هل قرر الرئيس الأمريكى باراك أوباما أن يكون مرهوبا بأكثر من أن يكون محبوباً؟. يبدو أنه استمع إلى نصيحة البرجماتى السياسى الأول فى التاريخ السياسى «نيكولا ميكافيللي»، ولهذا جاء اختياره وترشيحه لآشتون كارتر ليضحى وزير الدفاع الذى يتوجب عليه إكمال ما قد بدأه من حروب علنية وسرية حول العالم طوال ستة أعوام مضت. لم يكن رحيل تشاك هاجل من وزارة الدفاع الأمريكية مقالا بل مستقيلا، إلا بسبب تكثيف واشنطن لمشاركتها العسكرية فى أجزاء مختلفة من العالم، ولهذا كان أوباما فى حاجة إلى شخص أكثر تعاونا فى وزارة الدفاع... هل كارتر هو ذلك الرجل؟ ليس أدل على شهية كارتر المفتوحة للحروب من مقاله الذى نشره فى صحيفة «التايمز» الأمريكية عام 2006، عندما كان يقوم بالتدريس فى جامعة هارفارد، حيث دعا الرئيس السابق جورج بوش الابن إلى شن ضربة وصفها بالجراحة ضد أنظمة كوريا الشمالية الصاروخية،وقد وصفه أوباما فى خطاب الترشيح بأنه «خليط فريد من الرؤية الإستراتيجية النظرية والمعرفة التكنيكية العملية»... هل يعنى ذلك شيئا ما؟ ربما يعكس التحولات العسكرية الأمريكية فى العامين القادمين، ذلك أنه إذا كان هاجل قد اتهم من قبل جنرالات البنتاجون بأنه مهزوز الأيدى وذو توجه دفاعي، فإن كارتر ربما سيكون الضد والنقيض له، وبخاصة أنه يلتقى مذهبيا، بمعني، اعتقاده فى منطق القوة العسكرية، لا القوة الأمريكية الناعمة، مع سوزان رايس مستشارة الأمن القومي، وسامانتا باور مندوبة واشنطن فى الأممالمتحدة، ليكون الثلاثة، مقدمة حروب أوباما الجديدة، ذات الإرث غير الاعتيادي. ولعل الاختبار الأول الذى سيواجه «كارتر» هو الجرح المفتوح فى الجسد العربي، المسمى «داعش» فهل سيغير الوزير الجديد حال تمت الموافقة عليه من قبل مجلس الشيوخ مسار الحرب ضد التنظيم الإرهابى فى العراق وسوريا؟ لا يبدو لكارتر موقف واضح فى هذا السياق، الأمر الذى ينسجم مع حالة التخبط والعشوائية التى تعيشها إدارة أوباما على الصعيدين الداخلى والخارجي، وفى كل الأحوال، والعهدة هنا على الراوي، مجلة فورين أفيرز، فإن كارتر سيبث استعدادا مطلوبا ومرونة تنقص وزارة الدفاع الأمريكية، فى التعامل مع التطورات غير المتوقعة فى أرض المعركة، حيث يطالب أن يكون البنتاجون أفضل فى «تحديد التهديدات»، بشكل مبكر مما يسمح بتغيير التكتيكات العسكرية للقوات الأمريكية على الأرض بشكل أكثر سرعة يلائم المفاجآت غير المتوقعة للعدو. من هم خصوم كارتر بادى ذى بدء ومن المقربين إلى قلبه؟ عرف كارتر دائما بآرائه الحادة والواضحة، فكارتر ذو الخبرة الكبيرة فى التعامل مع المسألة النووية الدولية، وتخصيصا بعد الأزمة الكورية الشمالية، قد نشر فى العام 2006 عبر معهد كارنيجى رؤية له طالب فيها بتهديد إيران بالتدخل العسكرى إذا لم تتراجع عن برنامجها النووي، وقد غلب على كتاباته اهتمام واضح بضرورة احتواء البرنامج النووى الإيراني. كارتر أيضا معروف بعلاقاته الجيدة مع دول الخليج العربي، فقد قام بالإشراف على عدد من الصفقات الضخمة لبيع أسلحة لهذه الدول. على أن أكبر صداقة يتسم بها كارتر، تخص الإسرائيليين ذلك أن التقارير القادمة من واشنطن تفيد بأنه أحد كبار أنصار إسرائيل، وهو شخص محبوب من «إيباك» أقوى جمعيات الضغط على أعضاء الكونجرس الأمريكى لصالح إسرائيل، وبالطبع موضوع تأييد مجلس الشيوخ لترشيح كارتر سيكون شيئا بديهيا بسبب غالبية المجلس المنتمية للحزب الجمهوري، المؤيدة بشدة لإسرائيل، خصوصا أنه معروف عن كارتر أنه صوت قوى داعم لإسرائيل من وراء الستار دون إثارة ضوضاء أو جذب انتباه. ويذكر أن كارتر كان أحد أهم العوامل وراء إدماج إسرائيل فى برنامج تطوير مقاتلات إف 35 شديدة التطور والذى يكلف ما يزيد على تريليون دولار فى أثناء مسئوليته عن مسائل التطوير التكنولوجى بالوزارة، والتى من المقرر أن تستلم إسرائيل 19 طائرة منها كجزء من المعونة العسكرية الأمريكية . وماذا عن مصر ؟ لا تظهر كثيرا فى خلفية كارتر، غير أن البعض يرى أن رحيل هاجل الذى حافظ على علاقة متميزة مع مصر بعد ثورة ثلاثين يونيو، أمر ربما يعقد الأمور بين واشنطن والقاهرة، غير أن أصحاب هذا الرأى يفوتهم أن غالبية خيوط السياسة الخارجية الأمريكية إن لم تكن جميعها عادة فى يد الرئيس نفسه، ولا يؤثر عليه سوى الحلقة الضيقة المقربة منه، والمتمثلة فى أعضاء مجلس الأمن القومي. يدخل كارتر «البنتاجون» ليرث «كأسا مسمومة»، والشكوك من حوله عريضة حول مقدرته على انتشال واشنطن من الحروب المفتوحة فى أفغانستانوالعراق وسوريا، ناهيك عن الملف الليبي، عطفا على صراعات مكبوتة فى آسيا البعيدة، منها ما يتصل بالأزمة الأوكرانية، ومنها الصعود العسكرى الصينى فى مناطق كانت نفوذا تقليديا لواشنطن، ومرجعية تلك المخاوف تتمثل فى أن كارتر لا يعد من المحترفين فى عالم السياسة، كما أنه ليس جنرالا أربعة نجوم، قاد معارك حربية إذ لا يمتلك خبرة عسكرية على مستوى وضع استراتيجيات حربية. هل تعيين كارتر سيحل إشكالية إقالة هاجل؟ يقول الفيلسوف الإنجليزى «فرانسيس بيكون» تتغير الأمور للأسوأ بشكل عفوي، إذا لم يتم تغييرها للأفضل عن عمد». لمزيد من مقالات إميل أمين