أصبحت كوليندا جرابار كيتاروفيتش أول امرأة تتولى رئاسة كرواتيا ورابع رئيس لبلادها منذ إعلان استقلالها عن يوجوسلافيا فى 8 أكتوبر 1991، وذلك إثر فوزها بنسبة 50٫4% من الأصوات فى الجولة الثانية من الانتخابات التى جرت الأحد الماضي، مقابل 49٫6% للرئيس المنتهية ولايته إيفو يوسيبوفيتش. ورغم ما حملته النتائج من "مفاجأة" بالنسبة للبعض، خاصة بعد تمكن كيتاروفيتش - 46 عاما - من تحويل تأخرها فى الجولة الأولى من الانتخابات فى 28 ديسمبر الماضي، التى حصلت فيها على نسبة 37٫22% مقابل 38,46% ل"يوسيبوفيتش" – 57 عاما - فإن المشهد الحالى قد يبدو أقرب ل"المفارقة" منه للمفاجأة، لا سيما فى ظل تراجع كيتاروفيتش الدائم فى استطلاعات الرأي، منذ اختيارها كمرشحة لحزب "الاتحاد الديمقراطي" المحافظ فى يونيو من العام الماضي، ووصل الفارق فى آخر استطلاع للرأى قبل ساعات من فتح باب التصويت فى الجولة الأولى إلى أكثر من 11، حيث منح التقدم ل"يوسيبوفيتش" بنسبة 46٫5% مقابل 34٫9% لكيتاروفيتش، فضلا عن خسارة حزبها أمام الحزب "الديمقراطى الاجتماعي" الاشتراكى الذى ينتمى إليه منافسها فى الانتخابات البرلمانية الماضية فى 4 ديسمبر 2011 بسبب فضائح فساد وارتفاع فى معدلات البطالة، وهو ما يفسر سر الانقسام الواضح فى اختيار الناخبين، والذى عكسه الفارق الضئيل والمتأرجح بين المرشحين فى الجولتين الأولى والثانية، والذى جاء وعلى ما يبدو للدلالة على أن الاختيار كان ما بين "السييء والأسوأ"، ومن ثم تحوله إلى تصويت عقابى للاشتراكيين قبل أن يكون اختيارا لعودة المحافظين، الأمر الذى بات يعنى أنه وعقب أداء اليمين الدستورية يوم 19 فبراير المقبل سيكون أمام كيتاروفيتش – 46 عاما - الكثير من العقبات، التى قد تحول بينها وبين تحقيق مضمون العنوان العريض لحملتها "إرادة فى التغيير"، وعلى رأسها : - "الماضى الأسود" لسيرتها المهنية، لا سيما بعد عملها كوزيرة سابقة للتكامل الأوروبى من 23 ديسمبر 2003 إلى 16 فبراير 2005، ووزيرة للخارجية من 17 فبراير 2005 إلى 12 يناير 2008 فى حكومة إيفو سانادر رئيس الوزراء الأسبق - من 2003 إلى 2009، والذى حكم عليه بالسجن عشر سنوات فى 20 نوفمبر 2012 بناء على اتهامات بالفساد واستغلال السلطة أدت إلى اعتقاله فى ديسمبر 2010. ورغم تركها المنصب فى عام 2008 للعمل كسفيرة لكرواتيا لدى الولاياتالمتحدة حتى عام 2011، ثم توليها منصب الأمين العام المساعد للشئون الدبلوماسية العامة فى حلف شمال الأطلنطى "الناتو" - لتكون وقتها أول امرأة يتم تعيينها فى المنصب - وذلك من عام 2011 حتى العام الماضى 2014، فإن سلسلة فضائح الفساد ما زالت تطارد كيتاروفيتش وحزبها، مما كان له دوره فى خسارة الحزب الانتخابات البرلمانية الماضية للمرة الثانية فى تاريخه بعد خسارة عام 2000. - حتمية العمل مع حكومة الرئيس السابق برئاسة زوران ميلانوفيتش منذ 23 ديسمبر 2011، وحتى موعد إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة المقررة فى نوفمبر المقبل، مما يزيد من صعوبة المهمة أمام الرئيسة الجديدة، المطالبة بوضع حد للتدهور الاقتصادي، والذى سبق لها تحميل مسئوليته للرئيس السابق خلال المناظرات الرئاسية بينهما، حيث حرصت كيتاروفيتش على انتقاد منافسها بسبب فشله فى دفع حكومة "عاجزة تفتقر إلى الروح" - حسب وصفها - إلى إجراء إصلاحات اقتصادية سريعة، وقالت : "لم يشرح يوسيبوفيتش لماذا لم يلجأ إلى السلطات الرئاسية لتحريك الأمور"؟، وأضافت : "إنه يتحمل مع الحكومة مسئولية الوضع الخطير الذى تعانيه البلاد"، وقالت أيضا : "نحن فى حاجة إلى سلطات شجاعة وحازمة وقادرة على المضى بالبلاد قدما إلى الأمام، وليس نحو الكارثة". ومع تدنى شعبية الحكومة بفعل الأزمة الاقتصادية، بل وإقرار ميلانوفيتش عقب الانتخابات الرئاسية بأن أداء حكومته كان أحد أهم أسباب خسارة الرئيس السابق، حيث قال : "لقد كنا بمثابة عبء عليه"، فإنه ومن المرجح بحسب مراقبين اللجوء إلى احتمالية إجراء انتخابات مبكرة، إلا أنه وعلى ضوء ما أظهرته نتائج الانتخابات الرئاسية من تحقيق فوز صعب لكيتاروفيتش، فإن فرصة تحقيق حزبها للأغلبية فى البرلمان الكرواتى "السابور" المؤلف من 159 مقعدا قد تبدو صعبة، بما يعنيه من زعزعة لحكمها أكثر منه تثبيت لقدميها، لا سيما فى ظل محدودية الصلاحيات الممنوحة للرئيس مقابل البرلمان وفقا للدستور. - الوضع الاقتصادى المتردى للبلاد منذ عام 2008، الذى قد ينذر بكارثة حقيقية فى حالة استمرار تفشى الفساد وارتفاع الضرائب والنفقات الحكومية، مما أدى إلى بلوغ حجم الدين العام ما يعادل 80% من الناتج المحلى الإجمالي، فيما تكاد نسبة البطالة تبلغ 20%. ورغم الانضمام للاتحاد الأوروبى فى يوليو 2013، بعد موافقة أكثر من 66% من الكروات فى استفتاء جرى فى يناير 2012، فإن الاقتصاد الكرواتى يبقى من بين أضعف اقتصاديات الدول الأعضاء فى الاتحاد، مما أدى إلى تحول جذرى فى موقفه تجاه الدولة التى كان يرى فى انضمامها إليه مكسبا، إلى عضو ثقيل محمل بالمشكلات، خاصة بعد مخالفة عجز الميزانية البالغ 5% العام الماضى لمعايير اتفاقية "ماستريخت" للوحدة الأوروبية، التى تشترط عدم تجاوز العجز فى ميزانية أى دولة فى الاتحاد نسبة 3% من ناتجها المحلى الإجمالي. وهذا يعنى أن الأمر بات عقبة كبيرة فى وجه كيتاروفيتش، التى وعدت بعد إعلان فوزها بأن : "كرواتيا ستكون دولة مزدهرة وثرية، وإحدى الدول الأكثر تطورا فى الاتحاد الأوروبى والعالم"، وذلك رغم عدم تقديمها خريطة طريق ملموسة لتحقيق أهدافها المعلنة، مكتفية بالقول : "هناك عمل صعب ينتظرنا". وهكذا، تبدو مسيرة أول رئيسة لكرواتيا فى ولايتها الأولى مهددة بالفشل، وكأنها تسير على درب يادرانكا كوسور زعيمة حزبها السابقة وأول سيدة تتولى رئاسة الحكومة الكرواتية فى يوليو 2009، والتى فشلت فى الحفاظ على هيمنة الحزب على الحياة السياسية منذ تاريخ الاستقلال. وربما لن يشفع ل"كيتاروفيتش" جمالها وجاذبيتها وإتقانها لست لغات، بجانب الكرواتية، فى الخروج من المأزق الاقتصادى الحالي، حيث أن الأزمة تستدعى التمتع بمواصفات ومهارات أخرى يأمل الكروات فى أن تبرهن كيتاروفيتش على امتلاكها فى وقت قريب حتى يمكن الحديث عن التغيير.