سعدت كثيرًا بالاحتفالية التى نظمها المجلس الأعلى للثقافة تكريمًا للأديب والناقد الكبير يوسف الشاروني، فهو علم من أعلام الأدب والنقد والثقافة المصرية عامة، وتكريمه والاحتفاء به هو تكريم للثقافة الأصيلة، فى زمن كثر فيه الأدعياء، ومعرفتى ب «الشاروني» كاتبًا تعود إلى سنوات الصبا، ثم التقيته شخصيًا بعد رحلة اغتراب دامت سنوات طويلة، وزاد إعجابى به حين وجدته مثقفًا موسوعيًا وإنسانًا نبيل الخلق عف اللسان، يكاد يتوارى خجلاً كلما سمع مديحًا يكال له، وأسعدنى أستاذنا الجليل بإسهامه بدراسة قيمة فى كتابى عن أمير الرواية نجيب محفوظ، كانت محل إشادة كل من قرأ الكتاب. وقراءة لإبداع وفكر هذا العملاق تكشف لنا كيف كان يتنقل كالفراشة من حقل إلى آخر، ليتحف قارئه بدرة من درره التى شارفت المئة كتاب، ما بين ترجمات لكبريات مسرحيات المسرح العالمى وإبداع فى مجال القصة القصيرة والرواية والنثر الغنائى والسيرة الذاتية والنقد التطبيقى والنقد التنظيري، والتراجم الأدبية لكبار المبدعين من مجاليه، ودراسات تراثية للأدب العربى والإنسانى العالمي، ومختارات للقصة النسائية المصرية. والحديث عن يوسف الشارونى يجرنى إلى حديث عن عملاق آخر، لا يقل عطاء عنه هو أيوب الثقافة المصرية المفكر الكبير وديع فلسطين، الذى يكاد يكون مجهولاً لأبناء هذا الجيل ولا يعرفه سوى الأصلاء من الأدباء والمثقفين، ويحظى بتجاهل غير مفهوم من الإعلام المصري، فى وقت تحتفى به المحافل الأدبية العربية. ووديع فلسطين صعيدى من قنا، وقد سبق الشارونى فى المولد بعام فهو من مواليد أكتوبر 1923م، وتخرج فى قسم الصحافة بالجامعة الأمريكية عام 1942م، وعمل بصحيفتى «المقطم» و«المقتطف» بين عامى 1945 1952م، وبتوقف الصحيفتين اتجه للعمل فى شركة «أرامكو» ومجلتها «قافلة الزيت»، وأنتج نحو 40 كتابًا فى الأدب والتراجم والاقتصاد والسياسة. وكانت بداية تعرفى على هذا المفكر العملاق عبر مقالاته التى كانت تنشر فى إحدى الصحف العربية بلندن فى أوائل تسعينات القرن الماضى تحت عنوان لافت فى رصانته «حديث مستطرد»، وقيض لى الالتقاء به فى القاهرة خلال الاحتفال بتسليم جائزة الشاعر السعودى الراحل حسن عبد الله القرشى للشعراء المصريين، ومما يثير الشجن أن هذا المفكر العاشق لعروبته ولغتها اختير عضوًا فى مجمعى اللغة العربية فى سوريا والأردن، فيما تجاهله مجمع اللغة العربية بالقاهرة!! وهذا العقوق لقامة بحجم وديع فلسطين، يتواصل بشكل أكثر بشاعة مع الأديب والروائى الكبير محمد جبريل الذى عانى ولايزال من تجاهل لمحنة مرضه، وتنصل وزارة الثقافة من مسئوليتها بحجة عدم وجود بند فى الموازنة لعلاج الأدباء، ولأن جبريل يتمتع بعزة نفس تمنعه من طلب المساعدة فقد تحمل تكلفة العملية منفقًا مدخرات شيخوخته، وأسهم اتحاد الكتاب ونقابة الصحفيين بتحمل نحو 15% من تكلفة الجراحة، بعدما كتبت مناشدًا الجهتين التدخل، فيما أخفت وزارة الثقافة رأسها فى الرمال، متخلية عن أديب قدم لمصر عصارة فكره متمثلة فى أكثر من 20 رواية وكتابًا. إن تكريم الرموز الثقافية يجب ألا يقتصر على الاحتفاليات، وإنما أيضًا تقديم الرعاية الصحية اللائقة بهم وبما قدموه من عطاء، فلا خير فى أمة تتنكر لمفكريها فى كبرهم. لمزيد من مقالات أسامة الالفى