بعد أن قضوا سنوات خلف القضبان لم يتصور 53 معتقلا سياسيا كوبي أنه بعد خمسين عاما من القطيعة الدبلوماسية بين كوباوالولاياتالمتحدةالأمريكية, ستعود العلاقات مرة أخري, وتكون من بين أهم شروطها الإفراج عنهم. حيث اعتبرت هذه الخطوة جزءا أساسيا من الاتفاق التاريخي الذي شهده العالم الشهر الماضي بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن والجزيرة الشيوعية بتصديق كل من الرئيس الأمريكي باراك اوباما والرئيس الكوبي راؤول كاسترو. وقد جاءت تلك الخطوة بعد نجاح عملية تبادل الجواسيس, والتى كانت من ضمن شروط الاتفاق بين البلدين, حيث عاد ال 3 جواسيس الكوبيين أعضاء شبكة "ريد افيسبا في فلوريدا" التجسسية, والذين قضوا 15 عام في السجون الأمريكية بعد أن تم القبض عليهم بتهمة التجسس لصالح كوبا, وذلك مقابل أن تفرج كوبا عن الجاسوس الأمريكي الآن جروس، الذي أدين بالتجسس علي كوبا من أجل المصالح الأمريكية، والذي قضي 5 سنوات خلف القضبان الكوبية. وقد جاء التزام هافانا بشرطى تبادل الجواسيس, واطلاق سراح المعتقلين السياسيين بها من أجل إثبات ولائها لوشنطن, ورغبتها في فتح صفحة جديدة تستطيع من خلالها إستعادة العلاقات مرة أخرى بعد قطيعة دامت لأكثر من 50 عاما, وذلك بعد ثورة 1959 التي جاءت بفيدل كاسترو - الأخ الأكبر للرئيس الحالي راؤول كاسترو - الى السلطة, وقطعت واشنطن العلاقات الدبلوماسية مع هافانا في 1961 في الوقت الذي اتخذت فيه كوبا منحى يساريا جعلها تتحول إلى حليف وثيق للاتحاد السوفيتي السابق, فتصبح كوبا حلقة من حلقات الحرب الباردة. مفاوضات التطبيع ويذكر أن الأتفاق بين هافانا وواشنطن جاء بعد محادثات سرية استمرت علي مدي 18 شهرا منذ ربيع عام 2013 حينما استقبل البابا فرنسيس الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مدينة الفاتيكان في أواخر مارس وحاول إقناعه بإجراء محادثات سرية مع كوبا. وبعد شهور من المحادثات في كنداوالفاتيكان بمشاركة بن رودس المعاون البارز لأوباما, والذي يشغل منصب نائب مستشار الأمن القومي, ومعه ريكاردو زونيجا كبير المتخصصين في شئون أمريكا اللاتينية في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض مع عدد من المسئولين في كوبا, وتناولت المفاوضات بشكل مباشر نقاط الخلاف بين الجانبين حيث أوضح الكوبيون أنهم يعارضون البرامج الأمريكية الداعية للديمقراطية في كوبا, وهي برامج اعتبرها الكوبيون منذ فترة طويلة محاولة متخفية للإطاحة بنظامهم الاشتراكي, ولكن تعهد الجانب الأمريكي بعدم عرقلتهم هذه البرامج. وجاءت أخر نقاط الإتفاق من خلال أجراء وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عدد من المكالمات مع نظيرة الكوبي في الصيف الماضي, وتركزت على مصير ألان جروس ومبادلته بالجواسيس الكوبين الثلاث, وأستطاع البابا فرنسيس أن يلعب دورا أساسيا في إنجاح الصفقة بإرساله رسائل شخصية منفصلة إلى أوباما وكاسترو داعيا إياهما لتبادل السجناء وتحسين العلاقات من أجل التقارب بين واشنطن وآخر معاقل الشيوعية في العالم الغربي. تسهيلات المبادلات المالية والتجارية وعقب أستمرار الحظر الأقتصادي علي كوبا لما يقرب من نصف قرن, فأنه في حال موافقة الكونجرس الأمريكي علي التطبيع بين الدولتين, ستكون أولى الخطوات التي سيتم إتخاذها, طبقا لما تعهد به أوباما, فتح سفارتين في عاصمتي البلدين وتخفيف بعض القيود على التجارة, وسيتم تشجيع زيادة الصادرات والواردات الأمريكية حيث ستتمكن الشركات الأمريكية من التصدير لكوبا بضائع تشمل معدات لبناء المساكن الخاصة، ومستلزمات المزارع، وبضائع يحتاجها المقاولون, كما سيسمح للمواطنين الأمريكيين المسافرين إلى كوبا بأن يجلبوا معهم بضائع تصل قيمتها ل 400 دولار, كما سيسمح بجلب السجائر بما فيها السيجار الكوبي والكحوليات بقيمة 100 دولار. وبعد أن كان يسمح فقط للصحفيين والجامعيين والمسئولين الحكوميين الأمريكيين ومن لديهم أقارب مباشرين في كوبا بالسفر إليها, أما الصحفيون المستقلون، والمشاركون في أنشطة عامة أو من يسافرون لأسباب تتعلق بالتصدير, فقد كان الأمر يتطلب منهم تقديم طلب خاص قبل فترة, ففي ظل السياسة الجديدة لم يعد مطلوبا تقديم طلب مسبق، ولكن ستظل القيود علي السفر بغرض السياحة كما هي. وستشمل العلاقات تسهيل المبادلات المالية حيث سيسمح للمؤسسات المالية بفتح حسابات في مصارف كوبا وسيسمح للمسافرين الأمريكيين باستخدام بطاقات الائتمان والصرف في كوبا, كما أنه طبقا لما تعهد به أوباما أنه كلف جون كيري خلال الستة أشهر المقبلة بمراجعة وضع كوبا في قائمة الدول الداعمة للإرهاب وإعادة النظر في تصنيفها كإحدى الدول الراعية للإرهاب, حيث يذكر أنه منذ 1962 صنفت الولاياتالمتحدةكوبا كدولة راعية للإرهاب, واتهمتها بحماية متمردين كولومبيين، ومناضلين من الباسك، وأمريكيين هاربين. وستسمح الولاياتالمتحدة لشركات الاتصالات والإلكترونيات بإقامة متاجر وبناء بنى تحتية في كوبا، وتصدير أجهزة وخدمات الاتصالات, والتي ستكون من شأنها تحسين خدمات وشبكات الإنترنت في كوبا. ومقابل ذلك طالب أوباما كوبا بإجراء إصلاحات اقتصادية وتعزيز حقوق الإنسان, بالإضافة إلى تغييرات أخرى من شأنها اتخاذ نهج جديد. القرار بين مؤيد ومعارض وجاء ذلك التقارب التاريخي ليشعل الحرب بين الديمقراطيين والجمهوريين حيث عبر الديمقراطيون عن تأييدهم الكامل لإتخاذ أوباما مثل تلك الخطوة, وعلي رأسهم وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون, والمرشحة الديمقراطية المحتملة لانتخابات الرئاسة عام 2016, حيث علقت قائلة :"سياسة العزلة التي ننتهجها منذ عقود طويلة لم تؤد إلا لإحكام قبضة نظام كاسترو على السلطة", كما أكد الديمقراطيون علي أهمية إتخاذ الكونجرس خطوات برفع الحظر الأمريكي تماما قبل ترك اوباما لمنصبه، وذلك من أجل ضمان عدم تراجع الرئيس القادم للولايات المتحدة عن ذلك القرار. في حين ظهر فريق الجمهوريين منتقدا للقرار, ويتزعمهم جيب بوش حاكم فلوريدا السابق, والمرشح الرئاسي المحتمل في الانتخابات المقبلة, وجون بينر رئيس مجلس النواب الأمريكي, الذي وصف تلك الخطوة ب "أخر حلقات التنازل" من سلسلة طويلة من التنازلات المتهورة والقرارات غير المدروسة من قبل الرئيس الأمريكي الحالي, أما علي الصعيد الدولي, فقد لاقت تلك الخطوة ردود فعل إيجابية من قبل عدد من الدول, وعلي رأسها دول أمريكا الجنوبية حيث علق الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في أثناء حضوره قمة ميركسور التجارية لدول أمريكا الجنوبية, بأن صفقة تبادل سجناء بين الولاياتالمتحدةوكوبا تعد لفتة جريئة وشجاعة وضرورية من اوباما, واعتبرها انتصارا للدولة الواقعة في البحر الكاريبي. كما أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن سعادته لإعتزام الولاياتالمتحدة إعادة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا بعد مرور كل تلك السنوات, واصفا القرار بال "ايجابي جدا", وفي هافانا احتفل الكوبيون بالأنباء رغم أن البعض أبدى تخوفه من أمكانية عرقلة أعضاء الكونجرس خطة إنهاء العداء المستمر منذ سنوات طويلة. أما فيما يخص الرأي العام الأمريكي, فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته رويترز مؤخرا, في الفترة من 18 إلي 22 ديسمبر, وأفاد بأن 41 % من الأمريكيين يعتقدون أنه ينبغي للولايات المتحدة أن ترفع الحصار الذي فرض قبل أكثر من 5 عقود. وتعد تلك النتيجة مرتفعة مقارنة بال 37 % نسبة المؤيدين في استطلاعات الرأي التي أجريت بين يوليو وأكتوبر الماضيين, والتي أفادت أيضا بأن 38 % من الأمريكيين غير متأكدين إذا ما كان يجب رفع الحصار. أما فيما يخص أستطلاع الرأي حول إذا ما كانت كوبا تشكل تهديدا للأمن القومي أم لا, فيري ثلث الأمريكيين أنها بالفعل تمثل خطرا, في حين يري 46 % من الأمريكيين انه ينبغي على الولاياتالمتحدة أن تقيم علاقات دبلوماسية عادية مع كوبا .