ذهب أحد أصدقائي المقربين منذ أيام لزيارة والدته بالهرم وترك سيارته أمام منزلها, وبعد ساعة غادر المنزل ليكتشف اختفاء السيارة وسرقتها, وعاش بعد ذلك ساعات عصيبة تمكن بعدها بما يشبه المعجزة من استعادة السيارة في وقت متأخر من مساء اليوم نفسه, وساعده علي ذلك مصادفتان لا تتاحان للكثيرين غيره, الأولي أن التليفون المحمول الخاص بزوجته سقط منها في أرضية السيارة قبل سرقتها دون أن تدري, واستقر تحت المقعد فلم يلاحظه اللص, والثانية أن أحد أقربائه يعمل في شركة التليفون المحمول التي تشترك بها الزوجة, فقام عن طريق الشبكة بتحديد موقع المحمول الذي سقط سهوا بالسيارة, ومن ثم موقع السيارة نفسها بعد سرقتها, والذي اتضح أنه أحد تجمعات المساكن الشعبية في أقصي شرق القاهرة, فكان ذلك هو الخيط الذي قاد للوصول إلي السيارة واستعادتها والقبض علي اللص وتقديمه للنيابة, وما بين سرقة السيارة وعودتها وقعت سلسلة من الحوادث والتفاصيل, خلاصتها أن ظاهرة سرقة السيارات قوامها لصوص فجرة وأمن عاجز إما طوعا أو كرها, وبين الاثنين تطرح تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نفسها كبديل بإمكانه صد فجور اللصوص وسد عجز الأمن.. وإلي التفاصيل. كان سقوط تليفون الزوجة داخل السيارة الواقعة الأولي التي اكتشفتها الأسرة, وحينما تم اكتشاف سرقة السيارة قرر الصديق عدم الاتصال بتليفون الزوجة, حتي لا يلفت نظر اللص ويتنبه إليه فيغلقه أو ينزع عنه بطاريته, ولأنه يعمل في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات, فقد قرر الاستفادة من وجود تليفون الزوجة بالسيارة واستخدام شبكة المحمول في تتبع موقع الجهاز وتحديد مكانه علي خريطة الأماكن التي تغطيها الشبكة بدقة, وبالتالي تحديد مكان السيارة بعد سرقتها, وفي الحال اتصل قريبه الذي يعمل بشركة المحمول لتحديد المكان الموجود به تليفون الزوجة ومن ثم السيارة المسروقة, واستغرق الأمر قرابة الساعتين حتي تمكن قريبه من القيام بهذه المهمة, وكانت المفاجأة أن التليفون موجود بأحد الشوارع داخل تجمع للمساكن الشعبية الواقعة علي أطراف القاهرة من جهة الشرق, أي علي بعد أكثر من40 كيلو متر من الهرم, كما كشفت معلومات الشبكة أن جهاز المحمول في حالة سكون علي الخريطة, مما يدل علي أن اللص أوقف السيارة ولم يعد يتحرك بها. سارع الصديق بهذه المعلومات إلي أقرب قسم شرطة, فما كان من مسئولي القسم وضابط المباحث إلا استقبال الأمر بسخرية, وقال الضابط: ما دمت قد عرفت مكان السيارة اتفضل روح هاتها. جمع الصديق بعض أقاربه وتوجه إلي المكان الذي حدده نظام التتبع الخاص بشركة المحمول, وحينما وصلوا إلي مشارف المنطقة التي دخلها اللص بالسيارة والمحمول عرج الصديق وأقرباؤه علي قسم الشرطة الموجود بها, وأبلغوا مسئولي القسم بما حدث والمعلومات التي لديهم عن السيارة, وهذه المرة كان ضابط المباحث أكثر تفهما وتقديرا لما وصلوا إليه, لكنه اعتذر عن الخروج معهم بقوة من القسم بشكل رسمي للقبض علي اللص واستعادة السيارة, لأن ذلك لا بد له من إجراءات رسمية, وهذه الإجراءات لم تتم. في غضون ذلك كان أحد أمناء الشرطة بالقسم يستمع للقصة, ويبدو أنها استهوته وصدق تفاصيلها وتوقع أنه بالإمكان الوصول للسيارة بالفعل عن طريق المحمول, وحينما كان الصديق وأقرباؤه يغادرون قسم الشرطة قابلهم الأمين وعرض عليهم الذهاب معهم وبرفقته بعض زملائه, مقابل مكافأة يحصلون علي نصفها إذا لم يستعيدوا السيارة ويحصلون عليها كاملة إذا استعادوها. اطلع الأمين وزملاؤه علي المعلومات التي تم الحصول عليها من شركة المحمول, وساعدتهم خبرتهم الميدانية علي تحديد المكان الذي يحتمل أن يجدوا فيه السيارة أكثر من غيره, وتوجه الجميع بالفعل إلي المكان, وهو عبارة عن مجموعة من العمارات السكنية التي أنشأتها الدولة لصالح محافظة القاهرة وكانت مخصصة في الأصل للحالات الطارئة والإخلاء وغيرها, لكن مجموعة من البلطجية وتجار المخدرات وبعض المواطنين الذين يعانون ازمة في الحصول علي سكن احتلوها واستولوا عليها بعد الثورة عنوة, وقد حكي لي الصديق وقائع مثيرة للغاية صاحبت دخولهم لهذه المنطقة بدأت برصدهم من ناضورجية وعيون المحتلين لهذه الشقق, وكيف تعامل أمناء الشرطة بحنكة واضحة مع هذه الألاعيب, واستمروا يبحثون اسفل العمارات حتي عثروا علي السيارة متوقفة تحت أحداها, وتظهر في البلكونة التي تعلوها فتاة صغيرة تدخل وتخرج كل عدة دقائق, ففهم الأمناء أن اللص بالداخل وأن الفتاة تستكشف له الموقف. طالب أمناء الشرطة الجميع بالتفرق ثم إعادة التجمع مرة أخري عند لحظة معينة, ثم تمت مهاجمة الشقة فوجدوا اللص جالسا يعبث برخصة السيارة وبالأوراق الخاصة بالصديق التي كانت موجودة بها, ويبدو عابثا غير عابئ بشيء, وتبدو عليه علامات جرأة تصل إلي الفجاجة, وبتفتيش الشقة وفحص ما لديه من أوراق اكتشفوا أنه سرق قبل ذلك ما لا يقل عن عشرة سيارات. هبط الجميع من الشقة واستقل الصديق سيارته غير مصدق أن محمول زوجته كان سببا في العثور عليها, واقتيد اللص إلي القسم بمعرفة أمناء الشرطة ودهش ضابط المباحث من عودتهم باللص والسيارة بهذه السرعة, وهنا ذاب الجليد بين الصديق وضابط المباحث ودخلا في حوار غير رسمي بث فيه الضابط همومه ومعاناته هو وزملائه, مما يلاقونه من قلة الإمكانات وعدم وجود أي استعداد أو تدريب علي توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في عملهم الأمني, وشكا الضابط من أن إجراء مثل تحديد موقع التليفون المحمول يستغرق في الأحوال العادية عدة أيام وربما أسبوع أو أكثر للحصول علي التصاريح اللازمة, تكون فيه الأحوال قد تغيرت والسيارة فقدت للأبد. شكا ضابط المباحث أيضا من أنه يعمل بلا أي اتصال مباشر أو لحظي بقاعدة بيانات الأمن العام أو إدارة مكافحة سرقة السيارات بالداخلية, ومن ثم فهو لا يعلم شيئا مطلقا عن البلاغات الخاصة بالسيارات المسروقة حتي علي مستوي الأقسام التي من حوله, وغير مسموح لهم كضباط باستخدام خرائط جوجل أثناء عملهم, بينما أساليب اللصوص تطورت, وتكتيكاتهم أصبحت سريعة جدا, والكثير منهم يستعين بأدوات تكنولوجية حديثة في التواصل والسرقة, وفي بيان عملي طلب الضابط من الصديق أن يري كيف أن المفتاح الذي يستخدمه اللص يمكنه فتح العديد من السيارات الحديثة المؤمنة بسهولة, وقد عبر لي الصديق عن دهشته الشديدة حينما رأي مفتاح اللص يفتح كل عديد من السيارات بسهولة بما فيها سيارة ضابط المباحث نفسه, ولم يتوان الضابط عن التصريح بأن قلة الإمكانات والتدريب والغياب شبه التام لتوظيف التكنولوجيا في العمل الأمني الميداني تجعله هو والكثير من زملائه في موقف العاجز, إما طوعا بعد فقد الحماس للعمل, أو كرها نتيجة نقص الإمكانات. وما دام اللصوص قد تجاوزوا مرحلة الجرأة إلي الفجر في السرقة, والأمن يعاني العجز طوعا وكرها, والتكنولوجيا بعيدة عن الاستخدام العملي بسبب تعقيدات الروتين تارة وعوائق القانون تارة أخري, فلا سبيل سوي أن يأخذ كل صاحب سيارة بزمام المبادرة بيده, ويحاول الاستعانة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في حماية سيارته واستعادتها لو تعرضت للسرقة, وأبسط ما يمكن أن يفعله مالك السيارة هو أن يبني حلا أمنيا خاصا به, يعتمد علي الدمج بين إمكانات التليفون المحمول والخدمات المجانية الموجودة علي الإنترنت, بتوضيح أكثر يمكن لكل شخص اشتري سيارة بعشرات أو مئات الألوف من الجنيهات أن يثبت تليفون محمول من فئة التليفونات الذكية في مكان غير مرئي بالسيارة, شرط أن يكون التليفون من النوع الذي يستقبل إشارة نظام تحديد المواقع العالمي جي بي إس, ثم يجعل التليفون علي الوضع الصامت, ويوفر له تيار كهربي من بطارية أو كهرباء السيارة حتي لا يتعرض للغلق نتيجة نفاد بطاريته, ثم يقوم بتسجيل رقم هذا التليفون في خدمة لاتتيود المجانية علي جوجل بالإنترنت, وهي تتطلب أن يكون له حساب علي البريد الإلكتروني جي ميل, فالتسجيل في هذه الخدمة يؤدي لربط التليفون بخدمة خرائط جوجل وتحديد موقعه علي الخريطة طالما كان التليفون يعمل ويتلقي إشارة جي بي إس, وبهذه الطريقة يمكن لصاحب السيارة أن يدخل علي الإنترنت في أي وقت ومن أي مكان باستخدام حاسب محمول أو حاسب لوحي أو جهاز آي باد, ثم يدخل علي خدمة لاتتيود برقم التليفون المثبت بالسيارة, ويقوم بتشغيل خرائط جوجل, فيظهر له موقع التليفون علي الخريطة فإذا وجد أن التليفون يظهر ساكنا في المكان الذي ترك به السيارة, فهذا معناه أن السيارة لم تتعرض للسرقة, وإذا ما تعرضت السيارة للسرقة فسيظهر التليفون علي الخريطة وهو يتحرك, أو يظهر في مكان آخر مختلف, ولكي يكون هذا الحل فعالا يتعين التحقق من مكان السيارة بصفة متكررة طوال اليوم, خاصة إذا تم تركها في أماكن يخشي فيها من السرقة. وقد استخدمت شخصيا خدمة تحديد المواقع علي التليفون وعلي لاتتيود وخرائط جوجل وكان يتم بالفعل توفير معلومة عن الموقع تصل نسبة الخطأ في تقديراتها إلي ما لا يزيد علي كيلو متر مربع, وهي مساحة قليلة من الأرض يمكن تمشيطها للعثور علي السيارة حال سرقتها, وتقديري أن هذا الحل يتسم بالسهولة ويتفادي العوائق الإجرائية التي تحول دون استخدام شبكات المحمول في تتبع الاجهزة, كما يتفادي العراقيل القانونية التي تحول دون تشغيل خدمات جي بي إس داخل السيارات, فضلا عن سهولته وقلة تكلفته, وحتي إن لم يعمل كما يجب, فالمرء لن يخسر كثيرا.