اكتسب مولد النبي المصطفى محمد – صلى الله عليه وسلم – صدى واسعًا وفريدًا في ذاكرة أدبنا العربي، قديمه وحديثه، من خلال نصوصه الشعرية والنثرية، بداية من شعر المسلمين الأوائل في عصر صدر الإسلام، ومرورًا بالعصور المتتابعة والوسيطة، ووصولا إلى أدبنا العربي الحديث والمعاصر، فكان حسان بن ثابت وكعب بن زهير وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك أول من أرخوا لذكرى المولد شعرًا وإبداعًا في زمن الرسول نفسه، ودفعوا بها لأن تكون موضوعًا من موضوعات الشعر آنذاك، وعاملا من عوامل انطلاقه وتغيره وتحليقه في فضاء جديد، ومن يعد لشعر تلك الفترة يلمس بنفسه ظلال (الميلاد النبوي) في شعر معظم شعراء العصر الإسلامي الأول، وما بعده، حتى أن الدكتور زكي مبارك صاحب الكتاب النادر والمهم (المدائح النبوية في الأدب العربي) يشير إلى أن أول من أنشد شعرًا في الاحتفاء بمولد نبي الرحمة، هو جد النبي نفسه (عبد المطلب) إبان مولده، واعتمد زكي مبارك في ذلك على ما ورد في كتب السير القديمة وخاصة سيرة (ابن هشام) وسيرة (ابن إسحاق)، ونسب إلى عبد المطلب قوله : وأنت لما ولدت أشرقت الأرض وضاءت بنورها الأفق ونحن في ذلك الضياء وفي النور وسبل الرشاد نخترق كذلك الأمر فما وردنا من شعر (عباس بن مرداس) في قوله يمتدح مولد النبي، وينسب إليه فضله : نبي أتانا بعد عيسى بناطق من الحق فيه الفصل منه كذلكا أمينًا على الفرقان أول شافع وآخر مبعوث يجيب الملائكا كذلك تنسب للأعشى الشاعر الجاهلي الكبير قوله مبشرًا بقدوم نبي الهدى والبر في قصيدة.. يقول فيها : وأبيض ُستسقى الغمامُ بوجهه ربيعُ اليتامى عصمة للأراملِ وتستمر المدرسة الشعرية في مديح المولد النبوي طيلة العصرين الكبيرين (الأموي والعباسي) ونلمحها بقوة في شعر الفرزدق وجرير وقطري بن الفجاءة وعمرو بن الحصين، والكميت، ودعبل الخزاعي، والشريف الرضي، ومهيار الديلمي انظر إلى قول الفرزدق وهو يمتدح النبي – صلى الله عليه وسلم –: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم و يأخذ شعر (المولد النبوي) منحى جديدًا في العصور الوسيطة (الفاطمي والأيوبي والمملوكي) حين يندمج هذا الخط الشعري الحي، بتيار الصوفية الساخن وخاصة في شعر البوصيري، وعمر بن الفارض، وعفيف الدين التلمساني، وغيرهم أمثال: ابن نباتة المصري، وابن سناء الملك، وظافر الحداد، والقاضي الفاضل، ولا خلاف أن مدائح البوصيري تعتبر في بنيتها الفنية والموضوعية خير دليل على التأريخ الحقيقي لرحلة النبوة الشريفة من مهدها وحتى ختامها، ونستشعر فيها دقة الوصف المضموني لمولد الرسول ولطبيعة دعوته، ومنها قوله واصفا ليلة مولد الرسول: ليلة المولد الذي كان للدين سرور بيومه وازدهاءُ وتوالت بشرى الهواتف أن قد وُلد المصطفى وحق الهناءُ مولد كان منه في طالع الكفر وبال عليهمِ ووباءُ فهنيئًا به آمنة الفضل الذي شُرفت به حواءُ