كانت ومازالت قضية الإهمال بالمستشفيات العامة والحكومية والاستهانة بمرضى العلاج المجانى والتعامل معهم على أساس أن مايقدم لهم هبة تستحق الشكر دون اعتراض، قضية شائكة تحتاج المزيد من إلقاء الضوء والتعامل معها باهتمام أكبر . و ذلك بعدما تحولت بعض أقسام العلاج فى تلك المستشفيات إلى مصائد للموت تحصد أرواح مرضاها الذين يتساقطون واحدا تلو الآخر، واذا لم تكن النهاية فإن من يكتب له البقاء يمضى ما تبقى له أسيرا للمزيد من العلل والأمراض التى قد تلحق به بخلاف مرضه الذى دخل المستشفى للعلاج منه، فعندما يجتمع الإهمال وغياب الضمير مع المرض فالهلاك قادم لا مفر ولنقل على الصحة السلام. الشكوى مريرة والصراخ مستمر لا يتوقف فمنذ أيام لقيت مريضتان بقسم الغسيل الكلوى بمستشفى الحسينية المركزى حياتهما عقب جلسة للغسيل، فيما أصيب آخرون بمضاعفات خطيرة، ورغم كبر سن المريضتين ووفاة إحداهما خارج المستشفى وبعد جلسة الغسيل بعدة ساعات بخلاف إصابتها بعدد إضافى من الأمراض، ومنها الفشل الكبدى والاستسقاء، وإصابة الثانية بأزمة قلبية حادة وهبوط حاد فى القلب إلا أن أصابع الاتهام كانت تتجه للإهمال ما دعا إدارة المستشفى ووكيل وزارة الصحة بالشرقية لفتح تحقيق عاجل وتشكيل لجنة لتحرى و بيان سبب الوفاة. وفى مركز أبو كبير تباشر النيابة الإدارية التحقيق مع 44 من العاملين بوحدة الغسيل الكلوى بمستشفى فاقوس العام فى التهم الموجهة إليهم بالإهمال فى علاج مرضى الغسيل الكلوى، ما أدى لإصابة عدد منهم بالأمراض، الأمر الذى سبقه إحالة عدد من المسئولين للمحاكمة التأديبية للسبب نفسه. وفى الزقازيق تقدم عشرات المرضى بقسم الغسيل الكلوى ببلاغات للنائب العام ووزير الصحة ورئيس الجامعه مطالبين بالتحقيق بعد ارتفاع أعداد الوفيات فى القسم ووصولهم لرقم مخيف خلال فترة وجيزة. ورغم تذرع الأطباء بعدم المسئولية عما حدث ويحدث من وفيات سواء فى الواقعة المذكورة بمستشفى الحسينية أو غيرها وإلقاء تبعاته إما على الفنيين باعتباره خطأ فنيا فى تركيب المرشحات، أو القضاء والقدر باعتبارأن قضاءهم قد حان و عمرهم، اتهم المرضي و أهالى المتوفاتين المستشفيات بالإهمال والتهاون فى رعايتهما، ملقين باللوم على سوء الإدارة وضعف الإمكانات واللجوء لفلاتر رخيصة الثمن رغم عدم كفاءتها نظرا لمجانية الخدمة المقدمة، وعدم دفع المرضى فيها، متجاهلين انها احد الحقوق المكفولة لهم. كانت حالة من الغضب قد سيطرت على مرضى الغسيل الكلوى وذويهم بأقسام الغسيل الكلوى فى عدد من المستشفيات الحكومية عقب وفاة مريضتين بالفشل الكلوى إثر تلقيهم جلسة الغسيل، وأكد المرضى أنهما أصيبتا بضيق بالتنفس واضطرابات فى النظر قبل وفاتهما، وان الأمر لم يعد السكوت عليه أو التهاون معه، مطالبين بفتح ملف الغسيل ومنحهم الفرصة لنقل شكاواهم علهم يجدون من يسمعهم أو يسمعنا. فى البداية يؤكد عدد من مرضى الغسيل الكلوى أنه فى الوقت الذى تحتاج فيه الأجهزة الخاصة بالغسيل لصيانة دورية وتعقيم مستمرعلى أعلى مستوى، إلا أن ذلك لا يحدث ولا نراه بالرغم من التشغيل المستمرللأجهزة على مدى عدة شفتات والتى يزيد أعداد المرضى فى الشفت الواحد عن 30 مريضا، مما أدى لتهالك معظم الاجهزة وتلوثها لغياب أعمال النظافة، بالإضافة لإعادة استخدام الفلتر أو المرشح فى جلسات الغسيل دون تعقيم، وبالتالى تحولت لوسيلة لنقل الأمراض وأبرزها فيروس سى. وداخل احد المستشفيات لم يختلف المشهد كثيرا عما كان قبل سنوات حينما تناولت "الأهرام" سوء الأوضاع وتدهور حالة القسم برغم تعاقب المسئولين فما زالت الدماء تتناثرهنا وهناك، وقطع القطن الملوثة ملقاة بلا مبالاة، وكذلك مخلفات الحقن والعبوات الفارغة والحشرات الزاحفة والطائرة والقطط التى تتحرك بحرية فى كل مكان بجوار الأسرة وتحتها. وقبل كل هذا وذاك أنين وأوجاع المرضى لا تتوقف دون أن تجد من ينصفها، يروى المرضى أن القسم شهد وقوع العديد من حالات الوفاة خلال أشهر معدودة، فضلا عن إصابة العشرات من المرضى بمضاعفات عقب كل جلسة، مرجعين ذلك لسوء المرشحات المستخدمة وضعف كفاءتها وتعنت المسئولين عن الوحدة فى الإصرار على نوع بعينه، فضلا عن غياب الإشراف الطبى المباشر. ويضيف أحد المرضى أن وقوع مضاعفات بعد كل جلسة أصبح أمرا طبيعيا لعدم كفاءة المرشحات وقدرتها على امتصاص السموم. وبالتالى بقاؤها وتركزها فى الجسد لدرجة أننا لم نعد نستطيع شرب الماء، الأمر الذى بات القاعدة وعدم وقوع مضاعفات هو الاستثناء. ويضيف فارس عبد الجواد أحد مرضى الفشل الكلوى بالمستشفى أننا منذ تغيير المرشحات المستخدمة فى عمليات الاستصفاء الدموى منذ سنوات، أصبحنا نعانى أشد المعاناة، وتتزايد لدينا معدلات الشعور بالتعب والإجهاد، الأمر الذى انعكس على الحالة العامة وأكدته التحاليل، ورغم تعدد الشكوى إلا أن الإدارة لاتعترف بذلك، وطالب بضرورة الإسراع بإعادة تقييم المرشحات المستخدمة بعد ثبوت فشلها وعدم كفاءتها قبل سقوط المزيد من الضحايا. وقال إنه على الرغم من أن علاجنا بقرار على نفقة الدولة لكننا لانحصل عليه بالكامل، والمستشفى غالبا ما يكتفى بجلسة الغسيل، وحينما نسأل عن باقى حقوقنا من أدوية وخلافه أو نعترض نفاجأ بردود غريبة تزيدنا إيلاما مثل هو ده الموجود واللى مش عاجبه يمشى. وقال أحد المرضى إن الأجهزة عادة ما تتعطل، وأحيانا خلال الجلسة الواحدة بسبب عدم صيانتها بانتظام. وشكا المرضى من إصرار المستشفى على استخدام محاليل الاسيتيت التى تم الغاؤها ووقف التعامل معها منذ سنوات بدلا من مادة البيكربونايت غير المتوافرة دون اعتبار لمدى خطورة الأولى، حيث أثبتت التجارب تسببها فى حدوث هبوط فى ضغط الدم وعضلة القلب، مما يهدد صحتهم ويعرضهم للخطر ويدفع بهم إلى مزيد من الاعتلال والضعف. فيما شكت الحاجة نعيمة من رداءة الإبر المستخدمة فى عمليات الحقن والغسيل والتى تشبه المسمار لكونها سميكة، بدرجة كبيرة مما يزيد من المعاناة والخوف. وتروى إحدى الفتيات من داخل وحدة للغسيل الكلوى أن والدتها توقفت عن الغسيل ورفضت إحدى الجلسات بسبب الألم الناتج عن الحقن بتلك الإبر. ويشير المرضى إلى تهالك معظم أجهزة غسيل الكلى وتجاوزها مدة العمل المسموح بها، ورغم الشكوى لم يتغير شيء، كما أشاروا لعدم توافر الأدوية، خاصة احتياجات الطوارئ والادوية الخاصة بعلاج فقر الدم الذى نضطر لشرائها من الخارج. وقال محمد رمضان إنه وزملاءه يعانون من هبوط فى نسبة الهيموجلوبين ولا يتوافر العلاج اللازم مما يجعلهم يشعرون بالإجهاد وزيادة الإحساس بالتعب والإنهاك خلال جلسة الغسيل لنقص الهيموجلوبين فى الجسم، حتى إننا لم نعد نتحمل استكمال الجلسة الواحدة مما يؤدى لتراكم السموم فى أجسامنا، وعلى الرغم من توصية الأطباء بضرروة صرف هذا العلاج لتفادى وقوع مضاعفات لكننا لا نجده فى أوقات كثيرة. كما شكا المرضى من تدهور أحوال النظافة لعدم كفاية العاملين بالقسم و تكدس المرضى داخل العنابر، حتى إن أقارب المرضى وذويهم يلجأون لتنظيفها وجمع القمامة بأنفسهم أحيانا، وشكت علية زكريا من عدم نظافة دورات المياه التى تعد مصدرا رئيسيا لنقل العدوى وتفشى الامراض، وطالب المرضى بزيادة أعداد التمريض والعاملين بالقسم لتمكينهم من الوفاء بأعمال النظافة اللازمة ورفع المخلفات أولا بأول، خاصة أنهم الأقرب إليهم ودائما يشعرون بمعاناتهم، لكنهم قليلو الحيلة أمام قلة الأعداد فى مواجهة كثرة المرضى. فيما كشف أستاذ أمراض الكلى عن أن مصر تتصدر القائمة العالمية فى معدل وفيات الفشل الكلوى بسبب الإهمال، وإذا لم يتم التوقف وإعادة النظر فى مستوى الخدمة المقدمة وتلافى جميع السلبيات فإن وضعنا كدولة على المستوى الصحى العالمى فى خطر، وطالب بإعادة النظر فى الأجهزة الطبية المستخدمة وزيادة أعداد وحدات الغسيل الكلوى، والتوسع فيها على مستوى جميع المستشفيات لكفاية احتياجات الأعداد المتزايدة ووقف نزيف القتل باسم تقديم العلاج.