انتقدت الكاتبة نوال السعداوي غالبية نقاد الأدب بسبب عدم امتلاكهم الفكر الثائر ، ووصفت كتاباتهم بأنها تدور في فلك النظريات النقدية التقليدية. وأضافت السعداوي، في حوارها مع »الأهرام«, أن فكرها الثوري ساعدها علي كتابة الأدب الثائر ، نافية مقولة إن نوال المفكرة ظلمت نوال الأديبة. نوال السعداوي, التي يصل عدد مؤلفاتها إلي 56 مؤلّفا ترجم بعضها إلي 40 لغة, تري أن مجتمعنا يشهد ردة تعليمية وثقافية ، ولكنها علي يقين بأن أهداف ثورة 25 يناير ستنتصر عاجلا أم آجلا . في السطور التالية حوار معها ، لن نعدم فيه - كما هي دائما - صراحتها وجرأتها التي يرضي عنها قوم ، ويسخر منها آخرون . هل ظلمت نوال المفكرة الثائرة نوال الأديبة ؟ لا لم يحدث هذا، إنها إشاعة كاذبة ، يطلقها بعض نقاد الأدب الموظفين في الحكومات المتعاقبة منذ نصف قرن وأكثر، منذ أن كتبت نقدي الفكري لهذه الحكومات ، التي جرت علي مصر التبعية الخارجية والخراب والفقر والبطالة والدجل والخزعبلات وتحجيب الأطفال البنات تحت اسم الدين والفضيلة,وأتت بالانفتاح والديمقراطية المزيفة وغيرها من المهازل والمآسي. الفكر الثائر يخدم الأدب الثائر, وقد ساعدني علي أن أكتب أدبا ثائرا ،لكن أغلب النقاد والناقدات في بلادنا لا يملكون الفكر الثائر الذي يساعدهم علي النقد الأدبي الثائر الجديد, بل يدورون في فلك النظريات النقدية التقليدية. متي تتحول الرواية من خطاب أدبي إلي خطاب سياسي أو ايديولوجي؟ ومتي يكون الروائي أصدق من المؤرخ؟ الرواية التي تؤثر في عقول وقلوب الناس هي عمل كلي عضوي متكامل الأجزاء ، لا انفصال فيه بين ما هو سياسي أو فكري أو أدبي أو طبي أو اجتماعي أو فلسفي أو إيديولوجي .. الخ. والروائي أو الروائية الصادقة الشجاعة أكثر وعيا وعلما ، وأوسع أفقا ، من المؤرخين والعلماء والفلاسفة والأطباء, وغيرهم من ذوي التخصصات الدقيقة. ليس هناك فاصل بين العلم والفن, أو الطب والأدب, أو السياسة أو الإيديولوجية والفن. هذه الفواصل كلها من موروثات العبودية والفكر التقليدي. الرواية المبدعة الجديدة تتجاوز هذه الفواصل المزيفة. لماذا اخترت اسم «زينة» عنوانا لآخر رواياتك برغم تعدد بطلاتها ؟ ولماذا اخترت النهاية المأساوية لبطلتيها؟ أهو الاعتراف بالفشل في تغيير الواقع ؟ الكاتبة أو الكاتب يختار اسم بطل أو بطلة الرواية كما يشاء ، كما أن زينة هي أكثر الشخصيات بطولة وحضورا في روايتي هذه. والنهاية المأساوية لا تعني الفشل ، بل العكس صحيح أحيانا ، وكثيرا ما تقتل أو تموت البطلة أو البطل لكن القضية تظل حية ، لا تموت القضية بل تعيش أكثر وأكثر. كيف ترين حركات تحرير المرأة منذ قاسم أمين وحتي الآن ؟ ما لها وما عليها ؟ هناك نساء سبقن قاسم أمين في تحرير المرأة المصرية ، لكن قاسم أمين برز في التاريخ الطبقي الأبوي وتم تجاهل النساء من مثيلات زينب فواز وغيرها من الرائدات. وأنا متفائلة بطبيعتي ، فالأمل قوة دافعة للعمل والإبداع ، أري المستقبل أفضل من الحاضر والماضي ، وإن كنت أشهد الردة التعليمية والثقافية المستمرة في بلادنا ، وعودة المرأة المصرية الي الوراء في أغلب المجالات العامة ، وفي المجال الخاص العائلي ، إلا أن هذه الردة مؤقتة وسوف تتحقق أهداف ثورة يناير 2011 في المستقبل القريب أو البعيد. كيف تنظرين إلي الجوائز الأدبية؟ وهل تبرّئينها من الهوي ؟ الجوائز الأدبية تخضع للقوي السياسية الاقتصادية الأبوية الطبقية عالميا ومحليا ، بما فيها جائزة نوبل وجوائز الدولة المصرية في كل عام. أعظم الأدباء والأديبات في بلادنا والعالم لم يحصلوا علي جوائز ، بل تم حبسهم ونفيهم وإقصاؤهم عن القراء والقارئات ، وتشويه سمعتهم بواسطة الإعلام الحكومي والإعلام الخاص المملوك لرجال الأعمال والتجار في السوق الحرة والبورصات. الإعلام يخفض أدباء ويرفع آخرين .. من تعوّلين عليه في إنصاف المواهب الأدبية الحقيقية ؟ الإعلام تملكه الحكومات أو رجال المال ،وهو يزيف الحقائق في كل المجالات ، وليس في المجال الأدبي فقط ، فهو يخدم القوي السياسية والاقتصادية. ،انظر الي من يحصلون علي الجوائز في كل عهد! لكن المبدع- أو المبدعة- لا يحتاج الي جوائز. عن نفسي, جائزتي الوحيدة هي رسائل القراء والقارئات ، وتقديرهم لأعمالي في بلادنا والعالم ، ولا أنتظر تقدير الدول أو الحكومات أو أصحاب البلايين. ذكرياتك مع هؤلاء: يوسف ادريس ، العقاد ، طه حسين ، بنت الشاطئ. لم أقابل العقاد شخصيا ، ولا طه حسين ، لكني احترمت كتاباتهما ، رغم اختلافي مع العقاد فكريا ، وأعجبني أدب طه حسين ، خاصة سيرته الذاتية ، اختلفت مع بنت الشاطيء في أفكارها ، لكني احترمت نضالها من أجل أن تكتب ، أما يوسف إدريس فكان زميلي في مجال الطب والأدب ، وقد اختلفت مع الكثير من أفكاره أيضا ، رغم إعجابي بأجزاء من أدبه وفنه القصصي . متي تبكي نوال السعداوي؟ ومتي تغضب ؟ لا أبكي إلا في لحظات الفرح العظيم ، تنهمر دموعي الحبيسة منذ الطفولة ، لا أبكي في لحظات الحزن أو الألم ، بل أفكر وأتأمل, وأسيطر علي الغضب. لقد تعودت أن أكون سيدة نفسي وعقلي منذ الطفولة ، وتعودت أن أحول طاقة الغضب الي عمل مبدع ، وأحول التجربة السلبية الي إيجابية ، وكانت الكتابة هي الوحيدة التي تحميني من الغضب الشديد إلي حد اقتراف جريمة قتل!