تريد للبلد المرور بسلام, قد تلعب مثل هذه الأوراق ومثل هذه الأحداث. وأعرب في الوقت ذاته عن خشيته من أن تكون هذه اللعبة مقدمات لتصارع قوي إقليمية ودولية علي الساحة اليمنية. من جانبه يؤكد الأمين العام للمجلس الثوري بمحافظة أبين عبد العزيز الحمزة أن من وصفهم ببقايا النظام هم من يبعث أوراق القاعدة والحوثيين, وعزا ما حدث في أبين إلي أنه بمثابة انتقام من عملية نقل السلطة وبعد أن أصبحت واقعا إلي جانب عملية هيكلة الجيش التي تمثل استحقاقا أمام القيادة السياسية للبلد, حيث تصب في مجري عرقلة تنفيذ باقي بنود المبادرة الخليجية. اتهامات متبادلة وكالعادة في اليمن هناك في كل الأحداث والتطورات مواجهات إعلامية وسياسية وإتهامات متبادلة بين أطراف مختلفة علي الساحة, ومن بينها المسئولية عن توسع وزيادة عمليات القاعدة. وتتركز الإتهامات بين أنصار الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح من جهة, وأنصار الثورة الشبابية والمعارضة من جهة أخري, فبينما تحدثت وسائل الإعلام الموالية لحزب المؤتمر الشعبي العام عن مشاركة عناصر إصلاحية تنتمي إلي الإخوان المسلمين في الحرب مع تنظيم القاعدة, إتهمت عناصر معارضة ما تسميهم بقايا النظام وقيادات عسكرية محسوبة عليه بتسليم معسكرات الجيش لقمة سائغة إلي القاعدة. ويتهم اللواء متقاعد أحمد منصور الصومعي صراحة اللواء مهدي مقولة القائد السابق للمنطقة العسكرية الجنوبية التي تقع أبين ضمنها ونائب رئيس الأركان للقوي البشرية حاليا بأنه تسبب في قتل جنود اللواء31 مدرعوأنه سلم اللواء إلي تنظيم القاعدة وأنهي سلاح الردع وسلم دبابات وذخائر وعتاد إليه. وإستغربت مصادر الجيش المساند للثورة اليمنية ما أسمته محاولة الربط بين الاهتمام الاعلامي لمواقع المؤتمر الشعبي بأخبار القاعدة والتذكير بخطرها وفي نفس الوقت التذكير ببطولات الحرس الجمهوري الذي يقوده نجل الرئيس السابق في إبطال كل مؤامرات القاعدة. وتذكر هذه المصادر بمقولة للرئيس السابق علي عبد الله صالح في مايو الماضي عندما بدأ المجتمع الدولي يضغط عليه بأن يتنحي من منصبه ويترك السلطة استجابة لمطالب الشعب اليمني: إن تنظيم القاعدة سيبسط سيطرته علي أجزاء كبيرة من شبه الجزيرة العربية في حال تنحيه عن منصبه بموجب المبادرة الخليجية. وإذا سقط النظام, فستستولي القاعدة علي مأرب وحضرموت وشبوه وأبين والجوف, أي أنها ستسيطر علي الوضع. أما مصادر حزب المؤتمر الشعبي العام فقد تحدثت عن قتل اثنين من أمراء تنظيم القاعدة في زنجبار في مواجهات أبين الأخيرة بالإضافة إلي محمد الحنق أمير تنظيم القاعدة بمنطقة أرحب وشقيق القيادي الاخواني والنائب البرلماني عن كتلة التجمع اليمني للإصلاح عن مديرية أرحب منصور الحنق. وكشفت مصادر المؤتمر الشعبي عن إنشاء معسكر تدريبي في منطقة زندان بمديرية أرحب وهي مسقط رأس الشيخ عبد المجيد الزنداني الزعيم الديني المعروف يضم300 من عناصر تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية تلقوا تدريبات مكثفة علي مختلف أنواع الأسلحة بما فيها صواريخ وقذائف الآر بي جي وتنفيذ العمليات الهجومية باستخدام دراجات نارية وسيارات مكشوفة ضد أهداف ثابتة ومتحركة وطريقة زرع العبوات الناسفة.