الدول الأوروبية لم تعد تتردد فى مواجهة خطر الإرهاب عن الإقدام على إتخاذ إجراءات متشددة كانت تعتبرها من قبل غير مقبولة، أو متعارضة مع حقوق الإنسان، وهى إجراءات تشمل إعتقالات، حتى لمن لم ينفذوا أعمالا إرهابية، ولكنهم على إتصال بمنظمات الإرهاب، سواء من خلال مساعدتهم أو التعاطف معهم أو مساهمتهم فى تجنيد أفراد جدد للإنضمام لهذه المنظمات. وتشمل الإجراءات أيضا إصدار قوانين تتيح للدولة إسقاط الجنسية عن أى شخص يرتكب أعمالا إرهابية أو يرتبط بمنظماتها. وتشهد كثير من مدن أوروبية موجات من الملاحقات من جانب الأمن لمن يشتبه فى أنهم إرهابيين، وحملات إعتقال لأشخاص يشتبه فى أنهم أعضاء فى خلايا نائمة تخطط لأعمال عنف وإغتيالات لضباط الشرطة، وغيرهم ممن تصفهم المنظمات الإرهابية بالأعداء. وحسب ما نشرته صحف أمريكية وأوروبية، فإن هذه الإجراءات تشمل الأن إصدار قوانين تجرم بعضا من الممارسات التى يطلق عليها «حرية التعبير»، لدرجة قد تصل إلى محاسبة شخص ما على العبارات التى ينطق بها إذا ما تبين تعاطفه مع الإرهاب، وقوانين أخرى تعطل إستخدام مبررات حقوق الإنسان، وهى المبررات التى كانت تمنع ترحيل أفراد من بلادهم بحجة أن عائلاتهم تقيم فى هذه البلد، إذا ثبت إنتماءه لتنظيم إرهابى أو سفره للقتال مع الإرهابيين فى سوريا والعراق. ففى بلجيكا مثلا، بدأت موجة إعتقالات فى إطار 12 غارة ليلة على منازل لمشتبه بهم فى مدن بلجيكية مختلفة، قتل فيها إثنان من المشتبه بهم فى تبادل لإطلاق النار، والقى القبض على 15 أخرين، بناء على معلومات بأن خلية إرهابية تخطط لشن هجمات فى أنحاء بلجيكا. ويقول فان دير سيبت، المتحدث بإسم الإدعاء البلجيكى، أن الخلية التى ألقى القبض عليها خططت لإغتيال ضباط شرطة فى الشوارع أو داخل أقسام الشرطة، مشيرين إلى أن بعض أعضاء الخلية كانوا قد رجعوا إلى بلجيكا قادمين من سوريا، وأن بعضهم كانوا قد عادوا من سوريا. ويضيف فينست جيلز، رئيس فرع الشرطة بإتحاد الخدمات المدنية، بأن رجال الأمن فى فرنسا رصدوا رسائل سرية متبادلة بين الإرهابيين فى فرنساوبلجيكا، كشفت عن إستهداف ضباط شرطة بلجيكيين فى هجمات مقبلة. وفى باريس، قضت المحكمة الدستورية بقانونية لجوء الحكومة الفرنسية إلى إسقاط الجنسية عن فرنسى من أصل مغربى، وهو ما وصف بخطوة لتعزيز حق الدولة فى تشديد الإجراءات التى تتخذها لمكافحة الإرهاب. وكان المواطن من أصل مغربى قد حكم عليه فى عام 2003 بالسجن، بتهمة الإشتراك فى مؤامرة مع تنظيم إرهابى، وسارعت السلطات بتجريده من جنسيته الفرنسية قبل إطلاق سراحه المقرر فى نهاية عام 2015. وأعلن كريستوف كريبن، المتحدث بإسم إتحاد الشرطة الفرنسية عن إعتقال خمسة فرنسيين أثناء غارة لشرطة مكافحة الإرهاب فى مدينة لونيل جنوبفرنسا، لإستئصال شبكة تقوم بتجنيد من يسمونهم «الجهاديين»، وقال أن هذه الغارة هى مجرد بداية. فى نفس الوقت الذى أعلن فيه برنارد كازينف، وزير الداخلية الفرنسى، أنه تم مؤخرا تقديم 161 شخصا للمحاكمة فى قضية تشمل 547 مشتبها فى تورطهم ضمن خلايا ارهابية. كما تتحرك السلطات الفرنسية بقوة نحو إتخاذ إجراءات للحد من أى خطب أو تصريحات تتعاطف مع الإرهاب، وذلك بإصدار قانون جديد يفرض عقوبة السجن المشدد، وذلك بعد مناقشات جرت مؤخرا حول حدود حرية التعبير، بعد حادث «شارلى إبدو». كما يقول سيدرك كابوت، المدعى فى شرق فرنسا، أنهم يجرون تحقيقات بالفعل مع حوالى 100 شخص، إما لأنهم قالوا كلاما مؤيدا للإرهاب، أو حتى حاولوا تبريره. وصدرت للمدعين تعليمات من وزارة العدل بمقاضاة أى شخص يصرح بكلام، أو يرتكب أفعالا تحرض على الكراهية، وذلك تطبيقا لقانون صدر فى نوفمبر الماضى لمكافحة تهديدات الإرهابيين، وينص على السجن لمدد تصل إلى 7 سنوات على كل من يبرر الإرهاب أو يتعاطف معه. وفى ألمانيا، هاجمت الشرطة شبكة تقوم بتجنيد مقاتلين لضمهم لتنظيم داعش، بعد أن أغارت على 12 منزلا، وإعتقلت أشخاصا يشتبه فى إعدادهم لأعمال عنف. ولم تقتصر موجة مطاردة الإرهابيين على الإعتقالات، بل تضمنت إجراءات لحرمان المشتبه فيهم من إستغلال قوانين حقوق الإنسان، للإفلات من عقوبة السجن، وذلك بمقتضى مشروع قانون يجرى الأن إعداده فى بريطانيا، يلغى إستخدام ما يسمى بمبدأ الروابط العائلية كمبرر لمنع طرد أى شخص يشتبه فيه من الأراضى البريطانية. ترى الكثير من الدول الأوروبية أنه من الطبيعى أن تتخذ هذه الإجراءات المتشددة لحماية مواطنيها، حتى لو تطلب ذلك التوقف عن العمل بمبادىء كانت تتشدد فى الدفاع عنها، مثل حقوق الإنسان، وحرية التعبير، لكن أمن المواطن دفعها للتجاوز عن هذه المبادىء، وإعتبار الأمن له الأولوية قبل أى شىء أخر. لكن المثير للدهشة أن هناك فى أوروبا من لايزالوا حتى الأن ينتقدون سلطات الأمن والقضاء فى مصر، حتى ولو كانت الإجراءات التى تتخذ من جانبها ضد الإرهاب أقل كثيرا من تلك الإجراءات التى يجرى إتخاذها الأن فى معظم دول أوروبا.