يشهد الائتلاف الحاكم فى ألمانيا بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل خلافا متزايدا بين المحافظين والاشتراكيين بسبب سياسة ألمانيا تجاه روسيا، وكيفية التعامل مع الرئيس بوتين، ما أدى إلى تعكير الأجواء بين الشريكين، ودفع المستشارة للدعوة لاجتماع ثلاثى يشارك فيه رؤساء الاحزاب الثلاثة المشاركة فى الحكومة، وهى الاتحاد المسيحى بحزبيه المسيحى الديمقراطى، والمسيحى الاجتماعى فى ولاية بافاريا. والحزب الاشتراكى الديمقراطى . ويلاحظ المراقبون فى الآونة الأخيرة حرصا من وزير الخارجية الاشتراكى المخضرم فرانك فالتر شتاينماير على التصريحات المتوازنة وعدم المبالغة فى انتقاد موسكو، بل وتأكيد ضرورة الحفاظ على الخيوط معها، وعدم الانخراط فى سياسة المواجهة مع روسيا التى تتبناها واشنطن وتضغط على حلفائها بمن فيهم برلين للانصياع لها. فى المقابل تشتد وتحتد لهجة المستشارة أنجيلا ميركل تجاه موسكو، كما حدث أخيرا خلال قمة العشرين فى استراليا، عندما حذرت ميركل من امتداد الصراع إلى خارج أوكرانيا بسبب سياسة بوتين. التصريحات استبقت زيارة شتاينماير إلى موسكو ما دفع وزير الخارجية الألمانى لانتقاد ميركل بشكل غير مباشر، محذرا من التصريحات التى قد تضيع أى فرصة للمساهمة فى التهدئة مع روسيشا، وإنهاء الصراع بشكل سلمي. وبينما تتحدث ميركل عن تشديد العقوبات وتضييق الخناق على موسكو خرج شتاينماير من لقائه ببوتين ليقول إنه بحث معه طرقا للخروج من الأزمة يمكن ان تفتح آفاقا جديدة للتعاون! سجال التصريحات بين المستشارة ووزير خارجيتها لم يفت على المراقبين، ولكنه تطور ليصبح محل اهتمام إعلامى كبيرا هنا، بعد أن دخل هورست زيهوفر رئيس الحزب المسيحى الاجتماعى فى بافاريا والشريك الأصغر لحزب ميركل على الخط ليهاجم الاشتراكيين بشدة، متهما إياهم بالخروج عن سياسة الغرب المشتركة تجاه روسيا، ويطالب شتاينماير علنا بتحديد موقفه، هل هو يدعم المستشارة أنجيلا ميركل أم يتبع سياسة خارجية موازية لها؟ وجاء رد فعل الوزير الألمانى ليؤكد عمق الخلاف مع المستشارية، فنفى توجيه النقد لميركل متهما الإعلام بالمبالغة فى تفسير تصريحاته، ولكنه أشار أيضا إلى أنه ليس من الذكاء أن يساء استغلال قمة مثل قمة العشرين، فبدلا من الاستفادة مما تتيحه من فرص للقاء والحوار المباشر خلف الكواليس مع بوتين لحل الأزمة الأوكرانية، تطلق فيها تصريحات إعلامية تضر ولا تفيد! ولم يكن موقف شتاينماير وحده هو الذى أثار استياء السياسيين فى الاتحاد المسيحى بحزبيه فقد دعا السياسى الاشتراكى البارز ايجون بار وكذلك رئيس الحزب الاشتراكى زيجمار جابرييل للتهدئة مع روسيا، وضرب جابرييل مثلا بسياسة التهدئة مع الشرق والانفتاح عليه فى أوج الحرب الباردة والتى اتبعها المستشار الالمانى الاشتراكى الشهير فيلى برانت فى السبعينيات من القرن الماضى. كذلك توالت تصريحات السياسيين الاشتراكيين الداعية لمراجعة موقف برلين من موسكو، بل إن ماتياس بلاتسيك السياسى البارز ورئيس المنتدى الروسى الالمانى طالب الحكومة الالمانية والغرب بشكل عام بمراجعة موقفها من ضم روسيا للقرم داعيا للبحث عن حلول لا تظهر بوتين مهزوما فى مواجهته مع الغرب، واقترح إعادة استفتاء القرم تحت إشراف منظمة الأمن والتعاون الأوروبى. أما لوثار دى ميزيير، آخر رئيس وزراء لجمهورية ألمانياالشرقية قبل إعادة توحيد ألمانيا، فقد انتقد العقوبات الغربية على روسيا، معتبرا أنها تضر بالاقتصاد الأوروبى وتضعف أوكرانيا ولا تثمر شيئا . وقد تسببت هذه التصريحات فى زيادة غضب المستشارة أنجيلا ميركل أن دى ميزيير يرأس حوار بطرسبرج، وهى آلية للتشاور متميزة بين برلينوموسكو، لذا فقد اتخذت قرارا فرضته على وزير خارجيتها شتاينماير بتغيير رئيس المنتدى، واختيار مجلس إدارة جديد له وتعديل لائحته بحيث يسمح بإشراك المجتمع المدنى الروسى فى أنشطته، وانتقاد سياسة موسكو بشكل كاف فى المستقبل. الاشتراكيون من جانبهم دافعوا عن موقفهم، وأكدوا أن شتاينماير صوت للعقوبات الأوروبية على روسيا مع نظرائه الاوروبيين، مشيرا إلى أن سياسة عزل موسكو والضغط عليها التى تتبعها ميركل تواجه بانتقادات أيضا من داخل الاتحاد المسيحى، وألمحوا إلى مشاركة فيليب ميسفلدر مسئول الشئون الخارجية لحزب ميركل فى احتفال الرئيس بوتين بعيد ميلاده! لقد خرج الخلاف بين المحافظين والاشتراكيين، حول كيفية التعامل مع روسيا بوتين، من الغرف المغلقة ليصبح مادة فى وسائل الإعلام، وهو أكثر شىء يثير ضيق المستشارة التى تفضل أن تبدو حكومتها الائتلافية متحدة وتحت السيطرة. غير أن هذا الخلاف مرشح للتصاعد، فالمشكلة ليست فقط فى موقف أيديولوجى مختلف للحزبين من روسيا، ولكن يمكن القول إن ألمانيا لديها بالفعل وزيرا خارجية وليس وزيرا واحدا. فالمستشارة الحديدية، التى تمكنت خلال حكومتها السابقة من إحكام قبضتها تدريجيا على السياسة الخارجية وسحب البساط من الوزير الليبرالى السابق فسترفيلة، تجد الآن صعوبة فى فعل الشىء نفسه مع وزير خارجية مخضرم مثل شتاينماير، كما أن الاشتراكيين ليسوا مجرد شريك صغير فى الحكومة، كما كان الحزب الليبرالى. والسؤال الآن أى سياسة ستتبعها برلين تجاه موسكو خلال الفترة المقبلة، سياسة الحوار والاحتواء أم المواجهة؟!