كانت مدينة الأقصر علي موعد مع نهضة حضارية وثقافية وسياحية علي مدي السنوات القليلة الماضية بفكر متطور قاده محافظها السابق الدكتور سمير فرج الذي حمل علي عاتقه تحويلها إلي متحف مفتوح بدأ بالعملية التعليمية. حيث شهدت مدارسها نهضة غير مسبوقة ومرورا بطفرة جمالية لشوارعها ومبانيها وأسواقها وانتهاء بالمواقع الأثرية خصوصا في برها الغربي ذائع الصيت. وقد كنت شاهدا علي هذه النهضة في نهاية عام2010 وكنت أقف منبهرا أمام هذا الإنجاز الذي يتحقق في صمت بأقصي جنوب مصر إلا أنه لم يكن يجول بخاطري أبدا أن تتوقف خطط التطوير لمجرد أن محافظا قد غادر موقعه أو أن حدثا ما عاشته مصر كان يجب أن يكون دافعا لمزيد من العمل وليس العكس. فقد رأيت الأقصر قبل أيام قليلة وليتني ما رأيتها حيث لم تتوقف فقط عمليات التطوير بل تراجعت تماما للأسف بفعل أبناء المدينة الأشهر أثريا في العالم حيث عاثوا فيها دمارا وخرابا بدعوي الثورة فحطموا المكتبة النموذجية النادرة هندسيا ونهبوا محتوياتها التكنولوجية والورقية واعتدوا بالإنشاءات علي طريق الكباش الذي كان مقررا له أن يكون أكبر متحف مفتوح في العالم واتخذوا من بعض مواقعه مقلبا للقمامة والطيور والحيوانات النافقة, كما طالت التعديات وشطحات الباعة الجائلين العديد من المواقع الأثرية الأخري حتي أصبحت ساحة معبد الأقصر علي سبيل المثال أشبه بملاهي الأعياد والموالد. وفي ظل الانفلات الأمني والحضاري الذي شهدته مصر المحروسة من أقصاها إلي أقصاها زحف السوق الحضاري للمدينة الذي تم تشييده لهذا الغرض ليغلق شارعا من أهم شوارعها وانتشرت الحناطير عشوائية بمخلفاتها في كل مكان وسيارات السرفيس في كل موقع بل امتد البناء إلي كل قطع الأراضي التي كانت بحوزة المحافظة بهدف تطويرها. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد حيث سال لعاب من حصلوا علي تعويضات عن أرض أو عقار ما ليعيدوا الاستيلاء عليه من جديد, وحتي دور العبادة التي كان مقررا نقلها إلي مواقع أخري بعيدا عن مسار طريق الكباش عاودت هي الأخري التعديات بمزيد من المباني وإقامة الأسوار الخرسانية. هي إذن فوضي ما بعدها فوضي شهدتها المدينة علي مدي عام2011 علي الرغم من أن المفترض أن أهل الأقصر هم الأحرص علي حمايتها من النهب والغوغاء وذلك لأن مصدر الرزق بطريق مباشر أو غير مباشر لنحو80% منهم من السياحة التي تدنت الآن في وقت الذروة الشتوية إلي نحو14% في بعض الفنادق ليس بسبب الغياب الأمني فقط وإنما في ظل الوقفات الاحتجاجية الغريبة في أوساط العاملين بالقطاع السياحي وإغلاق المزارات بل وقطع الطرق في كثير من الأحيان. وإذا كانت الأقصر الآن وبعد عام من الغياب تسعي إلي استعادة بريقها بمهرجان للسينما الأفريقية أو افتتاح المرحلة الأولي من تطوير طريق الكورنيش الذي كان حلم سمير فرج فإن ما يجب التأكيد عليه هنا هو أن الأقصر ليست ملكية خاصة لحفنة من عديمي الضمير يعبثون فيها كما يشاءون حيث يأتي القطاع السياحي كأهم ركائز الدخل القومي الذي شهد تدهورا حادا خلال العام الماضي لم يتوقف عند عزوف الأجانب أو المواطنين عن جولاتهم السياحية وزيارة المواقع الأثرية بل امتد إلي سرقة تاريخ مصر وكنوزها. إلا أنني أعتقد أن الأقصر وفي ظل حالة عدم اكتراث البلطجية وبعض المأجورين هناك والذين دأبوا علي إجهاض أي محاولة للإنقاذ أصبحت حملا ثقيلا ناء بحمله السفير عزت سعد محافظها الحالي, وقد أشفقت علي الرجل حينما قال: إن اليوم مناسب لافتتاح المهرجان الأفريقي حيث لا توجد سوي4 وقفات احتجاجية وإضراباين وقطع طريق واحد!.