تخرج ابن السائق من كلية الحقوق بتفوق بعد سهر و تعب أبوه و فرح الأب كثيرا و كان حلمه التحاق ابنه بالنيابة لتفوقه و أخلاقه، و جاءت التعيينات و سألته ماذا فعل أبنك؟ قال لي الحمد لله يا أستاذه على كل حاجة أصل التعيينات كلها "كوسه!" فكرت كثيرا في الكلمة ووجدتها حقيقه مؤلمه نعاني منها منذ عصور و ليس الآن فقط، معايرنا اختلفت تماما لا هي تفوق وثقافة و حضور وثقه لا لا، أصبحت الواسطة و الكوسة في اي وظيفة مهما كان مستواها. الكوسة ليست مجرد نوع من الخضروات، لكنها رمز لمراحل كثيره، فهي رمز لبعض من يدخلون كليات الشرطة، واحيانا النيابة العامة، ومن يتولون مناصب في الحكومة و التليفزيون و البنوك، وأصبح توارث الوظائف في الجامعات و القضاء قاعده و ليس استثناء، كما شهدت مصر، و ما تزال تكرار أسماء الأبناء و الآباء في نفس المهنة، و ظهر ما يسمي (عصابات الإتجار في الوظائف) بكل أنواعها دون استثناء. الكوسة حولت الاستثناء لقاعده و العرف إلي قانون و لم يعد أحد يعترض عندما يرى ابن المستشار مستشارا و ابن أستاذ الجامعة أستاذا و ابن مدير البنك بنكير، و الصحافة و الأعلام لا تخلو من الكوسة أيضا. الكوسة كلمه وضعها المصريون تعبيرا عن الواسطة و المحسوبية و كل ما هو غير متقن أو ما يحدث في مسار مغاير لمساره القانوني "آه ديه كوسه بقى "جملة اعتراضية يطلقها المصريون إذا شعروا أن هناك ظلما و قع عليهم من مدي العمل و ما شابه. الكوسة كانت تسمى القرع في كثير من الأرياف، ولا يقصد بها القرع العسلي الذى يصلح لأن يكون رمزا لمرحلة، ولهذا كان القصد من مثل «زى القرع يمد لبره»، والمقصود الكوسة التي تتمدد إلى خارج مكانها في الحقل. ولا توجد أصول للكوسة كرمز للواسطة في التاريخ الفرعوني، لكن بعض الباحثين قالوا إن المصريين استخدموا كلمة الكوسة كدليل على المحسوبية والواسطة منذ العهد الفاطمي، عندما كانت تغلق أبواب القاهرة بعد العشاء، ولأن الكوسة كانت تجمع فى وقت متأخر ولا تصمد إلى الصباح، كان التجار يقفون على الأبواب ويقولون للحراس «كوسة كوسة» فتفتح لهم الأبواب خصيصا، دون غيرهم، وهناك من يرجعها إلى عصر المماليك عندما كان الفلاحون يخرجون مبكرا لحجز مكان فى السوق، وينتظرون فى طابور حتى يتم تحصيل الرسوم، وفى الصيف يتم استثناء تجار الكوسة لأنها تفسد من الحرارة، وعندما يتجاوز أحد الصف ويدخل دون انتظار.. يحتج الآخرون، فيرفع يده ويقول «كوسة»، ومن يومها اعتاد المصريون أن يقولوا «كوسة» على كل من يتجاوز القواعد والقوانين. وهناك بيت شعر للشاعر العظيم بيرم التونسي عندما انتشرت الواسطة في عصره (يا بلدنا فيكي حاجة محيرانى/ نزرع القمح في سنين يطلع القرع في ثواني). [email protected] لمزيد من مقالات شروق عياد