فيما وصف بأنه استفتاء جماهيرى على سياساته الاقتصادية، حقق رئيس الوزراء اليابانى "شينزو آبى" وحزبه الليبرالى الديمقراطى نجاحا ساحقا فى الانتخابات التشريعية المبكرة، التى أجمع المحللون على أنها كانت محسومة النتائج قبل أن تبدأ، حيث حصد الحزب بالاشتراك مع حليفه الأصغر حزب "نيو كوميتو" 326 مقعدا من مجموع مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 475، وليضمن آبى بذلك ليس فقط الاستمرار فى منصبه كرئيس للوزراء لأربع سنوات مقبلة، ولكن الاستمرار أيضا فى رئاسة الحزب عند إجراء الانتخابات الداخلية المقررة فى سبتمبر المقبل بعد أن أثبت بهذه النتيجة جدارته السياسية. ورغم أجواء العملية الانتخابية التى اتسمت بضعف الإقبال بشكل غير مسبوق، حيث لم تتعد نسبة المشاركة 52%، فضلا عما تردد حول أن هذه النتيجة ليست دليلا على نجاح آبى وحكومته، بقدر ما تعد مؤشرا على ضعف البدائل السياسية المطروحة أمام المواطنين بسبب انقسام المعارضة وتشتتها، وعدم قدرتها على الحركة بفاعلية، حيث سبق للرأى العام أن فقد ثقته بالحزب الديمقراطى الذى فشل أثناء وجوده فى السلطة فى معالجة الأزمات التى واجهتها اليابان عام 2011 عقب الزلزال المدمر والتسونامى وما تبعها من كارثة فوكوشيما، وبعد أن بدت أحزاب المعارضة وكأنها أخذت على حين غرة بإجراء انتخابات مبكرة لم تكن مستعدة لها على الإطلاق. هذه النظرة السلبية لم تؤثر على فرحة الحزب ورئيسه بهذه النتيجة، واعتبرها تمثل تأييدا وتحية من الناخبين لسياساته الاقتصادية التى طالما وصفها بأنها الطريق الوحيد لإعادة الاقتصاد اليابانى لسابق عهده، إلى الحد الذى جعل فيه شعار حملته الانتخابية "الطريق الوحيد" دليلا على اعتزازه بسياساته التى ارتبطت باسمه فيما اصطلح على تسميته " ابينوميكس"، وهو ما أكده بدوره وزير ماليةاليابان " تارو اسو" قائلا إنه رغم أن هذه السياسة مازالت فى منتصف الطريق، إلا أن هذا النجاح الانتخابى يشير بوضوح لضرورة مواصلتها.
وهنا يشير المحللون إلى أن هذه الثقة التى تحدث بها رئيس الوزراء عقب ظهور النتائج لا تعنى أن الأرض أصبحت ممهدة تماما أمامه ، فرغم أن استراتيجته الاقتصادية التى ارتبطت باسمه وقامت على ثلاثة محاور هى سياسة نقدية، وسياسة تحفيز مالية، وإعادة هيكلة بعض القطاعات لتشجيع الاستثمارات الأجنبية، حققت فى البداية نتائج طيبة تمثلت فى زيادة الإنفاق الاستهلاكى وخفض معدل البطالة، خاصة مع ترافق ذلك بانخفاض سعر الين، مما أعطى الصادرات اليابانية ميزة تنافسية، إلا أن هذا الوضع لم يستمر طويلا بعد أن رفعت الحكومة ضريبة المبيعات من 5% إلى 8%، فتسبب ذلك فى خفض نسبة الإنفاق وعاد الاقتصاد لحالة الانكماش مرة أخرى، خاصة مع إعلان الحكومة عزمها زيادة هذه الضريبة مرة أخرى، لتصل إلى 10% مع بداية العام الجديد، ليتسبب الأمر فى مزيد من التراجع فى أداء الاقتصاد. ورغم أنه أعلن فور ظهور النتائج أن تركيزه خلال الفترة المقبلة سينصب على إنعاش الاقتصاد، عن طريق طرح حزمة تحفيز مالى بمبلغ يتراوح بين 16 و25 مليار دولار مطلع العام المقبل بهدف زيادة الإنفاق الحكومى، فأنه ليس من الواضح تماما كيف ستستطيع الحكومة تنفيذ ذلك مع عزمها خفض مستويات الدين الحكومى، ومع تقليل الإنفاق المقرر للرعاية الاجتماعية والتعامل مع التحديات الديموغرافية المتوقعة بسبب تزايد عدد كبار السن، فى الوقت الذى وعدت فيه الحكومة بتأجيل تطبيق الزيادة الجديدة لضريبة المبيعات حتى عام 2017.
ورغم أن المبرر المعلن لهذه الانتخابات المبكرة كان رغبة رئيس الوزراء فى الحصول على تفويض شعبى لاستمرار هذه السياسة فى مواجهة الأصوات الرافضة والمشككة، الا أن الأمر من وجهة نظر بعض المحللين يتعدى ذلك. حيث يرى هؤلاء أن الانتخابات كانت وسيلة آبى لتمديد فترة وجوده فى منصبه، خاصة أنه من منتصف خمسينيات القرن الماضى وحتى الآن، لم يتمكن أى رئيس وزراء يابانى من الاستمرار فى المنصب لمدة 6 سنوات سوى ثلاثة أشخاص فقط، كانت السمة المشتركة بينهم أنهم دعوا لانتخابات مبكرة خلال فترة ولايتهم. أما الأمر الثانى أنه بمقتضى هذا التفويض الشعبى سيتمكن من طرح قضايا مثيرة للجدل داخل المجتمع اليابانى، يأتى فى مقدمتها إعادة تشغيل المفاعلات النووية لتوليد الطاقة، وهى القضية التى تجنب إثارتها خلال حملته الانتخابية نظرا للحساسية التى تمثلها خاصة بعد حادثة فوكوشيما، والرفض الشعبى العارم لإعادة فتح هذا الملف مرة أخرى، ويليها وهذا هو الأهم والأخطر يتمثل فى محاولة تعديل الدستور السلمى لليابان بشكل يسمح للقوات اليابانية بالمشاركة فى عمليات خارج حدودها، وهى نقطة سبق أن تحدث صراحة فيها، قائلا إن الوقت قد حان لفتح نقاش مجتمعى معمق حول الدستور، واقتراح بعض التعديلات، وهى مهمة ليست سهلة على الإطلاق، فإلى جانب أن مثل هذه الخطوة تتطلب موافقة ثلثى أعضاء البرلمان بغرفتيه، فإنها تستلزم أيضا طرحه للاستفتاء والموافقة على التعديلات بأغلبية الأصوات.
وفى كل الأحوال فأن مدى نجاح آبى فى تطبيق سياساته المتوقع أن تثير جدلا فى الداخل والخارج سيظل وفقا للمراقبين رهنا بمدى قدرته على مواجهة المعارضة من جهة، وجماعات المصالح والبيروقراطية من جهة أخرى، وأن كان ذلك لا ينفى أن الوقت والأغلبية البرلمانية التى يتمتع بها حزبه ربما تساعده فى تخطى الكثير من العقبات المتوقع أن تواجهه، وفى هذه الحالة لن تكون هذه الانتخابات خطوة بلا معنى كما وصفتها المعارضة ولكنها ستكون لحظة فارقة فى تاريخ السياسة اليابانية.