اهتزت مصر كلها للجريمة الارهابية الغادرة التى وقعت على أرض سيناء وحصدت أكثر من " 60 " رجلا من خيرة شباب القوات المسلحة ما بين شهيد وجريح ، وتعالت صرخات الكثيرين رافضة مجابهة الأرهاب بالوسائل التقليدية ومحاكمة عناصره أمام القضاء الطبيعى فهى جريمة غير عادية تتطلب محاكمات ومواجهات غير عادية أيضا على حد قولهم ،فطالبوا بتقديم الجناة للمحاكمات العسكرية لتحقيق العدالة الناجزة والردع المطلوب ، كون الدولة فى حالة حرب مع هذه التظيمات الارهابية ، بينما تحفظ أخرون على هذا المطلب وقالوا " لابد من تحديد طبيعة الجرائم التى يجب تقديمها للقضاء العسكرى طبقا للدستور، ولكن أتفق الجميع على ضرورة مواجهة الارهاب من خلال منظومة مجتمعية متكاملة.
المستشار الدكتور مدحت سعد الدين نائب رئيس محكمة النقض يوضح لنا المواجهة القانونية قائلا " لاشك أن الحادث الارهابى الأخير فى سيناء قد أدمى قلوب المصريين جميعا واستفز مشاعرهم تجاه هذا الارهاب الخسيس، واستنفر قواهم وشحذ هممهم للتوسل بأى وسيلة لمقاومته وإجتثاث جذوره من أرض الكنانة الطاهرة، الارهابيون عادة مايعجزون عن مواجهة قوات الدولة على المستوى العسكري، مما يدفعهم إلى استخدام وسائل غير مشروعة من العنف واستهداف العسكريين والمدنيين على السواء والأملاك العامة والخاصة، بالمخالفة لجميع القوانين الوطنية والدولية، وهم يدركون أنهم ليس لديهم القدرة على إحداث تغيير فى نظام الدولة، ولهذا يلجأون إلى العنف الارهابى لاضعاف استقرار النظام، وإحداث الأذى بأعضاء مجتمعه من أجل الوصول لتحقيق أهداف سياسية بإحداث الرعب فى المجتمع، وتعويق تقدمه نحو الوصول لأهدافه فى هذه المرحلة الحرجة، بهدف إسقاط النظام ودفعه لاتخاذ وسائل تفقده شرعيته، وهم فى المقابل يسعون إلى أضفاء صفة الشرعية على أعمالهم كالبحث عن تأييد لهم فى الداخل والخارج. التزام على الدولة بكافة سلطاتها من أجل ذلك فقد تضمنت المادة 237 من الأحكام الانتقالية فى الدستور القائم، إلتزام الدولة بمقاومة الارهاب بكافة صوره وأشكاله، وتعقب مصادر تمويله وفق برنامج زمنى محدد باعتباره تهديدا للوطن وللمواطنين مع ضمان الحقوق والحريات العامة. إذن مواجهة الارهاب إلتزام على الدولة بكامل سلطاتها ومؤسساتها ولاتنفرد به سلطة بعينها، ومن ثم فقد تم تعديل نصوص قانون العقوبات المتعلقة بالارهاب بإضافة جرائم جديدة وتغليظ العقوبات عليها لتصل إلى الاعدام والسجن المؤبد والمشدد، وتنظر المحاكم العديد من القضايا التى ارتكبت فى ظل هذه التعديلات وصدرت بعض الأحكام بالفعل التى تحقق ردعا عاما للجميع ومازالت باقى الدعاوى منظورة أمام المحاكم، غير أن الحديث الدائر الآن حول العدالة الناجزة والبطء فى إجراءات التقاضى أثناء نظر هذه الدعاوى هو أمر لايخلو من المحاذير، لأن قاضى الدعوى حينما ينظر دعوى معروضة عليه يكون هو الوحيد القادر على تقدير ظروفها وفهم أبعادها ومدى إمكان الفصل فيها خلال الأجل الذى تستلزمه لنظرها، وأى تعليق أوحديث فى هذا الشأن محظور لأنه يمثل جريمة التدخل فى شئون العدالة. الطوارىء ومواجهة الأرهاب. أما عن مواجهة استفحال ظاهرة الارهاب وتكرار وقوع الحوادث الغادرة على رجال القوات المسلحة والشرطة، فإن هذا الأمر هو من جرائم العدوان على الأمة بأسرها بهدف اسقاط النظام، وهو ما يستلزم تضافر جهود كافة السلطات للقضاء على هذه الظاهرة. وإذا كانت المادة "154 " من الدستور القائم تعطى لرئيس الجمهورية الحق فى إعلان حالة الطوارئ بعد أخذ رأى مجلس الوزراء على النحو الذى ينظمه القانون، فإنه وفقا للمادة " 3 فقرة 6 " من قانون الطوارئ " رقم 162 لسنة 1958" يجوز له إخلاء بعض المناطق أوعزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة، وأعطاه القانون سلطة توسيع دائرة الحقوق المبينة فى تلك المادة، وفى المادة "7 " من ذات القانون تفصل محاكم أمن الدولة الجزئية والعليا فى الجرائم التى تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التى يصدرها رئيس الجمهورية، ويجوز لرئيس الجمهورية وفقا للمادة " 8 " من ذات القانون أن يأمر بتشكيل دوائر أمن دولة فى المناطق التى تخضع لقانون الطوارئ وتتشكل من ثلاثة ضباط من القادة العسكريين ، ويقوم أحد الضباط بوظيفة النيابة العامة، كما يجوز له وفقا للمادة" 9" من ذات القانون أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة الجرائم التى يعاقب عليها القانون العام ومنها جرائم الأرهاب. الأرهاب والقضاء العسكرى أما الحديث عن موافقة مجلس الوزراء على تقديم مشروع قانون لضم قضايا الإرهاب إلى القضاء العسكرى فقد تضمنت المادة "204 " من الدستور القائم عدم جواز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى إلا فى الجرائم التى تمثل اعتداء مباشرا على المنشآت العسكرية أومعسكرات القوات المسلحة أوما فى حكمها أوالمناطق العسكرية أوالحدودية أومعداتها أومركباتها أوأسلحتها أوذخائرها أووثائقها أوالجرائم التى تمثل اعتداء مباشرا على ضباطها أوأفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم، ومن ثم فإن تعديل نصوص قانون الأحكام العسكرية ليتضمن الحالات المستحدثة يجب أن يتوافق مع النص الدستورى ولايخالفه، إذن النص على ضم قضايا الارهاب إلى القضاء العسكرى يجب أن يكون فى هذا الإطار، حتى لايوصم بعدم الدستورية إذا كنا نبغى سرعة الفصل حقيقة فى قضايا الارهاب وتحقيق الردع المطلوب منها، وبدلا من النص على جرائم قد لاتتفق مع الدستور فلتمد حالة الطوارئ على مستوى الجمهورية خلال تلك المدة – وتلك ضرورة- وحينها تكون كل الاجراءات المتبعة فى ظل قانون الطوارئ متفقة مع الدستوربشرط العرض على مجلس النواب عقب تشكيله.