تعد مشكلة الهجرة غير الشرعية واللاجئين أحد أسوأ جوانب الصراعات التى تشهدها منطقة الشرق الاوسط حاليا. فالمنطقة التى تشهد حروبا واقتتالا داخليا منذ ثلاث سنوات ونصف تقريبا فى كل من سورياوالعراق الممتدة، شهدت أكبر موجة نزوح فى تاريخها الحديث سواء بين الدول أو داخل الدولة الواحدة (والارقام على عهدة المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة) مما قد يفرض واقعا جديدا على المنطقة. هذا الوضع الذى لم يشهده العالم منذ أزمة البلقان فى تسعينات القرن الماضى، يلقى بظلاله ليس فقط على دول الجوار التى باتت تعانى ضغوطا هائلة على البنى التحتية والخدمات العامة، ولكنه تخطاه ليمثل أزمة ستعانى منها الدول الاوروربية فى المستقبل القريب بعد أن باتت هدفا ومقصدا للالاف من طالبى اللجوء السياسى، هذا الوضع دفع دولة مثل الاردن تستضيف طبقا للاحصائيات الرسمية 640 الف لاجىء سورى - التقديرات الفعلية تشير الى تخطى عددهم المليون- الى الاعلان عن خطة لمواجهة الازمة وتداعياتها على الداخل الاردنى عام 2015، ومطالبة المجتمع الدولى بتوفير مزيد من المساعدات لتمكين الحكومة من القيام بدورها الانسانى تجاه هؤلاء، خاصة وأن كل من الاردنولبنان وتركيا تعد من اكثر الدول استقبالا للاجئين، وبعد أن اعتبرت المنظمات الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق المهاجرين أن عام 2015 سيشهد تأزما غير مسبوق فى هذه القضية ينذر بأن يتحول الوضع لكارثة انسانية واسعة النطاق ستتكشف ابعادها لاحقا. فالى جانب الصعوبات المالية التى تواجهها منظمات الاغاثة الدولية وفى مقدمتها تلك التابعة للأمم المتحدة، وهو ما أكدته فاليرى آموس مساعدة الأمين العام للقضايا الانسانية وشئون الاغاثة، التى ذكرت أن الزيادة المطردة لحاجات اللاجين تفوق بكثير الموارد المتاحة، موضحة أن النداء العاجل الذى وجهه البرنامج العالمى للغذاء لتفادى تعليق المساعدات الانسانية والغذائية للاجئين السوريين سمح بمواصلة البرنامج لشهر ديسمبر فقط، وان الرقم الاجمالى المطلوب كى تستطيع وكالات الاممالمتحدة القيام بدورها ربما يصل الى 16 مليار دولار، سيذهب الجزء الاكبر منه لمنطقة الشرق الاوسط وتحديدا للازمة السورية ثم العراقية، رغم وجود مناطق اخرى من العالم تستحق بدورها اهتماما مثل افريقيا الوسطى وأفغانستان وبورما ودول غرب افريقيا بسبب تفشى وباء الايبولا. فهناك جانب اخر لا يقل أهمية ويتمثل فى تزايد المطالبات الموجهه للدول الاوروبية الغنية بالسماح بقبول مزيد من اللاجين ووضع الخطط الملائمة لتوطينهم فى تلك الدول. وهو ما ذكرته صراحة أكثر من ثلاثين منظمة دولية اجتمعت فى جنيف، ودعت حكومات الدول الثرية الى اعادة توطين 5% من اللاجين الاكثر احتياجا خاصة من اللاجئين السوريين الموجودين فى دول الجوار. هذا الوضع دفع العديد من المحللين للقول بأن أزمة نقص التمويل المرشحة للتزايد بقوة خلال العام القادم ليست المشكلة الوحيدة فالمساعدات الانسانية وحدها لم تعد خيارا وحيدا وقد حان الوقت كى تتحرك حكومات الدول الغنية وتكتب حياة جديدة لهؤلا قبل نهاية عام 2014. وهنا يشير المدير التنفيذى لمنظمة أوكسفام البريطانية أن دور هذه الدول الغنية ينبغى أن يتركز فى اعادة توطين نسبة من هؤلا المهاجرين فى هذه الدول لضمان مستقبل أفضل واكثر أمانا، وهو امر ليس مستغربا ولكنه يتفق مع المواثيق والمعاهدات الدولية. ورغم أن هذه المطالبات الانسانية لم تجد استجابة واسعة حتى الان، الا أن ذلك لا يعنى أن الدول الاروربية غير منتبهه لابعاد المشكلة، فقد أعلنت السويد على سبيل المثال أنها تتوقع تدفقا هائلا من طلبات اللجوء العام المقبل ربما يصل الى 95 الف طلب، وهو رقم قياسى بكل المقاييس يتطلب استعدادا مكثفا من جميع الاجهزة الحكومية خاصة أن سياسة الحكومة السويدية بشأن الهجرة تعد من أكثر السياسات تساهلا فى أوروبا. ولكن ذلك لا يعنى أن المشكلة فى طريقها للحل بل العكس هو الصحيح، الى جانب الأزمات الاجتماعية التى تنتظر هؤلا القادمين وتتمثل فى صعوبة الحصول على مسكن وفرص عمل ومقاعد للدراسة، فان هناك مشكلة اخرى حذرت منها عدد من المنظمات الانسانية وتتعلق بآلاف السوريين الذين قد يصبحون بلا جنسية نتيجة الحرب، بل إن بعض المنظمات نبهت الى أن 75% تقريبا من الاطفال اللاجئين الذين ولدوا فى لبنان لم يتم تسجيلهم بشكل صحيح. هذا الوضع لا ينطبق على السويد فقط ولكنه ينطبق ايضا على ألمانيا بعد أن أعلن مدير المكتب الفيدرالى للهجرة واللاجئين أن بلاده تتوقع تلقى نحو 230 ألف طلب لجوء عام 2015، وذلك استنادا للتقييم الحالى للمشاكل السياسية والحروب والاضطهاد الدينى الذى يمارس ضد الاقليات مشيرا صراحة الى ما يحدث من قبل تنظيم داعش فى كل من سورياوالعراق وبعد استهداف الاكراد والازيديين، وهو ما دفع منظمة "برو ازول" المدافعة عن حقوق اللاجئين لمطالبة الحكومة الالمانية بتحضير برنامج لاستقبال اللاجئين المتوقع قدومهم من العراق، الامر الذى سيضع اعباء هائلة على الحكومة الالمانية فى توفير مأوى وخدمات لهؤلاء الفارين من الحروب والاستهداف الدينى والطائفى، رغم ما تنطوى عليه هذه المطالبات من مخاطر تزايد الشعور المعادى لهؤلاء الوافدين الجدد ومن ثم تغذية التيارات اليمينية المتطرفة، خاصة بعد أن أصبح فكر هذه الجماعات المتطرفة نقطة جذب لبعض الشباب الاوروبى. وأيا كان الامر فان الوضع الحالى لهذه القضية الشائكة لايمكن أن يستمر اعتمادا فقط على عطاء الدول المانحة ولا على التحذيرات التى تظهر بين الحين والآخر من الثمن الباهظ الذى سيدفعه المجتمع الدولى بسبب بطء التعامل مع هذه المشكلة الانسانية فالامر يتطلب مزيدا من الجهد الدولى لايجاد حلول قانونية وانسانية لمساعدة هؤلا الفارين من جحيم النزاعات والاضطهاد من خلال اعادة التوطين وبرامج الاستقبال والمساعدة رغم ما تنطوى عليه هذه الحلول من أعباء، فالعالم لم يعد يملك ترف الوقوف والمشاهدة من بعيد لمشكلة قد تتحول لقنبلة موقوتة فى وجه الجميع.