إذا كنا حقا جادين فى السعى لتجنيب العالم ويلات الإرهاب والتطرف، وإذا كنا حريصين على الحفاظ على النفس البشرية، التى جعل الله قتلها مساوياً لإبادة الجنس البشرى كله "أنه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً" المائدة/ 32. فإننا يجب أن نسعى جميعاً لإقرار دستورٍ أخلاقى لحماية الأديان، ومنع التطاول على الأنبياء، آخذين فى الاعتبار النقاط التالية: أولاً: إن الأنبياء هم أكرم البشر على الله، وهم صناعة الله وصنعته “ولتصنع على عينى” طه /39. “واصطنعتك لنفسي” طه/ 41. وهم البشر الذين اختصهم الله بشرف تبليغ رسالاته للناس “الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله” الأحزاب/ 39. ثانياً: إن الإسلام كدين يطلب من أتباعه الإيمان بكل الرسل والأنبياء السابقين “والمؤمنون كلٌ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحدٍ من رسله”البقرة/ 285. كما أن التعاون بين المسلمين وغيرهم من أهل الملل الأخرى ثابتٌ تاريخياً، فقد كانت هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة تحت حكم النجاشى الذى كان نصرانياً، كما عقد الرسول مع اليهود معاهدة بعد هجرته إلى المدينة”. ثالثاً: إن المضامين التى صدرت عن النبى بخصوص الأنبياء السابقين كانت تفيض احتراماً وتقديراً لهم ولأدوارهم فى هداية البشرية. وكان كلما اشتد به الأذى يقدم موسى عليه السلام نموذجاً على الصبر والتحمل “رحم الله أخى موسى لقد أُوذى بأكثر من هذا فصبر”، ومن هنا لا يجوز التطاول على الأنبياء أو التقليل من شأنهم تحت أى ذريعة. رابعاً: إن التوراة والإنجيل كانا مصادر استدلال ومراجع برهان اعتمد عليها القرآن الكريم، بل وساقها الرسول صلى الله عليه وسلم تأكيداً لمفاهيم ومبادئ وقيم إيمانية، وهو ما يؤكد تقدير الإسلام للكتب السماوية والمضامين التى رددها إخوانه الأنبياء السابقون: “الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوباً عندهم فى التوراة والإنجيل” الأعراف/ 157. خامساً: إن الحصاد المر للإرهاب والتطرف والفتك والتدمير والقتل والتشريد لم يكن تاريخياً بأيدى المسلمين الذين كانوا على الإجمال دعاة سلام وأمن واستقرار لهم ولغيرهم. إن الملايين الذين حصدتهم الحرب العالمية الأولى والثانية لم يكونوا ضحايا اعتداء المسلمين. كما أن التجربة الوحيدة لاستخدام السلاح النووى (هيروشيما ونجازاكى) كانت بأيدى غير المسلمين الذين يتمسحون اليوم بحقوق الإنسان. سادساً: إن ازدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين، والإحباط الذى تمنى به الشعوب العربية والإسلامية من جراء هذه السياسة يصنع مناخاً حاضناً للتطرف والإرهاب. وعلى الغرب أن يحترم حقوق الإنسان فى بلدانه وبلداننا، وأن يمارس العدل هنا وهناك لأن شظايا التطرف والإرهاب تصيب الجميع. أين هذا العالم المتحضر من المجازر التى ارتكبها نتيانياهو فى حق الفلسطينيين مراراً وتكراراً؟!. سابعاً: إن الدين فى تكوين الإنسان فطرة لا يمكن أن يتنكر لها أو يتخلى عنها “فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله” الروم/ 30. وتأسيساً على ذلك قد نجد أناساً غير منضبطين من الناحية الدينية فلا هم يصلون، أو يصومون، أو يترددون على دور عبادة، ومع ذلك قد ينتفضون إذا مُست عقائدهم وثوابتهم الدينية. وإذا كنا قد جرمنا حادث شارلى ابدو إلا أننا فى ذات الوقت نؤكد أن استمرار استفزاز مشاعر المسلمين ليس من متطلبات حرية الرأى لأنه يؤدى فى النهاية إلى زرع بذور الحقد والكراهية وتأليب المشاعر والأحاسيس الدينية. ثامناً: إن إعلام الغرب الذى يدعى تمسحه بالحرية لا يستطيع حتى هذه اللحظة أن ينشر معلومات تتعلق بالسلاح النووى لبعض الدول ومواضعه ومكوناته، بدعوى حماية الأمن القومى. والسؤال الذى يفضح مزاعم الغرب: لماذا أنتم قادرون على حماية أسرار السلاح النووى، وغير قادرين على حماية الثوابت الدينية للمسلمين الذين يشكلون قرابة ربع سكان العالم؟ تاسعاً: إن المؤسسات والهيئات والمنظمات المعنية بالإعلام ووسائله على المستوى المحلى والإقليمى والدولى مدعوة على وجه السرعة لوضع ميثاقٍ أخلاقى يجرم الاعتداء على الأديان، ويُحرم التطاول على الأنبياء. “لا تتطاولوا على موسى وعيسى ومحمد فأتباعهم فى العالم بالمليارات، إذا أردتم التعايش السلمي، لأن البشر يعيشون بعقائدهم ويتخذون منها نقطة انطلاق للتعامل مع الأحداث والقضايا والموضوعات”.