هناك فكرة خاطئة سائدة لدي الناس, هي أن الأزهر مؤسسة دينية فقط, وهذه الفكرة أبعد ما تكون عن حقيقة الأزهر منذ إنشائه قبل أكثر من ألف عام إلي الآن, ولن نجول في تاريخ الأزهر القديم لدحض هذه الفكرة الخاطئة, وإنما سوف نكتفي بالحديث عن الأزهر خلال المائتي عام الأخيرة: فقد كان الأزهر هو مفجر النهضة الحديثة في كل المجالات العلمية والفكرية والثقافية, بدأ النهضة العلمية الشيخ حسن العطار, وكان له بالإضافة إلي ذلك فضل احتضان تلميذه النابه رفاعة رافع الطهطاوي, الذي أرسل إلي باريس في العقد الثالث من القرن التاسع عشر ليكون إماما للبعثة العلمية المصرية, فإذا به يتفوق علي الجميع ويكتب لنا عن قراءاته ومطالعاته ومشاهداته للمجتمع الفرنسي في تلك الفترة في كتابه المشهور تخليص الإبريز في تلخيص باريز. وعندما يعود إلي مصر يؤسس للنهضة في أماكن كثيرة, ومازالت أعماله وآثاره العظيمة بادية إلي الآن, ويسير علي نهج رفاعة الطهطاوي علماء آخرون تخرجوا في الأزهر أو كانوا قريبين منه, وهؤلاء جميعا هم زعماء الإصلاح في العصر الحديث مثل الشيخ جمال الدين الأفغاني, والإمام محمد عبده, والزعيم سعد زغلول, ومحمد رشيد رضا.. وكثيرين غيرهم. وتتواصل مسيرة النهية العلمية والثقافية في داخل الأزهر أو علي يد من تعلموا في الأزهر وخافوا من المضايقات فانتقلوا إلي أماكن أخري, ومن أبرز هؤلاء الدكتور طه حسين. لكن الأزهر, علي الرغم من عوائقه الداخلية الكثيرة, وتسلط بعض أبنائه الأقل شأنا علي مقدراته, ظل يخرج العلماء الكبار المثقفين, وهؤلاء كانوا يجمعون بين العلم الديني والرؤية الثقافية المتقدمة أو الإبداع الفكري والثقافي, وأكتفي هنا بأن أذكر من بينهم الشيخ محمد مصطفي المراغي, والشيخ مصطفي عبدالرازق وأخاه الشيخ علي عبدالرازق, والدكتور محمد عبدالله دراز, والدكتور أحمد الشرباصي, والشيخ محمد الغزابي الذي أعتبر كتبه قطعا فريدة من الفن العظيم والنضال القوي, ولا أظن أن عالما أزهريا وقف ضد الاستبداد مثلما وقف الشيخ محمد الغزالي. هناك أيضا الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي كان بالإضافة إلي علمه الديني الغزير شاعرا, وله ديوان كامل أخرجه منذ فترة قليلة الصديق الدكتور صابر عبدالدايم. هذا الأزهر المملوء بالعلماء والمثقفين عندما يحتاج لإصدار وثيقة الآن يستدعي مثقفين من الخارج, ومع احترامنا الشديد لهؤلاء جميعا, فإن بعضهم عليهم علامات استفهام كبيرة لأنهم من المنسوبين إلي فلول النظام السابق.. فهل خلا الأزهر من المثقفين حتي يستعين بمثقفين من خارجه؟.. الأزهر إذن يمارس عملية إقصاء للمثقفين في داخله.. ولا أدري لماذا؟.. هل نسي فضيلة شيخ الأزهر أن الجامعة الأزهرية تضم كثيرا من المثقفين الذين يسهمون إسهامات فعالة في الساحة الثقافية المصرية والعربية؟ ومن العجيب أن مثقفي الأزهر يمارس عليهم الإقصاء داخل الأزهر وخارجه, فوزارة الثقافة علي سبيل المثال يتولي شئونها منتدبون من كلية الآداب جامعة القاهرة, وثلاثة منهم في الفترة الأخيرة أصبحوا وزراء للثقافة: الدكتور جابر عصفور, ثم الدكتور عماد أبو غازي, ثم الدكتور شاكر عبدالحميد, أيضا المركز القومي للترجمة يديه أساتذة آداب القاهرة, وأحيانا يحدث كسر للقاعدة فينتدب لأماكن أخري أساتذة من آداب عين شمس أو الألسن. أيضا جوائز الدولة شبه محرمة علي الأزهريين, فلماذا هذا الإقصاء شبه الكامل للأزهر؟.. ولماذا يسير شيخ الأزهر علي الوتيرة نفسها؟ لا أريد أن أخوض في بعض الأوضاع التي تجري في الأزهر الآن حتي لا يقال إني أقول ذلك لمجرد أني من المستبعدين من كل ما يتعلق بالأزهر بصلة, ولكن من حقي أن أنبه إلي أن الأزهر في وضعه الحالي يحتاج إلي مراجعات كثيرة.. ولا أدري لماذا نخاف دائما من كشف الحقائق في المؤسسات الدينية؟.. وإلي متي سوف يظل حالنا هكذا؟.. وهل المؤسسات الدينية خارجة عن نطاق النقد الإيجابي الخلاق؟.. أم أننا نتصور أن القائمين عليها ملائكة؟.. إذا كنا سوف نظل نفكر بهذه الطريقة فادعوا بالرحمة والمغفرة لثورة52 يناير.