قبل أن نستكمل قضية مناهج التعليم وما تمثله من تعارض مع مباديء المواطنة والمساواة ولنا عودة إليها طرحت قضية المرأة نفسها علي الساحة بشدة وبصورة تعبر عن تمييز آخر ترفضه مباديء الدستور والفرص المتكافئة. وهو ما استلزم بدوره وقفة تفاهم وتصحيح. نؤكد ابتداء أن الدفاع عن قضية المرأة ليس مسألة فئوية وليس تعصبا للجنس, إنها قضية مجتمع وقضية تنمية, والاهتمام بالمرأة لا يعني عدم الاهتمام بالرجل أو تجاهل ما يقوم به, إن أي حق تحصل عليه ليس علي حساب حقوق الرجل بل استكمال لعطائه, ومشاركة المرأة ليس انتقاصا من أداء الرجل بل قيمة مضافة إليه, انها قضية وطنية تهمنا جميعا وتهم الرجل بنفس القدر الذي تهم به المرأة. هذه حقائق ثبتت بعد أن كانت محل حوار, لكن يبدو أن هناك مناخا جديدا يشكك في صحتها مما يعني أن الأمر يحتاج الي توضيح, والإجابة عن السؤال: لماذا المرأة؟ ولماذا الآن؟ للإجابة عن هذا السؤال, نوضح الاعتبارات التي تستلزم توفير حقوق للمرأة, وذلك في إطار محاور ثلاثة: التنمية, والساحة الدولية, والسلام, ونبدأ بالتنمية. **** * إننا نعيش في عالم يتطور بصورة غير مسبوقة يسوده تنافس شرس, عالم لم يعد فيه مكان للركود, أصبحت القضية نكون أو لا نكون, المتخلف لن يكون, سوف يتم اكتساحه اقتصاديا وثقافيا, في مثل هذه الظروف أصبحت التنمية تحتم الاهتمام بالثروات الطبيعية والبشرية بأنواعها وحسن استثمار الإنسان وطاقاته, فالإنسان هو أو هي أغلي وأثمن الموارد جميعا, مما يتطلب صحوة شاملة تجتاح المجتمع وتشمل كل من فيه, وتأكيدا لذلك يوجد اليوم اهتمام بفئات طال إهمالها, منها: الطفولة, والمسنون وذوو الاحتياجات الخاصة, والشباب ومنها بطبيعة الحال المرأة. * إن المرأة كانت في بعض أحقاب تاريخنا مهمشة الحق والفرصة, حرمت من حقوق مثل الحق في التعليم والعمل والمشاركة, كانت رغبة الفتاة في التعليم تعتبر نشازا وانحرافا علي تقاليد المجتمع الراقي وكان العمل ينظر إليه علي أنه فقط للفقراء أو غير القادرين, ظروف جعلتها غير مهيأة للمشاركة في الحياة العامة وبالتالي لم تتمكن من القيام بمسئولياتها كمواطنة مسئولة برغم الحاجة الي مساهمتها بصورة فعالة, واليوم أصبح من الضروري تفعيل عطائها بتكامل أركان ثلاثة: الحصول علي حقوق مازالت محرومة منها, وتهيئتها ودعم قدراتها للمشاركة في كل مجالات التنمية, ثم توفير الفرصة للقيام بمسئولياتها وواجباتها علي أفضل صورة ممكنة مع محاسبتها علي أدائها. * والعالم لا يتطلب اليوم مجرد التنمية بل ويسعي الي تحقيق التنمية ذات الكفاءة العالية أي تحقيق أفضل النتائج في أقصر وقت وأقل جهد وأقل تكلفة, والمرأة تشارك في عمليات التنمية بأنواعها, فهي العاملة في المصنع والحقل والمكتب هي المدرسة والطبيبة والممرضة والأستاذة والسفيرة والباحثة, ولابد من فتح باب المشاركة مع الارتقاء بأدائها بالتوعية والتدريب ورفع الكفاءة, ولابد من منحها فرصا متساوية مع توفير المساعدات المنزلية قليلة التكلفة والخدمات الأسرية والطبية التي تعاونها علي إتقان وظيفتها داخل المنزل وخارجه. * للمرأة دور أساسي في الحد من التحديات والمشكلات التي تعرقل التنمية ويواجهها عالم اليوم, تحديات تعاني منها مصر بضراوة في مقدمتها مشكلة السكان, ذلك التحدي الأكبر الذي نواجهه والذي يبتلع كل تنمية نحققها, ومنها مشكلات الإدمان, والتعصب والتطرف والانحراف والانحلال الخلقي وتوفير النظافة وحماية البيئة وغير ذلك كثير. التنمية اليوم لها طابع آخر مهم هو التنمية المستدايمة أو التنمية صديقة البيئة, التي تتطلب انماط سلوك لا تهدر الموارد الطبيعية, كما يتطلب أنماط الاستهلاك التي لا تستنزف الموارد الطبيعية والمرأة هي القادرة علي ذلك, انها اللاعب الأساسي والأول في حلبة حماية الطبيعة والموارد, وترشيد الاستهلاك. وهناك حقيقة أخري برزت في الآونة الأخيرة تلك هي أن المرأة في ريف مصر وفي الواحات تمارس عددا من الوسائل البدائية الناجحة التي تعتبر صديقة للبيئة في مجالات مهمة, مثل استخراج الطاقة البديلة أو إعادة استخدام الموارد.. وغيرها, هذه كلها وسائل بدائية غير مكلفة, وهناك اليوم دراسات وأبحاث حول هذه الوسائل لرصدها وتنميتها وتشجيعها مع التعريف بها وتعميمها. * إن سجل المرأة في المساهمة في التنمية سجل مشرف وهناك الآلاف من النساء يعملن بالفعل في الطب والتدريس والهندسة والبحث العلمي والقانون والتشريع والقضاء وفي المصانع ووسائل الاتصالات وتجميع الأجهزة الدقيقة, فكيف لا يحصلن علي الحقوق كاملة وعلي المكانة الكريمة التي أصبحت المصرية تستحقها, كيف نشكك في قدراتها وفي حجم عطائها؟ ولنا أن نتساءل: كيف يمكن أن يكون الحال لو أضربت المرأة عن العمل يوما!؟ * يقول الواقع إن نحو25% من الأسر تعولهن النساء إما بسبب وفاة الزوج أو عجزه أو السفر أو هجرة الأسرة أو البطالة وهي تعمل لتوفير الدخل الشريف لأسرتها, ولماذا نرضي لها أن تقوم بالأعمال المنزلية ثم نستنكر أن تتولي مناصب مهمة أثبتت فعلا وعمليا أنها أهل لها؟ لماذا هذه النظرة الدونية لمواطنة شريكة في التنمية, كاملة الأهلية لا تقل عن الرجل فكرا أو قدرة بل تفوقه صبرا وأحيانا حكمة؟ * لقد ثبت أن المرأة في جميع دول العالم ذات الحضارات, لها دور أساسي في الحفاظ علي التراث والحرف التقليدية والسلع ذات الطابع الوطني التي أصبح لها سوق دولية, الي جانب جذب السياحة الثقافية, هذا بالإضافة الي دورها الأساسي في الحفاظ علي التراث غير الملموس ماديا, فهي التي تردد الأغنيات والأمثال والقصص والدعاء وغير ذلك من تعبيرات الثقافة والتراث التي يتسابق العالم اليوم لتسجيلها وحمايتها والحفاظ عليها. * بالإضافة الي كل ذلك فإن المصرية تعتز بدورها كأم وزوجة وربة منزل, وهو دور لا تتنازل عنه المرأة المصرية, والأم المتعلمة المثقفة أفضل كثيرا لأسرتها تغرس القيم الايجابية وتعاون الأبناء في دخل الأسرة, بينما الأمية الجاهلة أو المقهورة قد تكون نكبة علي الأسرة, نذكر هنا مثلا صارخا, فقد تسببت أم في قتل ابنها بسبب الأمية.. لم تكن تعرف القراءة وبدلا من أن تعطي الطفل المريض دواء السعال أعطته مبيدا للحشرات.. فقتلته.. إن المرأة المصرية ثروة قومية لا يجوز أن تحرم من حقوقها أو يحرم المجتمع من عطائها وهي تمكنت من الجمع بين عملها المهني والاهتمام بالأسرة وبذلك أصبحت قدوة لكثير من الرجال أو أغلبهم. **** هذه الحقائق والاعتبارات تدعونا الي لحظة صدق مع النفس نتصور فيها معا حال مجتمعنا وقد ارتقت فيه أحوال المرأة وأصبحت علي قدر من العلم والثقافة والوعي, تمارس مسئولياتها بدراية ومعرفة وثقة واتزان, قادرة علي تربية أبنائها ومساندة زوجها والمساهمة في تنمية وطنها. إنه سوف يكون مجتمعا أفضل, يسير نحو الأفضل, هذا بالضبط ما نتمناه جميعا وهذا بالضبط هو جوهر الاجابة عن السؤال: لماذا المرأة؟ ولماذا الآن؟