قديما.. لم يخل بيت من البيوت المصرية من «الهون، والسبرتاية والبابور، والطشت النحاس، وأيضا سرير العروسة المصنوع منه، عامود الأكل للسفريات، والنجف بأشكاله المختلفة ذو الذوق العالي». ولم تقتصر صناعة النحاس علي الأدوات المنزلية فقط فهناك أدوات الزينة المصنعة من النحاس المرصع بالأحجار الكريمة والفضة، وفي القلائد والخواتم، التي تتزين بها النساء والفتيات مما يزيد من أناقتهن وجمالهن. فالنقش علي النحاس يدل علي المهارة والذوق وروعة الفن وهو من أبرز الفنون الشرقية، ويعتبر جزءا من الفن الإسلامي الذي قال عنه الكاتب الفرنسي جاستون ميجو في كتابه »الفن الإسلامي«: »فإنه لم تأت أمة من الأمم في فنونها ما يضاهي العبقرية التي تتجلي في الفن الزخرفي الإسلامي« .
جهاز جدتي ومن أقدم الأدوات النحاسية التي عثر عليها هي الخرز، والمثاقب، والدبابيس، وترجع للعصر البداري، 107، وقد استمر استعمالها إلي عهد ما قبل الأسرات. والنحاس لا يوجد عادة في الطبيعة بشكل معدني بل يستخرج من خامات مختلفة، ويعد من أقدم المعادن التي عرفها الإنسان، وقد استعمل النحاس في مصر قبل الذهب. وخام النحاس كان يعد قديمًا، في وادي مغارة؛ إذ وجدت بقايا للتنجيم يرجع عهدها إلي الدولة القديمة، والدولة الوسطي، ووجدت كميات كبيرة منه وبقايا الصهر من مخلفاته وجميعها ترجع للدولة القديمة. وقد وجد النحاس في الطبيعة كقطع حمراء نقية مخلوطة بالصخور منذ أكثر من عشرة آلاف عام قبل الميلاد، وكان يحتوي علي فقاعات هوائية كثيرة ولا تصلح لصنع الأدوات منه، ولقد تغلب سكان حوض الرافدين علي هذا العيب وزادوا من صلابة النحاس الفطري بالطرق والضرب عليه بالحجارة، وبدأ استخدامه في الأغراض المعيشية منذ نحو ستة آلاف عام قبل الميلاد، واعتبر هذا التاريخ بداية لعصر حضاري جديد في تاريخ البشرية أطلق عليه عصر النحاس. ومما يدعم بدايات صناعة النحاس بمصر هو العثور علي قطع نحاسية مصرية في منطقة كريت بالبحر الأبيض عام 3000 ق.م، كما يرجع البعض بداية صناعته إلي العراق. واستخدم النحاس في صناعة الأسلحة، وكذلك العملات وأواني الطعام وأوعية الطهي والغسيل وأدوات الزينة، كما استخدم النحاس علي مدي واسع في طلاء قاع السفن الخشبية حتي لا تتعرض للتلف. حارة اليهود وكان المصريون القدماء قد استخدموا النحاس في صنع أنابيب لتوصيل مياه الشرب، وأخري للصرف، فقد عثر الأثريون علي ألف وثلاثمائة قدم من الأنابيب النحاسية في معبد هرم أبي صير (الأسرة الخامسة 2750-2625 ق.م)، وتعد «حارة اليهود» ومنطقتا «الرويعي ودرب البرابرة» أكبر الأسواق التجارية لخامات وإكسسوارات النحاس المصنوعة يدويا في مصر والمعروفة بمحلاتها التي تسوق أروع وأرقي حلي النساء والتي يأتين إليها من آخر العالم ومن أرقي الأحياء، كذلك المشهورة بأدوات وإكسسورات النحاس من الزراديات والقصافات ومقصات تقطيع النحاس إلي الأحجار بكل أنواعها الكريمة والتقليد، وكذلك ستجد ورش طلاء النحاس بعد الانتهاء من تنفيذه، فحارة اليهود تعج وإلي اليوم بالباعة والمشترين ليل نهار. النحاس بأحجار العقيق والعنبر وتبدأ عملية الزخرفة والنقوش بعد اختيار شكل الآنية المطلوب صنعها حيث ترسم النقوش بأقلام نقش فولاذية خاصة بهذه المهنة وبمساعدة المطرقة والسندان، ثم تُمسح حتي تعود إلي أصلها الطبيعي، ويتم عزل القطعة أو الجزء المراد الحفر عليها بمادة شمعية لا تتأثر بالأحماض، ليقوم الفنان بالرسم بواسطة قلم حاد علي هذه المادة ويتم تحديد الشكل المطلوب مما يسمح بوصول الحمض إلي جسم المعدن فوق الخدش -أو الرسم- ثم يقوم بتغطيس الآنية بحمض الآزوت- الممدد وتركه لفترة حتي يأخذ الشق حجمه المطلوب، وبعد إخراج القطعة من الحمض وغسلها وتنشيفها يتم تركيب خيوط الفضة في هذه الشقوق، وذلك بالطرق أو الخبط الخفيف عليه ليأخذ مكانه الصحيح، وتسمي هذه الطريقة التطعيم بالفضة وكذلك يمكن تطعيم النحاس بأحجارالعقيق والعنبر والفيروز في القلائد والخواتم لتتزين بهاالنساء والفتيات مما يزيد من أناقتهن وجمالهن. النحاس في القرآن (آتوني زبر الحديد حتي إذا ساوي بين الصدفين قال انفخوا، حتي إذا جعله ناراً قال آتوني أفرغ عليه قطراً) سورة الكهف : 96 بحيث أمر القرآن الكريم الذي هو تبيان لكل شيء في القصة المعروفة التي ذكرت في سورة الكهف. أمر ذي القرنين بأن يأتوه بقطع الحديد الضخمة، فآتوه إياها، فأخذ يقوم بأبناء شيئا فشيئا حتي جعل ما بين جانبي الجبلين من البنيان مساوياً لهما في العلو ثم قال للذين يبنون: انفخوا بالكير في القطع الحديدية الموضوعة بين الصدفين فلما تم ذلك وصارت النار عظيمة، قال للعمال الذين يتولون أمر النحاس من الإذابة وغيرها: آتوني القطر وهو النحاس المذاب أفرغه عليه فيصير مضاعف القوة والصلابة، وهي طريقة استخدمت حديثاً في تقوية الحديد ،فوجدوا حديثا أن إضافة النحاس أو القطر إلي الحديد.